الفساد ليست ظاهرة فردية أو شخصية أو محدودة بمجتمع ضيق أو حالة معينة خاصة، بل هى ظاهرة مجتمعية تعم المجتمع الإنسانى بغالبيته، فالفساد يحدث عندما يغيب الضمير ووجود الضمير لدى الإنسان مهم، فهو قاض ومشرف، ودليل أمين له رأيه فى قبيح الأمور وجميلها، وهو من هذا المنظار قاعدة كبرى لتربية الإنسان وسعادته. وتتعدد أوجه الجدل الذى يدور حول الفساد، فبين فساد الفرد وفساد المجتمع ترابط وثيق، وبين فساد السلطة وفساد المواطنين ترابط وثيق أيضاً.. إلا أن فساد الضمير الإنسانى ذاته يشكل إخلالا جسيما لبنية المجتمع وتماسكه ونهضته. وبغياب الضمير تنبت بذور الفساد فى كافة المجالات، فيتم تشويه الفكر والثقافة وتسود مفاهيم مغلوطة، ويتم تبديل مسميات الأشياء والسلوكيات على غير حقيقتها، فترى السارق المفضوح بجريمته موصوفا بالفهلوى، وبأنه يعرف جيدا من أين تؤكل الكتف على حد تعبير المثل الشعبى الشهير، والحقيقة المؤلمة أن الفساد يتغلغل فى جسد المجتمع بأثره، ولعل أفظع صوره وأكثرها وضوحا تتجلى فى فساد المناصب والمواقع، وهو الفساد الذى يصور لكل صاحب قرار فى مكانه أنه الوحيد المسيطر، وأنه يستطيع أن يحرك الساكن فى الاتجاه الذى يحلو له هو شخصيا. فالضمير يؤدى مهمته فى ثلاثة أبعاد أساسية، كل واحد من هذه الأبعاد الثلاثة بحاجة إلى المزيد من التربية والتعميق: 1 ضمير المعرفة: وهو الشعور النفسى الذى يشعرنا بالحالة أو الوضع الذى نحن فيه، فنحن نستطيع التفكير بأنفسنا فى أية لحظة لتقييم الوضع أو الحالة التى نحن فيها، ونحكم عليها، فنرى مثلاً هل حالنا جيد أو سيئ؟ وهل نحن فى حالة استقرار وسكينة أم فى قلق واضطراب؟ وهل حالنا سليم أم سقيم؟ 2 الضمير التوحيدى: وهو الضمير المدرك أن لهذا الكون خالقاً اسمه الله تعالى، وهو خالق كل شىء، وبيده الأمر والخلق، وبيده زمام كل أمورنا وحياتنا ومماتنا. 3 الضمير الأخلاقى: وهو المؤشر الدال على القبح والجمال، يتولى الحكم على صحة أو سقم سلوكنا، يؤنبنا على كل قبيح، فيدفعنا ذلك إلى إعادة النظر فى سلوكنا، واتباع السلوك القويم والأخلاق الفاضلة بكل شغف وارتياح. والطريق الوحيد لمقاومة هذا الفساد هو الوضوح والشفافية لنتمسك بالقيم والأخلاق، فالضمير قابل للنمو والتثقيف والتربية، بحيث مع الأيام يصبح قادرا على إصدار الأحكام الصائبة والسير بصاحبه فى طريق الخير.