◄◄ 9 ملايين مريض كبد ممنوعون من العمل فى الخليج بسبب الإصابة رغم إجماع الأطباء أنها غير مُعدية هل جربت أن تكون متهما بلا تهمة ولا تستطيع الدفاع عن نفسك؟ هل جربت إحساس الضعف والقهر تجاه أقرب الناس إليك؟ هل جربت أن تدافع عن حقك فى العمل أمام من يرفضون الاعتراف بقدرتك على العمل؟.. من جرب الظلم والتمييز لا ننتظر منه سوى التمرد، هذا ما يفعله الآن مرضى فيروسىْ «سى» و«بى» فى جميع أنحاء مصر، حيث قاموا بتأسيس موقعهم على الفيس بوك (معا ضد التمييز ضد مرضى فيروس سى) يشاركهم فيه ويدعم قضيتهم المركز المصرى للحق فى الدواء، والجمعية المصرية للكبد، وعدد من العلماء والمتخصصين، وهناك جهود مبذولة من جهات عديدة، فى مقدمتها وزير الصحة الدكتور أشرف حاتم الذى أطلق مؤخرا مبادرة لمحاربة هذا التمييز الذى يتعرض له المصريون فى الخارج، وسوف يطرح مبادرته فى اجتماع وزراء الصحة العرب قريبا فى أول اجتماع بهم. المعروف أن أرقام الإصابة بفيرس «سى» فى مصر مفزعة، وتؤكد أن من %10 إلى 15% من المصريين مصابين بفيرس «سى» فى مراحل مختلفة، ويقدر العدد الإجمالى بحوالى 9 ملايين مصرى، منهم على الأقل 3 ملايين يعانون من الالتهاب الكبدى المزمن «سى» ويجب علاجهم حتى لاتحدث المضاعفات.. لكن المضاعفات الأخطر التى يعانون منها هو التعامل معهم على أنهم مصدر للعدوى، ويتم عزلهم ومنعهم من العمل أو السفر لدول الخليج، وقد عرفت مصر طوابير لمرضى الكبد الفيروسى «سى» أمام معامل وزارة الصحة المركزية فى التسعينيات، وكانت شهادة الخلو من الفيروس أو الأجسام المضادة هى ممر الخروج أو القبول للسفر، بينما كانت التحاليل التى تظهر إصابة من أى درجة أو حتى أجسام مضادة تعنى حكما بالإعدام على المريض. وكانت تلك بداية التمييز ضد مرضى فيروس «سى»، مع رحلة المصريين الباحثين عن رزقهم فى العمل بدول الخليج، حيث أصدرت هذه الدول مرسوما يقضى باستبعاد مرضى فيروس «سى» من العمل، رغم أن طبيعة الوظيفة من الممكن أن تكون إدراية أو كتابية أوغيرها من الوظائف البعيدة عن التعامل مع المرضى، ومن المعروف أن فيروس «سى» لاينتقل إلا عن طريق الدم فقط. هذا القرار التعسفى- كما يصفه الدكتور هشام الخياط أستاذ الكبد بمعهد تيودور بلهارس- يحرم مئات الآلاف من المصريين للعمل فى دول الخليج بدون دواع أو أسباب حقيقية، بالإضافه إلى أن جميع دول العالم لا يشكل لها هذا المرض خطرا عليها، ولا تدقق فيمن يسافرون إليها للعمل فيها، فهم لا يشكلون أدنى خطورة فى انتقال المرض، وبالتالى أصبحوا قنابل موقوتة مرشحة للانفجار فى أى وقت، لأنهم يشعرون بتمييز يشبه التمييز العنصرى، فيما يعد مخالفة صريحة وصارخة لحقوق الإنسان وقوانين العمل وميثاق منظمة الصحة العالمية التى تدعو مثلا لدمج مرضى الإيدز فى مجتمعاتهم، رغم خطورة مرضهم، وتجرم التمييز ضدهم. هذا ما يؤكده محمود فؤاد، المدير التنفيذى للمركز المصرى للحق فى الدواء، وبدلا من أن تقوم الدبلوماسية المصرية بخطوات جادة لتغيير نظرة دول الخليج تجاه مرضى الكبد فى مصر اكتفت بالسكوت، فى المقابل قامت منظمة العمل الدولية ببعض الجهود الإيجابية لتغيير هذه النظرة الدونية نحو مرضى الكبد. ويشرح الدكتور هشام الخياط إمكانية العلاج للفيروس الكبدى، مشيرا إلى أن العلاج المبنى على الأدلة والأسانيد العلمية الدامغة لمرضى الكبد المزمن الناتج عن فيرس «سى» هو الإنترفيرون طويل المفعول العالمى، والريبافيرين الذى يقضى تماما على فيروس «سى» من الفئة الرابعة الموجودة فى مصر بنسبة تتراوح بين 60% و65%، وهذا العلاج مدعم بآلاف الدراسات والأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات العلمية العالمية والتى تم إلقاؤها فى مؤتمرات عالمية بدءا منذ سنة 1998 حتى الآن.. وإذا تم القضاء على فيروس «سى» بالإنترفيرون العالمى طويل المفعول لا يعود الفيرس للظهور مرة أخرى، ويكون الشفاء تاما بلاعودة للمرض، حسب الدراسات الحديثة التى تم إجراؤها على مدى 5-7 سنوات بعد 6 أشهر من الشفاء من أنتهاء العلاج.. وباستخدام هذه الأدوية الحديثة مع الإنترفيرون العالمى يتم شفاء 80% من المرضى المصابين بالنوع الرابع بدلا من 60%. ويعود الدكتور هشام الخياط ليوضح ضخامة المأساة التى يعيشها المرضى حاملو مضادات فيروس «سى» وليس عندهم الفيروس فى الدم، ويصفهم من الناحية الطبية بالأصحاء تماما وأصابهم المرض من قبل وتم شفاؤهم، إلا أنهم ممنوعون أيضا من السفر رغما عن أنفهم، وهناك نوع آخر من حاملى الأجسام الخاصة لفيروس «بى» وهم يعتبرون خالين من المرض، بل إنهم يملكون المناعة ضد المرض. ومما يزيد الطين بلة- كما تقول المحامية رضا البرجاوى- أن موقف دول الخليج انتقل إلى بعض المؤسسات والقطاع الخاص داخل مصر، مثل قطاعات البترول والبنوك والمقاولات، والتى تستبعد مرضى فيروس «سى» من التعيين فى الوظائف مهما كانت كفاءتهم زيادة فى التمييز، ويصبح مرضى فيروس «سى» مطحونين وممنوعين من العمل فى الداخل والخارج مما يزيد المشكلة الاجتماعية عمقا، وهناك العديد من النماذج التى حرمت من حق العمل فى الشركات الخاصة، والتى توجب اجتياز الاختبارات الطبية على رأس القائمه تحاليل فيروسى «سى» و«بى». ويذكر الدكتور جمال شيحة، أستاذ الكبد بجامعة المنصورة، أن هناك عددا من الزوجات جئن له لكى يكتب لهن تقارير طبية حتى يستطعن الحصول على الطلاق أو الخلع من أزواجهن حاملى فيروسى «سى» أو «بى» ويعتبر هذا النوع من أشد أنواع القهر الذى يتعرض له مرضى فيروس «سى» أمام القضاء، والدم فقط هو الناقل الوحيد للعدوى. إلا أن «ف ع» يحكى قصته مع السفر، فهو مهندس خريج كلية الهندسة جامعه قناة السويس، وكان يعمل فى عمل خاص غير مجز، وأراد أن يزيد من دخله فقرر السفر إلى السعودية فتقدم لإحدى الوظائف التى انطبقت كل شروطها عليه، وبدأ بالفعل تجهيز أوراقه وقام بإجراء الكشف الطبى لدى مستشفى خاص وأجرى تحليل BCR وجاءت النتيجهة سلبية، إلا أن السعودية من ضمن دول الخليج التى لا تعترف بما يقدمه المسافر إلا بتقارير المعامل المركزية التابعة لوزارة الصحة المصرية، وبالفعل قام بعمل تحليل HBS Ag والذى جاءت نتيجته إيجابية، وهذا يعنى أنه يحمل الأجسام الخاصة لفيروس «بى» ولا يحمل المرض، وهنا لم ينظر فى الأساس لطلب سفره ولم يتم إرساله للسفارة السعودية. هذا ما أكده أحد الموظفين الذين يعملون بالمعامل المركزية بأن الطلبات التى تكون فيها نتائج تحاليلها إيجابية، خاصة لحاملى الأجسام المضادة لفيروسى «سى» و«بى»، فهى تمنع أساسا من السفر بدون تقديم الطلب للسفارات والقنصليات الخاصة بدول معينة فى الخليج، وعلى رأسها السعودية والكويت والإمارات. ويضيف محمود فؤاد، المدير التنفيذى للمركز المصرى للحق فى الدواء، أن هناك عددا من الدعاوى القضائية تم رفعها من قبل المتضررين للمطالبة بالمساواة فى الحق فى العمل والعلاج، وسوف نقوم بعمل مؤتمر لمناقشه قضية التمييز لمرضى فيروسى «سى» و«بى» بمحاورها الأربعة سواء من ناحية التمييز فى العمل فى الداخل، أو فى الخارج، أو التمييز فى العلاج، وأخيرا قضية عزل المرضى بدون وجه حق عن ذويهم وأهلهم وتعرضهم للقهر الاجتماعى، مما يهدد البيئة الاجتماعية للأسرة المصرية وهذا المؤتمر سيعقد فى التاسع والعاشر من شهر يوليو القادم.