فى اللغة العربية الكثير من أدوات الاستفهام، وكل منها لها دورها فى اللغة، فمن مثلاً تعتنى بالفاعل، أما ما.. وماذا.. فتعتنيان بالفعل، وبالنسبة لمتى.. فتختص بزمان وقوع الحدث، وأخيراً كيف.. ولماذا.. تعتنيان بظروف وملابسات وأسباب وقوع الحدث، وفى رأيى فإن لماذا.. على وجه الخصوص هى الأداة الأهم. ولأدلل على قولى هذا فاسمحوا لى أن أطرح بعض الأمثلة، والحدث الذى سنمثل به وصول أوباما للبيت الأبيض وهو حدث مهم، لكن الأهم هنا الأسباب وهى التى تستفسر عنها لماذا. وأيضاً من الممكن أن نجعل من القرصنة فى خليج عدن كمثل آخر، وتكون الأسباب هنا الأهم وما يقودنا للأسباب لماذا، ولكى يتضح لنا أهمية لماذا علينا أن نتعرف على أهمية الأسباب، فى أى حدث كارثى مثلاً كمثلنا فى القرصنة تعد معرفة الأسباب أول الطريق للعلاج، فنحن حينما نضع أيدينا على السبب نستطيع حل المشكلة مهما كانت معقدة وإن كان الحدث ساراً أو يبعث على الفخر، فبوضعنا أيدينا على السبب يجعلنا قادرين على تكراره فى أكثر من مكان، وهنا أعنى مثلنا الأول وهو وصول أوباما للبيت الأبيض بما يحمله من انتصار لحقوق الأقليات. أما خطورة لماذا الحقيقية تتجلى فى أنها تعطى فرصة واضحة للاختلاف، فقد يتفق الجميع على الحدث، فلا جدال أن مصر انهزمت فى نكسة يونيو ولا جدال أن أوباما انتصر ولا جدال أن هناك قرصنة فى خليج عدن وأن هناك مشروعا جديدا يتقدم به الحزب الوطنى لإدارة أصول أملاك الدولة، لكن لماذا نطرح تبايناً كبيراً حول الأسباب التى أدت لحدوث هذه الأحداث سالفة الذكر، ففى الوقت الذى يلقى فيه البعض مسئولية النكسة على ناصر، يحمل البعض الآخر المسئولية لأمريكا وعامر، وفى الوقت الذى يرجع البعض الفضل لتفتح الشعب الأمريكى لوصول أوباما لسدة الحكم، يعيد البعض الآخر الفضل لتفوقه لحملته الانتخابية الممتازة، وفى الوقت الذى يعيز البعض القرصنة للاضطرابات العسكرية الجارية فى الصومال، يعيزها البعض الآخر لتردى الحالة الاقتصادية فى الصومال، وفى الوقت الذى يبرر فيه البعض ما ستقدم عليه الحكومة من طرح الأسهم، لأنها تحب الشعب وعايزاه يعيش متنغنغ، يرفض البعض الآخر هذه الفكرة ويعيزها إلى أن الحزب يعمل لكى يقدم نوع من الدعاية الانتخابية المسبقة لصالح السيد جمال مبارك، وهو تبرير مرفوض من مجموعة أخرى، مرتكزين على أن هذا المشروع سيكشف الحكومة فى المستقبل حين ينفق الشعب عائدات بيعه للصكوك ويعود لها ليسأل هل من مزيد؟ والرأى الأخير يحلل ما ستفعله الحكومة على أنه سلوك غير مبرر، ويستشعر بأن هناك مصيبة من ورائه خاصةً وأنه يلمح بأن كارثة ستقع حين يتم للحكومة ما أرادت إذ لن يدخل للحكومة نفس العائد السنوى الذى كان يدخل لها من تلك الشركات إذ سيتقلص نسبتها فى هذه الشركات بتخليها عن جزء منها للشعب فى صورة صكوك. بل إن أحدهم لفت نظره ذلك التضارب فى أقوال وزيرى المالية والاستثمار، ففى حين أكد الأول إمكانية بيع الصكوك لأجانب أثناء برنامج "البيت بيتك"، نفى الأخير هذه الفكرة وأكد على أنه من الممكن أن يحدث هذا حين تُحوَّل الصكوك إلى أسهم فى البورصة فقط، وهو أمر يضعنا أمام استفسار أخطر، ألا وهو كيف ستطبق الحكومة مشروعها وهى غير متفقة على كيف ستطرحه!؟ وتضاربهم هذا يجعلنا أمام سؤال آخر لماذا هذا التضارب!؟ وبالتالى ستظل أداة الاستفهام لماذا أداة للبحث عن بيت الداء وللبحث عن المتاعب وللبحث عن الأفضل، ولكن حسب مكانها وحسب من يستخدمها إن كان قادرا على استيعاب رأى الآخر مهما كان مخالفاً له بصدر رحب وإلا تصير أداة الاستفهام لماذا سبباً فى الاختلاف والخلاف وأخيراً إن معرفتنا السبب يبطل لنا العجب.