شهادة ميلادى تقول إننى فى الخامسة والثلاثين من عمرى مضى شهران على عيد ميلادى، لم أشعر بالوقت قد مر كأننى قد تخرجت بالأمس القريب، ثمانية عشر عاما مرت كالحلم الرقيق، سحب الزمن منى سنواته متعجلا ليصدمنى بحقيقة أتجرعها الآن ماذا فعلت؟ أين أنت الآن؟ لا شىء اين أحلامك كيف تبخرت.. ماتت.. أم قتلها الزمن وشركاؤه؟! انظرى إلى نفسك فى المرآة ضاعت بهجة الشباب من وجنتيك.. تحول صفاء بشرتك إلى لون باهت مصقول بشحوب طبيعى كأنك وردة قطفتها الأيدى عنوة أتذكرين أول يوم وقفت فيه على مسرح الجامعة تشيرين بإصبعك.. تحركين شخوص المسرحية بأمر منك، لم أنس ذلك اليوم ولا كل يوم مر فى حياتى انطفأت شمعتى فى اليوم الذى قررت فيه أن استجيب لغوايته.. تنحدر دمعاتى بين يدى فلا أحد يتطوع ليمسحها عنى فالشخوص التى تواجهنى كلها جامدة، أربعة جدران تحيط بجسدى الذى نحلته المخدرات.. ينادينى ذلك الشاويش صاحب الشارب الكبير وذو كرش تهتز الأرض بين قدميه وهو يتقدمنى حتى نصل لحجرة التحقيق، تستقبلنى ابتسامته المتزنة بلا تكلف ولا استهزاء ويوجه لى كلماته الهادئة بلطف لم أعهده فى ضباط المباحث. ورغم أننى أول مرة تلمس قدمى قسم شرطة إلا أن خوفى جعلنى أتخيل أن وكيل النيابة ما هو إلا وحش كاسر يريد القصاص منى وأن أوقع على الإدانة بشتى الطرق لكننى ارتاحت فرائصى عندما لمحت طيبة رائعة استفزت كل أحاسيسى بالجريمة التى اقترفتها فى حق نفسى وصحتى وعائلتى.. أنا ناهد مخرجة مسرحية وتهمتى الوحيدة هى فى حق نفسى.. اخترت أن أسير فى طريق الإدمان لأننى كنت أعشق المغامرة والتغيير، تزوجت وفشلت لا أحد أحمله ذنبى فأنا لست بقاصر حتى يغوينى أصدقاء السوء ولست بفاشلة فى حياتى المهنية حتى تدمرنى الهزيمة لا أدرى حتى الآن عن ماذا كنت أبحث؟! ربما عن نفسى التى ذابت مع كل ملليجرام هيروين تمتصه خلاياى وحالة اللامبالاة التى تتلبسنى والنشوة الزائفة التى تجعلنى أحلق بعيدا عن أرضى لا أريد إحساس الفشل كامرأة.. أنتبه لدقات أصابعه الحانية على المكتب لكى نبدأ التحقيق فأبدأ فى الإجابة عن تساؤلاته كلها جاءنى بعضها حائرا وبعضها الآخر ناقما فكان أصعب سؤال طرحته شفتاه على مسامعى من أنت؟.. لم أعرف ماذا يقصد هل يقصد اسمى أم وظيفتى.. أم من أكون كإنسانة رأيت أنه يقصد الثالثة فاسترسلت فى الحديث عن نفسى وكشفت عن إحباطى كامرأة وأن لحظة الإدمان نادرا ما تأتى بقرار كما فى حالتى أردت أن أغيب عن واقعى كنت أرى نظرات الشفقة فى عينى أمى وأدارى تأثرى الجميع كان يعرف مصيبتى ولا يجرؤ على الاقتراب رغم حاجتى للاقتحام وفى غفلة من عمرى تحولت لمدمنة ولم أكتف فالإدمان له متطلباته كلها نلخصها فى المال ومن أجل المال فعلت المستحيل.. ذلك المستحيل الذى لم أتخيله فى حياتى ولم لا هكذا كنت أسرق أمى وكل أهلى بمنطق أننى لابد أن أعيش وأخيرا وافقت على أن يشاركنى جسدى هذا الرجل! مقابل توقفى عن السرقة كان يعشق تفاصيلى كما يدعى؟ وجدت فيه ضالتى كأنثى حتى جاء وقت الحساب السرقة وبيع الجسد والاتجار فى المخدرات كلها وجوه متعددة لعملة واحدة حتى وقعت!! لن أنكر فأنا مذنبة وجاء الوقت لدفع ثمن كل سنوات الضياع فربما يكون السجن بديلا عن كل نصائح أمى.. عظات إخوتى وقعت على أقوالى واستقبلت حياتى الجديدة بابتسامة مُرة لا أقوى على ابتلاعها للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا