جاءت حادثة اختطاف السائحين الأجانب فى جنوب غرب الحدود المصرية، لتطرح العديد من علامات الاستفهام حول الجهة المختطفة؟ وهل لها علاقة بمشاكل سياسية فى إحدى دول الجوار؟ أم أن الموضوع مرتبط بعصابات التهريب المنتشرة فى المنطقة؟!! للإجابة على هذه التساؤلات، تبدو هناك ضرورة للوقوف على خريطة الجماعات أو القبائل المسلحة على الحدود المصرية المشتركة مع كل من ليبيا والسودان .. فبالنظر إلى الخريطة الجغرافية لهذه الحدود، يتضح أنها منطقة صحراوية قاحلة غير مأهولة بالسكان سواء فى الجانب المصرى أو السودانى، بينما يشهد الجانب الليبى وجود قبائل تدعى "التبو" .. كانت قد كونت جبهة سياسية معارضة، وترددت أنباء عن وجود اشتباكات بينها وبين قوات الأمن الليبية فى عام 2007، وهو ما نفته القيادة السياسية فى الجماهيرية آنذاك. فى البداية يجب التأكيد هنا على أن إثارة علامات الاستفهام حول هذه القبائل لا يعنى توجيه اتهام مباشر لها فى هذا الحادث، بل هو محاولة لتحديد المخاطر على الحدود المصرية، خاصة فى تلك الجهة التى يكاد لا يعرفها شريحة كبيرة من المصريين .. كما أنها لا تعد توجيه لوم أو ما شابه للقيادتين الليبية والسودانية على ضبط حدودهما مع مصر، وهو الأمر الذى يواجه بصعوبات متعددة منها على سبيل المثال لا الحصر: اتساع الرقعة الجغرافية للمنطقة وطبيعتها الصحراوية التى جعلتها ساحة لعصابات التهريب المختلفة. ولكن السؤال الآن، لماذا يمكن أن تكون قبائل "التبو" أو عناصر منها متورطة فى الحادث، تحديداً دون غيرها سواء كانت عصابات التهريب أم عناصر من الجماعات المسلحة فى دارفور؟! فهناك عدة أسباب تجعلنا نركز على هذه القبائل، والتى يمكن بيانها فيما يلى: أولاً: أن عصابات التهريب عموماً لا تتركز كمجموعات فى المناطق الصحراوية، بل تنتشر عناصرها لتأمين عملياتها فقط، وعندما تواجه بدورية حرس الحدود سواء على الجانب المصرى أو السودانى أو الليبى، فإنها تحاول أن تهرب منها أو تشتبك معها فى أضيق الحدود، وبالتالى هناك صعوبة الاعتماد على سيناريو أن عصابات التهريب خطفت هؤلاء السائحين، لتساوم عليهما بفدية مالية. ثانياً: بالنسبة للعناصر المسلحة من متمردى دارفور، فهناك عاملان أساسيان يدفعان إلى القبول بنفى أى صلة لهم فى عملية الحادث.. العامل الأول، يرتبط بالجانب الجغرافى للمنطقة، فبالنظر إلى خريطة السودان وحدودها الخارجية، يتضح طول المسافة بين حدود إقليم دارفور فى الشمال والحدود السودانية المصرية، وهى أيضاً منطقة صحراوية ليس بها مقومات للحياة البشرية. أما العامل الثانى، فيتعلق بالتداعيات السياسية المتوقعة فى حال ثبوت تورطهم فعلياً فى الحادث .. ففى هذه الحالة يمكن أن نشهد تعبئة سياسية من الجانب المصرى، يتبعه دعم لوجيستى وعسكرى للحكومة السودانية بالخرطوم، لتزيد من قدرتها على مواجهة هذه العناصر، ويبدو أن هذا هو السبب الذى جعلها تبادر بنفى صلتها بالحادث. كما أن القول بوجود عناصر هاربة من هذه الجماعات فى الصحراء، نفذت هذه العملية، هو قول مردود عليه بأنه لا طائل من هذه المغامرة، خاصة وأن مكاسبها غير مضمونة فى ظل المكاسب المادية والسياسية التى تحققها مع جماعاتها فى الإقليم. ثالثاً: أما قبائل "التبو" على الحدود الليبية المصرية .. فتظل هى أو عناصر منها الأقرب للحادث، وهو استنتاج يستند على ما يلى: 1 أنها تتواجد فى جنوب ليبيا من واحة الكفرة حتى امتداد جنوب سبها، وهم قوم يتميزون بالبشرة السمراء ولهم لهجة خاصة بهم تسمى "التدغاء"، ويطلق عليهم أبناء الصحراء الكبرى. 2 وجود مشاحنات وصدامات مسلحة بين أبناء هذه القبائل، مع قوات الأمن الليبية، كان آخرها ما أعلنت عنه قناة الجزيرة فى نوفمبر 2007، من وقوع صدامات عسكرية بين الجانبين بعد أن اتهمت "التبو" الشرطة والجيش الليبى بتنظيم حملات تطهير عرقى ضدهم، بالإضافة إلى اتهامهم بتنظيم حملات اعتقال واسعة ضدهم، وهو الأمر الذى نفته السلطات بالجماهيرية جملة وتفصيلاً!! 3 اتخاذ عيسى عبد المجيد منصور رئيس جبهة قبائل "التبو"، فى يوليو من العام الجارى، خطوة اعتبرت سابقة هى الأولى من نوعها فى المنطقة العربية، تجلت فى رفعه لمذكرة إلى الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى، طالبه فيها بالتدخل لدى النظام الليبى لتسوية مشاكلهم، وضرورة اهتمام الجامعة بقضيتهم .. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل حذر منصور "من تحويل المناطق التى توجد فيها قبائل التبو إلى دارفور أخرى"، وذلك فى تصريحات خاصة لجريدة الشرق الأوسط فى 28 يوليو 2008. هذه الأسباب ربما تدفعنا للاعتقاد بوجود دور لهذه القبائل، أو عناصر منها، خاصة وأن أماكن تمركزهم تقترب من الحدود المصرية الليبية السودانية، كما أن العملية يبدو أنها مخططة بهدف الحصول على أموال، فيما يمكن اعتباره تعويضاً عما تلاقيه هذه القبائل من حرمان لحقوقهم فى الجماهيرية، حسب قولهم. وأخيراً، يجب التأكيد على أن هذا التحليل اجتهادى، لا يخضع لأية تصريحات رسمية أو غير رسمية حول موضوع السائحين المختطفين على الحدود المصرية، ولكنه محاولة لربط الحدث بجوانب وأبعاد التوتر على حدود البلاد .. الأمر الذى يدفع فى النهاية إلى ضرورة إعادة النظر فى حماية الحدود، من خلال تحديد مظاهر الخطر على حدودنا المختلفة.