أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى، وسياسات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة بإسرائيل، التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول العربية، وفى واحدة من تحليلاتها الرائعة، قدمت وكالة «إيفمبريت» دراسة خطيرة عن علاقة الولاياتالمتحدةالأمريكية بإسرائيل، وهى العلاقة التى تسببت فى فرملة أى مشروع تنموى وديمقراطى حقيقى فى المنطقة، تقول الدراسة يمكن القول إن الولاياتالمتحدة نظرت خلال الحرب الباردة إلى المنطقة العربية كحلقة من حلقات الصراع بين الشرق والغرب، وبالتالى لم تستطع النأى بنفسها عن تطورات القضية الفلسطينية، وذلك بسبب تفوق النفوذ الصهيونى فى دوائرها السياسية والاقتصادية، وما تمارسه المؤسسات الصهيونية المترابطة من ضغوط واضحة داخل مراكز صنع القرار الأمريكى وشراء «ذمم» بعضهم، وهذا هو السر وراء دعم الساسة والرؤساء الأمريكان للمشروع الصهيونى منذ رئاسة «ولسون» وحتى الآن، بالإضافة إلى أن بعض المسؤولين الأمريكان يؤمنون بما جاء فى الإنجيل من عودة اليهود إلى أرض الميعاد، فيما يرغب البعض الآخر فى عدم بقائهم بالولاياتالمتحدة. من ناحية أخرى، ترى الولاياتالمتحدة فى الكيان الصهيونى حليفًا قويًا يعتبر نقطة ارتكاز رئيسة فى منطقة معادية، وهذا ما يفسر مسيرة السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربى- الإسرائيلى، ويبرر صدور العديد من الوثائق والاتفاقات التى تضمن لدولة الاحتلال أمنها، وضرورة تفوقها عسكريًا على البلدان العربية مجتمعة، فيما عرف بورقة الضمانات الأمريكية «لإسرائيل» التى صدرت عام 2004م، بعد وصول المحافظين الجدد للحكم، وتنفرد الولاياتالمتحدة بالسيطرة على النظام الدولى برمته.
وعليه، يتضح تأثير دولة الاحتلال فى السياسة الدولية والأمريكية بشكل خاص، حتى إنه لم يصدر أى قرار ملزم عن مجلس الأمن يدين «إسرائيل»، أو يجبرها على تطبيق قرارات الشرعية الدولية، أو على أقل تقدير وقف اعتداءاتها المتكررة على الأراضى الفلسطينية المحتلة. ثانيًا: الدور الأمريكى خلال المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية احتكرت الولاياتالمتحدة منذ مؤتمر مدريد 1991م، دور الراعى الرئيسى لعملية السلام خلال المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، وكانت فى الواقع تطرح مشاريع ومبادرات تصب فى صالح المحتل الصهيونى حليفها الاستراتيجى على حساب الحقوق الفلسطينية، وذلك تحقيقًا للأهداف التالية:
- احتكار المرجعيات التفاوضية، حيث منعت أطراف دولية أخرى من التدخل فى المفاوضات، وبالتالى تجسد دور الولاياتالمتحدة كمرجع وحيد للمفاوضات- تهميش دور المنظمات الدولية- الأممالمتحدة على سبيل المثال- فى حل الصراع، فقد استخدمت الولاياتالمتحدة الفيتو أكثر من أربعين مرة لإحباط مشاريع قرارات تدين إسرائيل، بينما دعمت قرارات أخرى كانت تصب فى صالح إسرائيل، وتتنكر للحقوق الفلسطينية.
- تسويق منظومة قيم تفاوضية جديدة خاصة بالمفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، فى ظل اختلال موازين القوى الواضح وانحياز الوسيط الأمريكى لصالح الاحتلال الصهيونى ومحدودية التمثيل الفلسطينى. ففى عام 2000م، فشلت مباحثات كامب ديفيد بسبب الموقف الأمريكى المنحاز للكيان الصهيونى والضاغط على الجانب الفلسطينى، فى حين لم يقدم الكيان الصهيونى أى تنازلات على مستوى قضايا الحل النهائى. وفى عام 2011م، تحدث الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما عن الرؤية الأمريكية لقيام دولتين لشعبين «حل الدولتين»، إلا أنه لم يختلف عن أسلافه الذين جعلوا القضايا الجوهرية قضايا مؤجلة، دون سقف زمنى لها، كما عارضت الولاياتالمتحدة حصول منظمة التحرير على عضوية كاملة فى الأممالمتحدة، وهددت باستخدام الفيتو فى مجلس الأمن فى حال التقدم بمشروع قرار.
من ناحية أخرى، تشير الدراسة إلى أن الولاياتالمتحدة قامت باستخدام الفيتو ضد مشروع قرار عربى يدين الاستيطان الإسرائيلى فى الضفة الغربية، ويؤكد على حق تقرير المصير للشعب الفلسطينى، وهو الفيتو رقم «43»، الذى يستخدمه الأمريكان فى الشأن الفلسطينى حتى ذلك الوقت. وفى عام 2013م، دعت الولاياتالمتحدة الطرفين إلى العودة لاستكمال محادثات السلام، لكن دون أى تغيير على مستوى الشكل أو المضمون التفاوضى، فى ظل التفوق الإسرائيلى والدعم الأمريكى اللامحدود. وبعد تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدةالأمريكية، أعلن أنه سيعمل على تحقيق السلام العادل بين إسرائيل والفلسطينيين، سواء عبر حل الدولتين أو الدولة الواحدة، برعاية أمريكية، لكن تلك الوعود سرعان ما تبخرت من الناحية العملية، بعد رفض الاحتلال الصهيونى تجميد الاستيطان مقابل العودة للمفاوضات.
وبهذا لم يتغير موقف الإدارة الأمريكية وسياستها تجاه القضية الفلسطينية على مدار عقود، وهذا لا يتوقف على الإدارة الأمريكية فقط، بل ينسحب على المؤسسات الأمريكية الداعمة للاحتلال الصهيونى أيضًا. وعلى ذلك، فإن الدور الأمريكى يمثل عاملاً من عوامل فشل المفاوضات وعدم استمراره، فالولاياتالمتحدة تسعى من خلال المفاوضات للحفاظ على مكتسبات «إسرائيل» والضغط على الجانب الفلسطينى للقبول بالمقترحات التى تقدمها، دون أى ضغط يذكر على «إسرائيل» للتراجع عن ممارساتها الاستيطانية فى الأراضى المحتلة، وهذا فى حقيقة الأمر يعنى تثبيت ودعم الوجود الإسرائيلى على حساب حق العودة وتقرير المصير للشعب الفلسطينى.
كما ترفض الولاياتالمتحدة إعادة القضية الفلسطينية إلى الأممالمتحدة «التدويل»، وذلك حرصًا منها على مصلحة الكيان الصهيونى، التى تخدم بشكل مباشر أهداف الولاياتالمتحدة الاستراتيجية.. «يتبع» * * * * * إضافة تعليق