إن كفاءة أى مؤسسة تقاس بكيفية إدارتها للأزمات "فكم من مؤسسات عريقة تطبق أسلوب الإدارة الحديثة وبها أعلى العاملين من حيث الخبرة والعلم، ودولاب العمل اليومى يسير بطريقة منتظمة ولكنها بمجرد أن يحدث عندها أزمة يحدث لها ارتباك (Panic) شديد، بدءا من رئيس المؤسسة وحتى أصغر العاملين، وستجد الموقف عبارة عن صيحات وصرخات ولا أوامر ولا تعليمات ولا اتصال بين المسئولين وبعضهم، وتصرفات وردود أفعال خاطئة حتى تتفاقم الأزمة وتصل إلى الحد الذى لا يمكن السيطرة عليه، وتنتهى الأزمة وقد تنتهى معها المؤسسة أو تتأثر سمعتها بشكل كبير، ما يحتاج إعادة بناء من جديد، أهمها البشر والسمعة لماذا حدث هذا؟ حدث هذا فى تلك المؤسسة النموذجية، لأنها لم تتدرب على التعامل مع الأزمات ولم تضع لنفسها سيناريوهات تستعد بها لإدارة الأزمة. بداية أيها القارئ العزيز يجب علينا أن نعرف أننا لا نستطيع أن نمنع الأزمة تماما سواء نحن أو أى دولة فى العالم، مهما كبرت أو صغرت، ولكننا نستطيع تقليل معدل مرات حدوثها، ونستطيع تجنب بعض أنواع منها ونستطيع أيضا التخفيف من آثارها. إننا جميعا وقت الأزمة نرفع أيدينا إلى السماء ونقول "ربنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه" نعم ويجب أن نطلب من الله العلى القدير ذلك ونحن متأكدين أن لطف الله سيأتى لنا، لكن فقط عندما نعرف كيف ندير الأزمة. إذن ما هو الغرض الرئيسى من التدريب على إدارة الأزمات ؟؟؟؟؟ هو التأكد من أن ردود أفعال جميع العاملين بالمؤسسة سريعة وصحيحة وطبيعية وتتناسب مع درجة الحدث ونوعه، وذلك نتيجة لحفظهم أدوارهم جيدا بتكرار التدريب وخاصة المفاجئ منه. إن الغرض الحقيقى لإدارة الأزمة هو: 1- محاولة السيطرة على الأزمة (الحدث) ومنع تفاقمها وتقليل خسائرها 2- إعادة المؤسسة إلى نظام التشغيل العادى بأسرع وقت ممكن ولو انتقلنا بهذا من الحوار العام إلى مجال الطيران المدنى وهو مجال تخصصى، ولتوضيح الصورة نستطيع أن نؤكد أن عالم الطيران هو عالم السرعات العالية والارتفاعات العالية والتعامل مع الكثير من المعطيات والعوامل التى قد تكون أحيانا خطيرة، ما يجعل بل يحتم ضرورة تأكيد التدريب على هذه الأحداث الطارئة والأزمات. ودعونا نتصور حدوث حالة طارئة لطائرة مليئة بأرواح كثيرة من الركاب، وصحيح وحتى لا ينزعج أى قارئ للمقال (أن الطائرات الحديثة يوجد بها أكثر من احتياطى لأى طارئ (Back-up) ولكن تخيلوا الارتباك Panic)) لقائد الطائرة أو كانت تصرفاته وأوامره خاطئة وعكسية أو حتى قرار أو تصرف صحيح ولكنه متأخرا، فالنتيجة الحتمية لهذه الطائرة ستكون كارثة كبيرة خاصة من الطبيعى أن يفقد الإنسان 30% من تركيزه وقت الأزمة بالرغم من أن صفحة حل هذه الحالة الطارئة متوافر بكتاب طوارئ الطائرة أمامه، ولكنه لا يستطيع أن يقرأ، وإذا قرأ لا يستطيع أن يفهم إذن الحل هو التدريب الجيد الذى سيقوده وقت الأزمة إلى الهدوء وبالتالى التصرف السليم فى الوقت السليم وفى الطيران لا تترك الأمور هكذا، لأن كل الطيارين على مختلف المستويات لهم تدريبات عملية منتظمة للحالات الاضطرارية على المحاكيات ولهم فيها اختبارات ولا يحصلون على إجازات أهلية الطيران دون النجاح فى هذه الاختبارات. لاشك أن الطائرة هى وسيلة رائعة للنقل، فهى الأكثر سرعة والأكثر راحة والأكثر أمنا نعم والأكثر أمانا فهل تعلمون أن حوادث الطائرات تمثل نسبة 15% فقط من وسائل النقل الأخرى نعود فنقول إن صناعة الطيران هى أكثر الصناعات تطورا وتعقيدا واستخداما للتكنولوجيا الحديثة سواء كانت صناعة الطائرة نفسها أو المعدات والمساعدات الملاحية والأقمار الصناعية التى تتعامل معها، لذا كان لابد أن يكون العنصر البشرى الذى يتعامل مع هذه التقنيات على درجة عالية من العلم والثقافة والحرفية والتدريب، لأنها أيضا صناعة باهظة التكاليف. أيضا المطارات التى تستخدمها الطائرات فى الإقلاع والهبوط وتحميل البضائع ومبانى الركاب التى تعج بأعداد كبيرة من المسافرين والخدمات كافة، لابد أيضا للعاملين فيها من التدريب على مثل هذه الأزمات، ويوجد بالمطارات الدولية ومنها المطارات المصرية وسائل حديثة ومعدات متطورة للإنقاذ والإطفاء والتعامل الطبى الأولى مع جميع الحالات. ولقد ألزمت منظمة الطيران العالمية ( ICAO ) المطارات الدولية بالتدريب على الأزمات والحالات الطارئة، ووضعت ما يقرب من 14 سيناريو لما يحتمل أن يحدث داخل المطارات يتم ضم هذه السيناريوهات ضمن خطة طوارئ المطار ويتم مراجعتها والتفتيش عليها بل يتم التدريب بإشراف سلطة الطيران المدنى وهى السلطة الرقابية والمعاونة أيضا والتى يتم التفتيش عليها بواسطة منظمة الطيران العالمية، وذلك للتأكد من جاهزية هذه المطارات وصلاحيتها لاستقبال مثل هذه الحالات الطارئة لا يمكن، وأكرر لا يمكن حصول أى مطار على رخصة تشغيل دولية دون أن يكون لديه الإمكانيات والتدريب والخطط لتنفيذ ذلك (بالمناسبة : مطار شرم الشيخ لديه هذه الإمكانيات والعاملون به مدربون كما أنه حاصل على رخصة التشغيل الدولية). إن المطارات المصرية الدولية الرئيسية -هى الحمد لله- مطارات جاهزة ومدربة على كيفية مواجهة الأزمات، ولديها خلال الأعوام السابقة الكثير من تجارب الطوارئ والأزمات المعلنة والمتعددة والمتنوعة، ويظهر بها الكفاءة العالية لكل العناصر المشتركة فى الأداء، ما يؤهلها لمواجهة الأزمات الحقيقية لا قدر الله، ولكن بشرط أن يتم تنفيذ مبدأ التدريب الذى لا يتوقف (Non Stop Training ) حتى يتم التعامل وقت الأزمة بطريقة آلية وكل يلعب دوره المحفوظ والمخطط له. أيضا يوجد جانب هام جدا فى التعامل مع الأزمات وهو "الإعلام" وأقصد هنا إعلام البشرية جميعا بما حدث وما يحدث وبعيدا عن التحليل الفنى لأى حادث فإن له لجنة تحقيق مختصة به، ولكنى أتحدث عن أن البشرية تهتم بالحالات الإنسانية ويوجد حاليا ما يقرب من ثلاثة مليارات ونصف مسافر كل عام يستخدم الطائرات يريدون أن يعرفوا ماذا حدث أولا: حزنا على الأرواح البريئة التى تزهق، وثانيا: وهو الأهم بالنسبة لهم الاطمئنان على أنفسهم لأنهم سيستخدمون هذه الوسيلة للسفر أيضا. أزمات الطائرات غالبا ما تكون الجنسيات فيها متعددة داخل الطائرة الواحدة وقد تحدث الأزمة فى دولة أخرى غير دولة جنسية الطائرة والركاب، ما يجعل حوادث الطائرات دائما محط أنظار واهتمامات العالم بأسره، وبالتالى لابد عند حدوث الأزمة من تكوين خلية أزمة لإدارتها برئاسة مدير للأزمة أيا كان مستوى هذا المسئول الذى يتم تعيينه، وعضوية متخصصين فى المجالات المعنية كافة لمساعدة مدير الأزمة وإمداده بالمعلومات والرأى لاتخاذ القرار المشترك المدروس والمبنى على مداولات ومشاورات ويجب على خلية الأزمة فى هذه الحالات أن يكون لديها مركز إعلامى مجهز يتواجد به مندوبو جميع الوكالات الإعلامية الدولية والمحلية، ويتم فيه تعيين متحدث رسمى على مستوى عالى من الحنكة واللباقة وإجادة اللغات ويا حبذا لو توافرت الخبرة الفنية كذلك، وهذا المتحدث يتلقى معلوماته وما يصرح به من مدير الأزمة شخصيا ولا أحد غيره وبالتالى سيكون هناك مصداقية للمعلومة، ويتفرغ مندوبو الوكالات الإعلامية للحصول على المعلومة من مصدرها الرسمى الموثوق فيه بدلا من محاولة الحصول على معلومات غير صحيحة من مصادر مجهولة . وهنا لن تتعدد التصريحات وتتفرع وتؤدى إلى أزمات أخرى أكثر تعقيدا، وهنا نمنع المجتهدين غير ذوى الخبرة من التحدث والتحليل الناتج عن عدم علم أو معرفة بالحقيقة. يجب أن ننوه أننا نعلم أنه فى موضوعات الأمن القومى يكون هناك معلومات وإجراءات حبيسة غير مفرج عنها إلا لبعض المسئولين فقط لأن طرحها للعامة قد يضر بمصلحة البلاد صحيح أن الأمن القومى لأى دولة يهم مواطنيها، ولكن لا يصح التطرق إلى التفاصيل كل ما على المواطن أن يكون لديه الثقة الكاملة فى المسئولين وما يؤدونه حتى ينجحوا فى مهمتهم مع الوضع فى الاعتبار السماح بقدر من المعلومات لإشباع حق الإعلام والجميع فى المعرفة والمتابعة للحدث أو الأزمة أما اللجوء فى هذه الحالات إلى سياسة "الصمت زينة والسكوت سلامة" فقد تشكل خطأ كبيرا لمحاولة الجميع البحث عن المجهول الخاطئ والذى قد يكون مقصودا أو متعمدا به إثارة الشك والبلبلة. هذه جوانب من كثير فى إدارة الأزمات، أخذت عالم الطيران فيه كمثال فقط ويبقى التدريب على إدارة الأزمات هو الأهم للسيطرة على الحدث، والآن هل استنتجت عزيزى القارئى لماذا كان معنا لطف الله وسترة عندما رفعنا أيدينا إلى السماء فى أزمة الطائرة المصرية المختطفة من مطار برج العرب نجحنا لأننا عرفنا كيف ندير الأزمة بحرفية ومهنية وبثقة وبتنسيق كامل مع السلطات القبرصية وإدارة الأزمة من المكان المخصص لإدارتها وتكامل كل أجهزة الدولة لعل هذه الأزمة وإدارتها تكون مؤشرا للنجاح وليست مقياسا للفشل. رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للمطارات السابق