دعونا نتفق أن الشباب الذى نظم ثورة 25 يناير العظيمة قد افتقد لشىء هام جدا يعتبر بمثابة أهم من قيام الثورة نفسها، ألا وهو "مرحلة إدارة ما بعد الثورة" صحيح استطاعت الثورة أن تقضى على رأس النظام الذى كان يرى الشعب مجرد كائنات دون كون ووجود دون علة ليس لهم الحق فى أن يعيش حياة كريمة. واستطاعت أيضا أن تزج بأتباعه فى السجون ومزابل التاريخ حتى أشفقنا على شعور تلك المزابل من احتواء أمثالهم، واستطاعت أيضا أن تقضى على رؤساء التحرير الذين جعلوا من الصحف القومية كالبغايا والعاهرات التى تجوب شوارع باريس بحثا عن الزبائن.. وصحيح أنك عندما تنظر فى النتيجة ستجد أن صلاة الفجر فى تمام الساعة الرابعة وعشر دقائق ولكنك إذا نظرت فى الساعة ستجدها الثالثة وعشر دقائق، فهنا ستتأكد أن الثورة ألغت العمل بالتوقيت الصيفى الذى كان يمثل كابوسا للمصريين فى العصر المباركى. ولكن ما افتقده الثوار فى مرحلة ما بعد الثورة هو تحديد مجموعة بعينها تتحدث عن الثورة فى المؤتمرات والمحافل المختلفة فما حدث فى مؤتمر "الوفاق الوطنى" الذى دعا إليه المجلس العسكرى خير دليل على عدم توحيد الصف، فقد خرج شباب من ائتلاف الثورة بعد المؤتمر يقول إن هناك شباب تتحدث باسم الثورة لم نعرف عنهم شيئا ولم يعملوا فى السياسة قبل 25 يناير ومن هذا المنطلق كان من الأهمية بمكان أن يتم تحديد مجموعة بعينها لتتحدث عن مطالب الثورة، حتى لا يكون هناك مجالا للدخلاء الذين يسعون إلى الفوضى وتحقيق الشو الإعلامى، فلابد أن يكون الثورى نظيفا، ومحددا حتى لا تتسخ الثورة. هناك شىء صاحب قانون حرية تأسيس الأحزاب فتجد الآن فى الميادين العامة وحتى فى الأزقة لافتات تدعوك إلى الانضمام إلى حزب ما ومنشورات تدعوك إلى حضور المؤتمر الصحفى الأول لحزب ما حتى أصبح أكثر الأشياء فى بلدتنا الأحزاب. ومن الغريب أن تلك الأحزاب تسعى فى البداية إلى نبذ الشقاق وتحقيق الوفاق وبعد ذلك كلها ينشق فى الساعة شقين وينشق على الشقين شقان، وينشقان عن شقيهما لنرى بعد ذلك أن أحد أعضاء الحزب خرج ليشكك فى مصداقية رئيس الحزب على صفحات الجرائد ليتفكك الحزب، وهكذا دواليك فى كل الأحزاب لذلك فكرت فى أن أنشئ من نفسى حزبا ثم أفعل مثلهم تماما، أعلن عن حزبى انشقاقى، فرحنا كثيرا للمبادئ التى نادت بها الثورة، ولكن ما يحدث على أرض الواقع جاء مختلفا تماما فما زال هناك من لا يحترم قواعد المرور، وهناك من يغازل الفتيات، وهناك من يلقى القمامة فى الشوارع، وهناك من يعترض طريق المارة، فأدركت تماما أننا لابد وأن نغير من أنفسنا أولا ولأن تشاؤمى أودى بى إلى نظرية مفادها هو أننا الذين نصنع "الحاكم الظالم" ونجعله يتبنى "نظرية القطيع"، وأدركت أيضا أننا الذين نزرع الطغيان بأنفسنا ونهيئ له التربة والنسمة لكى ينمو ويترعرع، وأدركت أيضا أنه لا توجد قمامة فى الدنيا يكون أدنى سفحها أنقى من القمة، وأدركت تماما أن العلة ليست فى الحاكم الظالم، العلة يا شعبى فيك. وأحجمت أن أدعو على الطغيان بالنقمة لأنى خشيت أن يقبل ربى دعوتى فتهلك الأمة.