الجمارك: تسهيل الإجراءات لخفض أعباء الإنتاج والتصدير وخلق بيئة أعمال محفزة للاستثمار    الرئيس السوري: أحداث السويداء الأخيرة أظهرت طموحات انفصالية استقوت بالخارج    مطالبا بتعويض 10 مليارات دولار.. ترامب يقاضي «وول ستريت جورنال» بسبب جيفري إبستين    «مشكلة مع مسؤول زملكاوي».. رئيس تحرير الأهلي يكشف سبب أزمة أحمد فتوح وموقف إمام عاشور    «الداخلية»: ضبط «قائد الملاكي» المتهم بالسير عكس الاتجاه بالإسكندرية    حالة الطقس اليوم السبت 19 يوليو 2025.. الأرصاد توجه نصائح مهمة للمواطنين    افتتاح نموذج مصغر من المتحف المصري الكبير في العاصمة الألمانية برلين الاثنين المقبل    سلمى صباحي تعلق على مشاركة ابنتها «حلم» في «كتالوج»: «مستنية العرض من رمضان قبل اللي فات»    وزير الكهرباء يبحث الموقف التنفيذي لتوفير التغذية لمشروعات الدلتا الجديدة    طب قصر العيني يبحث مع مسؤول سنغالي تعزيز التعاون في التعليم الطبي بالفرنسية    اعرف مرشحك.. أسماء المرشحين في انتخابات الشيوخ 2025 بجميع المحافظات | مستند    الإصلاح والنهضة: الشراكة الاستراتيجية بين مصر والسعودية حجر الزاوية لاستقرار المنطقة    الكونغو وحركة "إم.23" توقعان إعلان مبادئ لوقف إطلاق النار في شرقي البلاد    ليلى علوي نجم الدورة 41 لمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط    بالصور.. نانسي عجرم تستعرض إطلالتها بحفل زفاف نجل إيلي صعب    إلهام شاهين وابنة شقيقتها تحضران حفل زفاف في لبنان (صور)    أسباب الشعور الدائم بالحر.. احذرها    القاهرة الإخبارية: وقف الحرب لم يضع حدًا للاشتباكات في السويداء    طفل يقود تريلا.. الداخلية تكشف ملابسات فيديو صادم | فيديو    أسيل أسامة تحصد ذهبية رمي الرمح بالبطولة الأفريقية في نيجيريا    محافظ البنك المركزي يشارك في الاجتماع الثالث لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لمجموعة العشرين "G20"    تعاون أكاديمي جديد.. بنها ولويفيل الأمريكية تطلقان مسار ماجستير في الهندسة    رسالة مؤثرة وتحية ل"الكينج".. أنغام تتألق بافتتاح مهرجان العلمين الجديدة    حملات مكثفة بالبحيرة.. غلق عيادات غير مرخصة وضبط منتحل صفة طبيب    وزارة الصحة": إجراء 2 مليون و783 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار منذ انطلاقها في يوليو 2018    تحليق مكثف للطيران الإسرائيلي فوق النبطية والحدود الجنوبية للبنان    الاستهدافات مستمرة.. غزة تدخل مرحلة الموت جوعًا    اندلاع حريق داخل مخزن فى البدرشين والأطفاء تحاول إخماده    "بائعة طيور تستغيث والداخلية تستجيب".. ماذا حدث في المعادي؟    الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات يُقر تعويضات إضافية لعملاء الإنترنت الثابت    محافظ المنيا يتفقد محطة رفع صرف صحي بردنوها لخدمة 30 ألف مواطن بمركز مطاي    رابط نتيجة تنسيق رياض الأطفال الجيزة 2025 (الموعد والخطوات)    التعليم: إتاحة الاختيار بين الثانوية والبكالوريا أمام طلاب الإعدادية قريبا    إعادة الحركة المرورية بالطريق الزراعي بعد تصادم دون إصابات بالقليوبية    ب4 ملايين جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية ل«مافيا الاتجار بالدولار» في المحافظات    ليفربول يعزز هجومه بهداف أينتراخت    "استعان بأصدقائه".. كيف يعمل رونالدو على إعادة النصر لمنصات التتويج؟    بعد فسخ عقده مع القادسية السعودي.. أوباميانج قريب من العودة لمارسيليا    توقيع اتفاقيات تعاون بين 12 جامعة مصرية ولويفيل الأمريكية    إسرائيليون يعبرون إلى الأراضي السورية بعد اشتباكات مع جيش الاحتلال    «سباكة ولحام ونجارة».. بدء الاختبارات العملية للمرشحين للعمل في الإمارات (تفاصيل)    بسبب تشابه الأسماء.. موقف محرج للنجم "لي جون يونغ" في حفل "Blue Dragon"    الواعظة أسماء أحمد: ارحموا أولادكم صغارًا تنالوا برهم كبارًا.. والدين دين رحمة لا قسوة    عاوزه أوزع الميراث على البنات والأولاد بالتساوى؟.. أمين الفتوى يجيب    وزيرة التنمية المحلية تبحث التعاون في نظم المعلومات الجغرافية مع شركة Esri    هل خصم فيفا 9 نقاط من الإسماعيلي؟.. النادي يرد ببيان رسمي    الصحة: إجراء 2 مليون و783 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار    «الرعاية الصحية»: إنشاء مركز تميز لعلاج الأورام في محافظة أسوان    هل يُفسد معسكر إسبانيا مفاوضات بيراميدز مع حمدي فتحي؟    شاهد أعمال تركيب القضبان بمشروع الخط الأول بشبكة القطار الكهربائى السريع    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 19-7-2025 في محافظة قنا    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية اليوم السبت    «مرض عمه يشعل معسكر الزمالك».. أحمد فتوح يظهر «متخفيًا» في حفل راغب علامة رفقة إمام عاشور (فيديو)    أول ظهور ل رزان مغربي بعد حادث سقوط السقف عليها.. ورسالة مؤثرة من مدير أعمالها    كل ما تريد معرفته عن مهرجان «كلاسيك أوبن إير» ببرلين    عميد طب جامعة أسيوط: لم نتوصل لتشخيص الحالة المرضية لوالد «أطفال دلجا»    داعية إسلامي يهاجم أحمد كريمة بسبب «الرقية الشرعية» (فيديو)    أحمد كريمة عن العلاج ب الحجامة: «كذب ودجل» (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فصل من رواية على تخوم الألفين لبرهان الخطيب
نشر في اليوم السابع يوم 17 - 10 - 2010

فى موغل من الليل تنهمر دموعها على الوسادة أو تضحك بين يقظة ومنام، راقدة قرب جدتها فى الفراش المبسوط على سجادة صالة استقبال البيت الوسطانى، ترنو لغفوة أو يقظة، ولا رحمة، تسأل الليل يمنحها الغياب عن قاع عذاب، يُوصد فى وجهها الباب، تغمز القبضة لها حينا، أو الوصيد، يهمس فى صمت ملوث الكلمات، وحولها عالم ضج بأقزام، اعثرى على المفتاح فى دهليز عقلك صورا غريبة، وقد تظهر معيبة.
من أين أعثر عليه وخلفك المرغوب والمطلوب، هبنى واحدا أو أكثر يعوض المفتاح لأرتاح، آتيك سبيا ولو تبع المباح والمستباح، يقول الباب ادحرينى بقدرة على الإبداع والإيضاح، أو قولى هذرا يأتيك خدرا فى صورة إنسان، تقول أريد أنام أو أفهم سر بكائى وضحكى النعسان، ماذا عملت ليكون جزائى قلق أرق بل أحزان، يأتيها الرد من وراء باب النوم المردود، الملطخ بالزرقة والحنة والزعفران، محروسا بساحرة جذلى وخصيان سمان، لم تعملى شيئا لذا استعصى عبورك إلى جرف النسيان، الرد فى سؤالك حذار يخدعك البيان.
تأمرنى ومفتاحى غائب بالهذر وتبشر بالهذيان، مَن الهاذر يا ليل ومَن النعسان.
تتقلب على جمر الفكر ورماد الأوثان، تتمتم ها بدأ هذرى وتتالت صورى، تتطاير كالغربان، رائحة الفجر أخيرا وفدت، مصراع باب النوم أشرعة احترقت، زقزقة العصفور انهمرت، يلقط قلقى، يتفتت، والبقية تكنسه الريح على وجهى الذابل إلى ليل فات.. وآخر آت.. وفُتق الفجر ِبدوِّى ضرب النافذة، أثار العجاج وهز الزجاج.
نهضت وأطلت على الحديقة من إطار النافذة العارى، إبراهيم ليس فى فراشه فى غرفة الأشباح، خرج منها، أهو وشك عودة من حاجة أو أمر لا تعرفه، أو يتمشى تحت الأشجار، أو قرب السور، أو يصلى الفجر على الممشى، فى الغرفة انزوى مع حسباته، لم تعرف ما يجرى فى الحال، لعل الانفجار فى الرأس من الصور الغريبة، من الطرق القريبة، الزجاج المحطم أنبأ بدأتِ تخرفين كجدتك تلك تتمتم:
لا عليكِ بما هناك، نامى، توقظنا طائرات الأمريكان وجنودهم بعد قليل.
باقات ورد أو شرر فى السماء، جونى مرة أخرى؟ إليها يرميها أيضا أو لأخرى فى فلوريدا السعيدة، مع خالتها البعيدة، لا تسقط فى الحديقة، انطفأت غائرة فى غياهب مقفرة من سماء عميقة، صاح أحدهم من البيت، لعله حامد أو خالد:
عودى فرح فى الحال إلى مكانك.
الطريق المقابل خال، لا بشر لا سيارات، لم يحن دوام تلاميذ المدرسة، العصافير تشرب حليب الفجر، سيارة عسكرية مقلوبة على الشارع الطويل محاذاة القناة الخضراء، دخان، نيران، جنود، بعضهم على الإسفلت تلوى، غيره تلفت وتموضع، ذهبت إليهم بطيئا، أطفال أطلوا من بوابات، ساروا نحو موقع الانفجار.
جونى على الطريق، تأكدت أصيب، تراجعت إلى البيت. حامد يهدأ أهله فى الحديقة، خالد على شرفة البيت الجديد فى نعاس، المشهد دخان، صياح، وألم.
اختطفت صندوق الإسعاف من المطبخ، جرّت شرائط نظيفة من الدولاب، عادت إلى الطريق، جابهتها عينا الجدة غاضبة:
تريدين إسعاف المحتل بربوك، إلى فراشك وإلاّ أنزلت فيك سكين المطبخ.
واصلت دربها، نحّت جدتها، أزاحتها. تداركت الجدة نفسها وهوت بضربة على وجهها، اشتبكا فى صراع على صندوق الإسعاف. أمها حالت بينهما جزعة:
ما عليك ابنتى، عندهم إسعافهم، مضاعفات تحدث بعد قليل.
وظهر خالد بينهم يهدئهم:
خلوها تمارس آدميتها، ما عليكم بها..
بصقت الجدة على وجه السليطة، وصلت الرشقة خالد أيضا..
أنت قوادها وقوادهم، واضحة الشمس، خائن وعاهرة يحكم بيتى اليوم.
لو ما كنت أمى يا جاهلة وصلك ردى، لى كلام معك يرجع عقلك.
بسط حامد أيضا ذراعيه بينهم، صاح بأمه:
البيت للكل، لا تحكمينا بوطنية الخمسينات، الوضع مكهرب، اذكروا الرحمن قلعتنا الأخيرة.
هى الغيرة قطرة أو جرة؟ أعطوهم الإصبع يجرون الفخذ.
أنتِ غير مجبورة على شيء فلا تجبرينا. شيمتنا المساعدة، والجريح غير العدو.
تخلصت فرح من الأيدى حولها، جرت مع صندوق الإسعاف إلى الحديقة، إلى الطريق، خالد وراءها، أمريكيان اثنان مشطا جرف القناة، مضروبة الفؤاد تداوى طريح الحشيش، أشاروا برشاشاتهم ليبتعد، أومأ خالد إلى ابنة أخته، صياح، الأجساد المبعثرة تتلوى. لوّحوا له للاقتراب.. ماذا تريد؟
خفض خالد ذراعيه وسار إليهم:
ابنة أختى تساعدكم.. أريد مرافقتها..
Who send after you, who asked you to do this?
المجروحون أخوة.
better, tell us who did all that damage!
جندى آخر تكلم باللاسلكى مع مركزه، هدير مروحية بعيد.
لا نخرج من بيتنا غالبا، المنطقة هادئة عموما، حادثة فقط قبل أيام، جنديكم هذا يعلم، من يومها هدوء.
المترجم تكلم وسط شاشة حمراء:
هدوء؟ أمامك تفجير عبوة، جرحى، مَن وراءه؟
أغراب من خارج المنطقة حتما.
على الشريط الأخضر، بين مجرى القناة وإسفلت الطريق، الشاب الذى أسمته جونى، مصابا بين يديها، شاحبا، خائر القوى، مبتسما، هى فى ذروة توتر، مضمدة بارعة تحاول إيقاف نزيفه، قطن، ضماد حول فخذه، دورة الدفاع المدنى نفعتها على غير توقع تماما، بتلات وردة حمراء فى حضن الشاب، قطرات نزيفه، أو من زملائه المطروحين، تزايدت صيحات الهواتف، أطلقوا نارا نحو الجسر والمنعطف القريب، صاح خالد متمنيا كبحها.
ما هذا، نحن نساعدكم، أهلنا هناك!..
Shut up! before my darling close your mouth with here song!
جونى أيضا فى هذيان، لست جونى غيتار، ولا جونى ديب، أنا نادر فريدمان، لا أحد يصدق أنا لبنانى، لم تحملى وصديقاتك الورود ولو اصطناعية عند مرورنا، قلت تأخذها منى، أعرف، الورد يأتى زوجيا مع الموت، فرديا مع الحب، العكس أفضل، المحبون رقم زوجى، أوكى، استحق هذا.. ضحك نادر فريدمان، أغمض، الحب يقتل، تحبين وتخافين، أحب وأخاف، كلنا نخاف.
أسكت رجاء، أنت تنزف!
الخدمة وراء البحار جنون، ما أسهل الموت، روميو وجوليت صرنا فلماذا يتعجل اللورد موتي!
انتقلت فى دموع وابتسامة عصبية إلى جريح آخر، وضاع كل شيء بضجيج الهليكوبتر المقتربة. رفعها أحدهم من زندها آمرا لعودتها مع قريبها إلى بيتهم.
*
لا، لم يكن كابوسا، رائحة الحرق والدمار ما زالت آتية من هناك.
مسترخية على كرسى الحديقة صمتت حتى أواخر المساء.
تحت القمر فى زاوية الحمضيات تداخلت الصور، أو هى فى مصح بوعكة عميقة، ذلك المكان، آثار الانفجار، هبوط الطيار، الدم المسفوك، وتسقط الأمطار.
تختفى الآثار، تواصل الشجيرة الصعود، الدم سماد، والشر.. رفيق الخير، ويعقب نوبة البكاء ضحك سقام. على حدود عته لئيم. ليلة أخرى، قمر، لا ينيم.
سأل الجنود عمّن فى البيت، حامد تكلم، وذهبوا إلى الجيران لاستكمال التحقيق.
بعد ذلك بدأ خالد يغلى:
ولو عرفوا إبراهيم معنا ولم تذكر اسمه؟
غير موجود حاليا، يأتى نقول له يعودون قريبا للتحقيق معك عن التفجير، يهرب.
ورطة، لا أفهم أين اختفى ضحى وعصرا، لماذا غاب عن البيت يوم التفجير!
مساء عاد إبراهيم، سلّمَ ومضى إلى بيت الأشباح. استوقفه خالد قرب البوابة:
أين كنت؟
شأنى ما شأنك؟!
نزيل فندق بهالظرف يوضح أين كان، شأنى إذن، لا نريد بلوى من ورائك.
البلوى منكم، أجنبى يدخل ويخرج عندكم، تظنون الناس عميان!
غبتَ وقت التفجير، ما السبب؟ لا أريد العراك ولا الاستغفال، الخطر عليك.
كنت مع جماعة فى الجامع القريب.
انضم حامد إلى مساءلة أخيه لإبراهيم:
جامع شيعة وأنت سنى منذ متى تصلى معهم؟
منذ دخل المحتل أرضنا.
محتمل يداهمون بيتنا فى أية لحظة لاعتقالك.
ليكن، عندى أكثر من شاهد صليت وبعدها فى المقهى.
تطلع حامد إلى أخيه ثم إلى إبراهيم وأنهى:
حتى تثبت براءتك تسلخ شمس المعتقل جلدك.
أيكون ابن عمها وراء إصابة نادر فريدمان؟ الكل يعرف، العبوات المتفجرة والقنابل تصنع فى بيوت وتباع مع الحلويات فى السوق القريب، تصادر بين وقت وآخر ويعودون لصنعها وبيعها. مَن فى يده المال يدور على الأسواق والمحلات يبحث عن زبائن تفجير، العمولة حسب الهدف والسلاح، فما العمل لو إبراهيم منهم ولا تعرف، كيف تعرف، ولو عرفت كيف تسلم المعتادة على أنا وابن عمى على الغريب لغريب، ولو أهملت ضرَبَ ديفيد، استدار لضربها هى، خالها، زوارهم، فى حرب بيتية قالوا عنها أهلية!
حياتها خطر، من هنا احتلال، من هنا ابن عم يتوعدها، انتهى ذلك، حلّ التنفيذ. النوم العصى، الرغبة فى الضحك المجنون والبكاء المكنون، صحو ورقاد وغياب، يضرب الناتئ والحميم ضرب الموج الثائر دهاليز الشطآن، يعزف لتسليم ابن عمها للغريب قبل أن ينزل فيها حكمه الشنيع.
أما من طريق لفض النزاع معه غير الممتد من حديقة إلى مسلخ!
صعدت إلى غرفة خالها خالد، جلست جواره على حافة السرير مضطربة:
ألومك وألوم نفسى لمجاملتهم وأنا أساعد الجريح، تبا للازدواجية، أبوح أكثر لو انتظرت.
يده حانية على رأسها، خرج عن صمته:
مَن هذه المختضة فيك، الريفية المستسلمة أو الشاعرة الثائرة؟
الشاعرة إذا بكت أو ضحكت فمن شِعرها، أنا مهزومة هذه الأيام.
انفعالها ليس صافيا، ينبوع يفرز معه معادن. يده على فمه، ابتسم يشد أزرها:
هيا نلعب كتابته.. ضوء الزاوية ينوس.. غائب يرقص حول الفانوس.. أكملى..
مجهدة، فى عينيها لآلئ أو قافية.. ابتسمت أخيرا:
يبحث فى العتمة عن ناموس.. ويضيع المحسوس ويطغى الملموس؟
أكملى.
ما أقدر.
حقك، خيارات وانفعالات سحارة، فى شركها أكثر من رجل، كثيرة متشابكة.
قاومت البكاء وسخريته، تطلعت إلى مستحيل فى شبه ظلام، وبصوت متكسر:
خيارات من خارج كيانى يا خال، أية خيارات هذه.
تحاشى الاقتراب إلى روحها أكثر خشية تحيد أبعد. قال هاربا من أفكاره أيضا:
لا تخافى على أحد، خافى على نفسك، الآدمى قوى، لا يموت من جرح خفيف.
خوفى الحقيقى إبراهيم، يجبرنى على العودة إلى الديرة، السلاح مكوم كالزبالة فى كل مكان، أخشى استعماله ضدى توعدنى بقتل، صبرى خلص.
يريد العفة وصون الأهل من تشتت.
ما عليك بحجج بيبى، لا تدافع عنه، الحل بتوفيق بين صالح وصالح، لا بين صالح وطالح. ضجرتُ من عالم عجزة، نشّف أوردتى
نهض خالد وطلع إلى الشرفة:
مجرى الدم فى الأوردة يضطرب بلا نظام منها لصالحه.
بعناد أعقبت من الغرفة:
نظام أكبر جاء بى من الديرة إلى الولاية.
قريبكِ شاب قوى محب للعمل يحبك ولا تريدين الارتباط معه حسب العرف!
تبعته إلى الشرفة:
أنت فى خندقه أو تختبرنى؟
ولماذا اختبارك!
لتعرف أفضل. هو شاب بمظهره، داخله مؤثث من قرون مضت، أحلامى يؤممها بزواج منى مصادرة حلم أسوأ من القتل، بذلك تصنع ماكينة عنف.
كفى الكلام عن القتل. خلينا فى الحياة، أمك ترى انفعاليتك لتأخرك عن الزواج. حان وقت توديعك مراهقتك، خطابة أمامك، عليك الاختيار.
أختار مَن والموجود غير المطلوب!
طلب المستحيل مخاطرة.
نظرت إلى شفتيه مفكرة، متضايقة من ضيقها، تمتمت مبتسمة:
بدأتَ تشيخ يا خالى التفكير الجرىء يطيل الشباب.
تفاقم ضيقها منذ إصابة نادر واعتزال خالها خالد فى غرفة الطابق الثانى مع كتاب، سائحا بين نشرات الأخبار براديو صغير، أو نزل إلى ساحة باب المعظم وحيدا رغم اعتراض أخته أمل، تمشى حتى الباب الشرقى كما فعل مع زملائه حين كان طالبا. يعود متعبا، يغتسل، يلجأ إلى فراشه صامتا أيضا، لم تشأ إزعاجه بكلام، عن الماضى أو المستقبل، كلاهما غائم، مكفهر.
*
خابرته نسرين عدة مرات حين دفأ التلفون. لم تأت إلى البيت لمراجعة بروفات الكتاب. وجاء ديفيد والمصور من غير إنذار، فتحت الباب ومزح ديفيد بالعراقي: شاكو.. ماكو..؟ لم ترد. أضاف: لا تخبرى خالك خالد جئنا نصور، هذه المرة نريد تصويره على الطبيعة، ماذا يفعل، ماذا يقول، فى الدشداشة هو دائما؟ كانت مفاجأة، كان يحلق فى الحمام، هكذا صوروه. سأله ديفيد عن حياته هنا، من غير أدب وسياسة، ماذا تتمنى للمستقبل؟ فكرت فى الاستقرار والعمل هنا؟ مَن زرت من أصدقائك القدامى أو ترغب فى زيارته؟ رد خالد بلا انفعال: البطة عادت إلى غديرها اليابس.
شربوا الشاى مع التمر فى الصالة، كشف ديفيد وعيناه على فرح قبل مغادرتها نيته للعودة إلى ستوكهولم، له سفرة أخرى فى الربيع إلى بغداد، استأجرا من مكتب خدمة الصحافيين الأجانب بفندق فلسطين سيارة دفع رباعى إلى عمان، الرحلة خطرة، ثم بالطائرة إلى السويد.. إلى أن سأل عن نية خالد، العودة معهما أو البقاء فى بغداد. رد: كأنى وظلى هنا مع زوجة قديمة، كلام لا ينتهى وعتاب.
ديفيد سلّمه تذكرة الإياب: صالحة مدة عام، لو قررت الاستقرار هنا تنفع لعودتك وتصفية الشقة. فيلمنا يعرض قبل نهاية العام، نسخة تصلك إلى بغداد عبر ضرغام، تريد أن تسأل أو تقول شيئا؟
المصور هناك، بين المدخل والحديقة، دخن أول مرة منذ وصل بغداد. قال ديفيد:
أود إيضاح مسألة بحضور ابنة أختك لو سمحتَ.
قل وأنقل لها، مزاج البيت ثقيل، لا يحتمل إثارة.
ابتسم ديفيد بصعوبة، ورغم تكلمه السويدية أفضل من خالد طبعا اعترف متعثرا:
تكلمت مع ابنة أختك فى طلب يدها ولم أحصل على رد..
أومأ خالد برأسه بمعنى أعلم. واصل ضيفه:
عنوانى وتلفونى عندكم حين تقرر. سفرة أخرى لى إلى هنا فى الربيع ذكرت، حتى ذلك الوقت لعل ردها ينضج. تمنيت الإفراج عن والدها، لنرى ما نفعل لاحقا. الحظ عاند. ما كنت أريد السفر دون إطلاعك على ذلك. هصل خير؟
أنت أيضا تراجع نفسك، القرار لكما برأيى أولا، لكن ليس أخيرا برأى تجربة سابقة. الإنجازات العظيمة تتم فى السر أعلَم، وللإخفاء حكمة أحيانا، عن جدتها، قريبها ذاك..
ابتسم ديفيد، ولم يتأخر فى التفلسف:
لكل منا، حتى الورد والنحل سره الصغير، أو الكبير.
منطقى هذا ومقبول، حين يكون غير مؤذ لأحد.
............................................................................................
فصل من رواية تصدر قريبا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.