قرار حكومة الدكتور عصام شرف بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحل مجلس إدارة الاتحاد العام للعمال نتيجة للبطلان الذى شاب انتخاباته جاء بمثابة رصاصة الرحمة التى أطلقتها الحكومة لتوقف بها الحرب الشعواء التى دارت رحاها منذ انطلاق ثورة يناير بين الاتحاد العام لعمال مصر والنقابات المستقلة التى اتخذت من قانون الحريات النقابية طوقاً للنجاة من قيود السلطة والتحكم التى سادت الأداء النقابى على مدار العقود السابقة فحولت الحركة النقابية إلى ما يشبه الكومبارس الصامت فى مسرحية كبيرة. وسرعان ما اتخذت هذه النقابات بعد ثورة يناير مواقف حاسمة بتكوين ما يسمى بالاتحاد المستقل للعمال ليحتوى بداخله تلك النقابات التى تخرج للحياة تباعاً فى معزل عن قلعة الاتحاد العام.. ورغم حداثة العهد لتلك النقابات إلا أنها استطاعت خلال فترة وجيزة أن تقوم بتنظيم صفوفها قدر المستطاع وتواجه بكل شجاعة تحديات الداخل التى تمثلت فى مقاومة بعض الجهات الإدارية ومجالس إدارة الهيئات والشركات التى أراد عمالها تكوين نقابات مستقلة خاصة بهم تبحث عن حقوقهم المشروعة ظناً منهم أن العهد القديم قد انتهى وأنه قد آن الأوان لكى يقف كل مصرى أمام الصعاب بحثاً عن حقه المسلوب.. وكان المحرك الأكبر لهذا التعنت والصلف من جانب الإدارات والمجالس فى مقاومة تكوين النقابات المستقلة لعمالها هو ذلك الاتحاد العام لعمال مصر الذى ظل على فترات طويلة يقاوم ما يحدث من تغيير ملموس فى الحياة السياسية منذ ثورة يناير لأنه يمثل القاعدة الأخيرة للتغيير الذى بدأ من أعلى الهرم السلطوى فى مصر متمثلاً فى الرئيس المخلوع ونزولاً لقيادات ومسئولين كانوا فى نظر الكثيرين بعيدين عن متناول العدل الشعبى الذى مثلته الثورة حتى بدأت تلك القاعدة تحس بوصول بوادر هذا التغيير لها فى شكل تنظيمات عمالية حقوقية كانت فيما مضى تبحث عن مكان آمن لتعقد فيه اجتماعاتها بعيداً عن أعين أمن الدولة والاتحاد العام وهى الآن تجتمع بكل جرأة وفى وضح النهار لتعلن للجميع أنها تجتمع لتأخذ صفةً قانونية ورسمية تستطيع بها الدفاع عن حقوق هؤلاء العمال المستضعفين منذ زمن بعيد.. وزاد على ذلك القضايا التى تم رفعها لحل الاتحاد فأصبح التهديد أكثر وضوحاً وصراحة وتحول من تنظيم الصفوف إلى الهجوم المباشر على الاتحاد العام لحله وتفكيكه.. فتحولت الحرب الباردة إلى حرب أكثر ضراوة وسخونة. ومما لا شك فيه أن هذا القرار يمثل الفرصة الذهبية التى انتظرتها النقابات المستقلة لتخلو لها الساحة لبعض الوقت لتبنى وتنظم الصفوف فى هدوء وسرعة – وأقول لبعض الوقت لأننا جميعاً نعلم أنه أصعب ما تكون المقاومة للتغيير عندما تصل للقاعدة فإما استطاعت قوة هذا التغيير فى تخليص أجزاء الجسد المنهك من المرض أو يستقوى المرض ليفتك بالمقاومة ويغزو باقى الجسد.