فى تمييز الإنسان عن الحيوان قيل إن الإنسان حيوان ناطق، أو عاقل، أو اجتماعى، ولكن أدق تعريف ذلك الذى يقول: إن الإنسان حيوان له تاريخ يتعلم منه، حتى لا يكرر الأخطاء. أما الحيوان فلا يحفظ تاريخه، ومن ثم يقع فى الشرك نفسه الذى وقع فيه أسلافه. أقول هذا بمناسبة القوى السياسية التى تتطلع إلى الحكم، وتعجز عن تحقيق أهدافها بنفسها، فتبحث عن ظهير خارجى ليجلسها على كرسى الحكم، أو أن تستجيب لمغازلة هذا الظهير الذى يعلن تأييده لها دون أن يدرى هؤلاء القوم أنهم يصبحون بذلك مجرد ألعوبة فى يد هذا الظهير، يحركونها كيفما شاؤوا، فيحصلون بجدارة على لقب «العملاء». ولعل الغزو الأمريكى للعراق عام 2003 ووصول المعارضة الشيعية للحكم على ظهر الدبابات الأمريكية يؤكد هذه الحقيقة. ورغم ذلك وجدنا نفرًا من المعارضة السورية يتصلون بالإدارة الأمريكية للغرض نفسه، دون تبصّر بالنتائج. وفى التاريخ غير البعيد ما يؤكد بؤس الاعتماد على ظهير خارجى، ففى مصر استعان مصطفى كامل بفرنسا لإخراج الإنجليز، ففتحت له فرنسا أبواب انتقاد بريطانيا، لا لشىء سوى أنها اغتاظت من انفراد إنجلترا باحتلال مصر، حتى إذا اتفقت الدولتان على تسوية المصالح بينهما فى أبريل 1904 (الوفاق الودى المشهور) تخلت فرنسا عن مصطفى كامل. وفى يونيه 1916، وأثناء الحرب العالمية الأولى قاد الشريف حسين أمير الحجاز ثورة على حكم الأتراك بدعم بريطانى مقابل وعد بتعيينه ملكًا على كل الجزيرة العربية، وتنجح الثورة، ولا يصبح الشريف ملكًا، لأن الإنجليز استخدموه حتى تضطر تركيا وكانت فى المعسكر المضاد لإنجلترا، إلى سحب قواتها من ميدان الحرب لإخماد الثورة. وفى السودان يذهب عبدالواحد النور زعيم حركة تحرير السودان إلى إسرائيل لاستعدائها على بلده. ومنذ قيام ثورة 25 يناير ألقت الحكومة الأمريكية شباكها لاحتضان فصائل الثوار بهدف توجيه الثورة، ورصدت ملايين الدولارات لتوزيعها على جمعيات حقوق الإنسان لدعم الديموقراطية. ولما تبينت تعاظم شأن الإسلاميين واستيلائهم على ميدان التحرير أعلنت بوضوح ودون مواربة أنها تؤيد الإخوان المسلمين وتفتح معهم باب الحوار، (راجع أخبار وكالات الأنباء 30 يونيه وأول يوليو الجارى)، ولا يعلن أحد من هؤلاء وأولئك احتجاجهم على هذا العرض الفاضح، وهذا الدعم الذى لابد أن يكون له ثمنه، بل وجدناهم يرحبون به، ولا يمانعون فى أن يصلوا للحكم بدعم أمريكى، بل على العكس فإنهم يعتقدون أن العرض الأمريكى يعنى اعترافًا بأهميتهم على الساحة السياسية؟! فهل يظن هؤلاء حقيقة أن أمريكا تؤيد المسلمين والعرب.. ألم يشهدوا ما حدث فى أفغانستان والعراق والسودان؟! إن الولاياتالمتحدةالأمريكية فى إطار منهج «الفوضى الخلاقة» التى قالت بها كوندوليزا رايس فى عام 2005 وما يبدو من ظاهر الأحداث أنها تؤيد الإخوان المسلمين فى مصر لأنها تعلم أنهم حال وصولهم للحكم سواء لرئاسة الدولة أو للسلطة التشريعية سوف يشرعون فى صياغة قوانين البلاد على مقتضى الشريعة الإسلامية، وعندئذ يحتج الأقباط فتتدخل أمريكا لنصرتهم، ولا تجد حلاّ إلا تقسيم مصر طبقًا لما رسمه برنارد لويس، أستاذ التاريخ الأمريكى، الإنجليزى الأصل اليهودى - الصهيونى، فى مشروعه الذى اعتمده الكونجرس الأمريكى فى 1983 لصالح إسرائيل الكبرى. والحال كذلك يتأكد ما قرأته فى الوثائق الأمريكية (1943 - 1945) من أن عقلية الشرقيين عقلية غير مركبة not sophisticated أى بسيطة وأنهم لا يدركون ما بين السطور، ولا المغزى البعيد للكلمات، وبالتالى يسهل الإيقاع بهم فى المصيدة.