بعد أن تستجم وتستمتع بأجواء العلمين الرائعة، حتى فى عز قيظ الصيف، فهناك كثير من المزارات السياحية والتاريخية التى توثق لمعركة العلمين، والتى كانت نقطة تحول لمصلحة قوات الحلفاء بقيادة الجنرال "مونتغمري"، على قوات المحور بقيادة ثعلب الصحراء "روميل"، وقد قمت بتلك الجولة عن طيب خاطر، ووجدت شغفى بها يزداد لحظة تلو الأخرى، والأسئلة التى تدور فى رأسى حول أسباب الحرب والاقتتال تكبر ثم تكبر حول من انتصر، وأنواع الأسلحة، فضلاً عما تثيره الملابس العسكرية الحقيقية والعتاد والصور من فضول لدى ولدى زائرى تلك الأماكن التاريخية العتيقة، خاصة الأطفال الذين تصحبهم الأسر فى تلك الرحلة كما شاهدت بعين رأسي. حتما فإن مثل تلك الزيارات ستجعل لدى هؤلاء الأطفال تصورا مغايرا تماما لما سوف يقومون بدراسته فى كتب التاريخ، فمن المؤكد إنه سوف تتداعى صور ولقطات من ذاكرتهم وتتضافر مع ما سيشاهدونه من أفلام تسجيلية عن الحرب العالمية الثانية، سوف تمنحهم أعمارا إضافية لأعمارهم، عندما توقفوا بمزيد من التأمل لمبنى المقابر الحربية الألمانية الذى يشبه قلاع العصور الوسطى، حيث يرفرف عليها العلمين المصرى والألماني، وتتوسط المقبرة ما يشبه المسلة كنصب تذكاري، كتب عليها "هنا ينعم 4300 جندى بالراحة الأبدية"، كما سيرسخ فى ذهن هؤلاء الأطفال عبارة "كرس لمثوى 4600 جندى وبحار إيطالي... الصحراء والبحر لا يعيدان ال3800 المفقودين"، فبهذه العبارة المؤثرة تستقبلك المقابر الإيطالية، وهى تقف كبرج أسطوانى ضخم أبيض اللون، وقد قام بتصميمها المهندس الإيطالى "باولو كاشيا دومينيوني"، وهو نبيل إيطالى شارك فى معركة العلمين، وقام بافتتاح المقابر رئيس وزراء إيطاليا "أمينتورى فانفاني" فى 9 يناير (كانون الثاني) 1959، وتقع المقابر على مسافة 5 كم غرب العلمين، وتتميز بالفخامة وفن المعمار. وتبقى "مقابر الكومنولث" هى أشهر المقابر وأكبرها بين مقابر العلمين، وهى التى تم تصوير عدد من الأعمال السينمائية العربية والأجنبية فيها، وقد قام بتصميمها النبيل البريطانى السير "هيبير ورثينجتون"، وافتتحها "برنارد مونتغمري" فى أكتوبر 1954، مصطحباً معه عددا من جنوده وعددا كبيراً من المدنيين، وعلى جدران البوابة التذكارية نقشت أسماء 11945 من الجنود الذين لم يتم العثور على أشلائهم، وتضم المقابر رفات 7367 ضحية من (بريطانيا ونيوزيلندا وأستراليا وجنوب أفريقيا وفرنسا والهند وماليزيا)، والذين لم تزد أعمارهم آنذاك على 20 عاما، وقد شارك من الهند وحدها نحو 25 ألف جندى وضاب بحسب ماهو موجود فى السجلات. انتهت زيارتى بالمتحف الحربى الذى يعد بمثابة بانوراما تاريخية للحرب العالمية الثانية، وهو يلقى الضوء على الدول الأربع الرئيسية (بريطانيا وألمانيا وإيطاليا ومصر) التى شاركت فى معركة العلمين، وتعرض مقتنيات المتحف فى عدة لغات، هي: العربية والإنجليزية والألمانية والإيطالية، فيما تضم حديقة المتحف عدداً من الدبابات والمدافع وغيرها من المركبات العسكرية، ويتضمن المتحف أيضاً مهبط طيران ومكتبة وقاعة فيديو، كما أنه فى حد ذاته يعتبر استراحة مفعمة بالمعلومات والتماثيل الشمعية للجنود فى حلة جديدة بتصميم متحفى منظم مقسم وفقاً للدول التى شاركت فى الحرب. وفضلا عن كل ماسبق يضم المتحف الحربى بالعلمين الجزء الخاص بتاريخ مصر الحديث، وبه تأريخ لتاريخ الجيش المصرى منذ عهد محمد على باشا، ودور مصر فى الحرب العالمية وصولاً إلى حرب أكتوبر المجيدة، أما أكثر المعروضات التى تترك أثرا طيبا فى الوجدان، فهى عبارة عن مجموعة قصاصات وخطابات وصور ومقتنيات شخصية التقطت أثناء الحرب، وهى مهداة من أسر الجنود والقادة الذين شاركوا فى معركة العلمين؛ يوثق بعضها انطباعاتهم عنها، ومن فقدوهم من أصدقاء كانوا ضحايا لتلك الحرب الضروس التى وقعت على رمال العلمين. اعتقد بأنه ما لايدع مجالا للشك فإن "العلمين" باعتبارها شاهدة على التاريخ سواء فى عصر الحروب وأوقات الحرب العالمية الثانية، أصبحت الآن شاهده على التاريخ الحى وصانعة للمستقبل القادم هنا على تلك الرمال المقدسة، ومن ثم يصبح ذلك زريعة قوية لتدشينها كى تكون أول مدينة من مدن الجيل الرابع تشهد اهتمام كبير من قبل القيادة السياسية، وعلى رأسها "الرئيس السيسى" أسوة بمشروع العاصمة الإدارية الجديدة، بل أصبح تشيدها الآن أمرا واجبا من أجل الأجيال القادمة فى مصر الحب والسلام.