لا أعلم هل هى صدفة أن يأتى شهر المبارك بالتزامن مع جمعة التحرير السلفية؟ أم أن الأخوة السلفيين رتبوا لهذا من أجل صرخة إسلامية قوية انطلقت من آلاف الحناجر القوية؟ أو ربما أرادوا أن يوفروا على القوى السياسية الأخرى الحرج من تعليق اعتصامهم بالتحرير بناء على قوة التيارات الإسلامية الحاشدة التي فوجئوا بها ليتحججوا بشهر رمضان ويعلنوا تعليق اعتصامهم لحين انتهاء شهر رمضان والعودة بعد عيد الفطر المبارك كما أعلنوا أمس. أعلم أن كثيرين من الزملاء ساورهم القلق الشديد إزاء هذا الحضور الطاغى للتيارات الإسلامية بالتحرير وهو أيضا ما جعل النخبة تعرب عن قلقها الشديد. فى المقابل نجد أن جموع الشعب المصرى والذى يطلق عليهم الكتلة الصامتة لم يجدوا غضاضة فى إظهار فرحهم بالانتصار المعنوى للقوى الإسلامية وأيدوا بقوة تواجدهم الكثيف وحضورهم الهائل بميدان التحرير وتمادى بعضهم ليظهر شماتته فى القوى السياسية والحركات الشبابية لضآلتهم الواضحة أمام القوى الإسلامية، وهذا بالتالى يقودنا إلى تساؤل خطير ربما يشغل بالنا جميعا.. لماذا تحظى القوى الإسلامية فى مصر بهذا التأييد الشديد من الكتلة الصامتة بينما على الطرف الآخر نجد ضيقا شديدا ربما يصل لحد الكره للقوى السياسية الأخرى والحركات الشبابية على الرغم من أن هذه الحركات هى من دعت للثورة التى بالتأكيد ان اتخذت مسارا صحيحا ستعود على الشعب المصرى كله بفوائد جمة وديمقراطية نتمناها منذ أكثر من خمسين عاما وفى المقابل سنجد أن معظم التيارات الإسلامية، خصوصا التيارات السلفية اتخذت موقفا سلبيا من الثورة فى بدايتها. وهذا يقودنا إلى السؤال الأهم والذى يحتاج منا إلى مصارحة ومكاشفة خالصة مع النفس.. لماذا يكره كثيرين منا الثورة؟ ويكرهون بشدة شباب الثورة؟ واعتقد أن الإجابة على هذا السؤال وسؤال لماذا يؤيد الشعب الإسلاميين بهما الكثير من مفاتيح نجاح الثورة التى تعتمد اعتمادا أساسيا على الأغلبية الصامتة والتى يشكل معظم قوامها الطبقة الوسطى فهى الطبقة التى تعمل وتنتج وهى الطبقة التى سوف تذهب إلى صناديق الانتخابات وهى الطبقة التى تجدهم يوميا فى المصالح الحكومية والشركات الخاصة والعامة وهى الطبقة التى تبغى الأمان والاستقرار وهى أيضا وهذا هو الأهم أكثر طبقات الشعب المصرى تدينا بالفطرة وهى الطبقة التى يزعجها بشدة الكلام عن الدولة الليبرالية والعلمانية رغم نسبة الثقافة المرتفعة بها. أضف إلى كل هذا تواجد التيارات الإسلامية (إخوان وسلفيين) فى الشوارع والمساجد والمستشفيات الخيرية، ومؤسسات الزكاة مع الناس يكلمونهم ويتعاملون معهم ويعلمون بالضبط مطالبهم وأمنياتهم البسيطة، وعلى النقيض الآخر يقبع شباب الثورة فى التحرير وفى ميادين المحافظات ويتحدث بعضهم فى الفضائيات بعجرفة لا تطاق ثم يقوم بعضهم بأعمال تعطل مصالح الناس (مثل إغلاق مجمع التحرير وقطع طريق السخنة) بالإضافة إلى محاولات التصعيد مع المجلس العسكرى فيزداد نفور الناس منهم وتتباعد المسافة بينهم وبين الناس مع يقيننا الشديد من وطنية هؤلاء الشباب وغيرتهم على وطنهم ورغبتهم فى ثورة مكتملة ولكن قلة خبرتهم وتكالبهم للظهور فى وسائل الإعلام وبعدهم عن الشارع وربما لو توقف واحد منهم فقط وسأل نفسه سؤلا واحدا "كيف أقوم بثورة ضد نظام فاسد طاغ ثم يكرهنى غالبية الشعب؟!!!، بل أعطى فرصة ذهبية لأشخاص لم يكونوا معى من البداية باحتلال غالبية مقاعد البرلمان "لو أعطى فقط الشباب لنفسهم فرصة ووظفوا حماسهم الثورى توظيفا صحيحا والتحموا بالشعب وتركوا مقاعد الفضائيات وتوقفوا عن المصطلحات المستفزة لأغلبية البسطاء والتى يربح على أثرها الإسلاميين نقاطا على حسابهم وفى الوقت نفسه لا يجوز بأى حال من الأحوال إغفال والاستهتار بقوة التيارات الدينية فى مصر وتأثيرها على المواطن العادى وبدلا من معاداتها والهجوم عليها فلتقتربوا منها ولتتوحد الصفوف بحق وليس مجرد كلمات فى الصحف ولنعلم جميعا أن الإسلاميين ليسوا فزاعات هدفها بث الرعب فى قلوب الناس بل هم أناس عاديين لهم فكر ورؤية وأيضا الحركات السياسية والشبابية ليسوا عملاء وجواسيس وأشخاص مخربين يتلقوا تمويلهم من الخارج بل هم أشخاص محترمون يريدون مصر جديدة مفعمة بالديموقراطية والحرية فلنترو قليلا قبل أن نندفع فى أى اتجاه، ففى النهاية دائما المستفيد هو المواطن المصرى والذى إن خسر سوف يصاب باليأس وساعتها ستخسر مصر كلها وسوف نصاب جميعا باليأس. و كل عام وأنتم بخير