المغرب عند المصريين تعنى التحرر والبنات الجميلات والروح الأوروبية وكرة القدم، وعند أهل «الصوفية» تعنى البلد الذى فيه نسبة من «الأشراف» الأدارسة المنتسبين إلى آل البيت النبوى. وهى عندى، تعنى «فاس» التى جاء منها أجدادى، بعد أن انتهت أحداث تغريبة «بنى سليم» و«بنى هلال» وحكمت الظروف السياسية والاقتصادية على قبائل التغريبة بالعودة إلى «تونس» و«ليبيا» ثم «البحيرة» و«الواحات» و«الفيوم»و«المنيا» وأخيراً «كوم العرب» فى سوهاج. مشوار طويل امتد عدة قرون، وحلم كبير شغلنى سنوات، لكنى عندما صليت فى جامع «مولاى إدريس» أحسست أن الأرق القديم قد انتهى، وأن السؤال القديم قد عثرت على إجابته.. إنه سؤال «الهوية»، وجدت نفسى فى «فاس» وتأكدت من أن «عربان المغاربة» الذين أنتمى إليهم مروا بالفعل بالمملكة «الشريفة» وأنهم ينتمون بالفعل إلى «فاس ومكناس» التى قال لى جدى عنها يوماً إنها بلدنا الأصلى. أمام موظف الجوازات فى مطار «محمد الخامس» بالدارالبيضاء شعرت بالراحة، فالموظف مبتسم، كلامه لطيف، أنهى اجراءات دخولى «المملكة» فى ثلاث دقائق، وعندما تكلمت معه، قالت مواطنة مغربية: - إنتى تونسى؟ - لأ.. من مصر.. - لا.. إنت شكلك ولهجتك مش مصرى وتكرر الموقف نفسه مع «عبداللطيف» سائق التاكسى الذى حملنى من المطار إلى «الدارالبيضاء»، فقد قال لى: - انت تونسى ولا ليبى ولا يمنى؟! واكتشفت سر السؤال.. فالمغاربة يشبهوننى بنسبة 100% وصلت إلى فندق «الدارالبيضاء» الموجود فى شارع «الحرية»، واكتشفت بعد يومين أن «عبداللطيف» سرقنى، فبدلاً من أن يطلب «150» درهماً أجرة التوصيلة من «المطار» إلى «الدارالبيضاء»، طلب «200» درهمٍ أعطيتها له، ومن حديثه معى طوال الطريق، عرفت أنه يعمل تاجر مخدرات بالقطاعى، وأنه جاهز لتقديم الخدمات التى يطلبها السائحون، وأنه على علاقة جيدة بتجار المخدرات فى المدينة! اتصلت بالدكتورة «فاطمة الزهراء» صديقة «فاطمة» مديرة التسويق فى «اليوم السابع» وحضرت إلى الفندق، عرفتها بمهمتى وطبيعتها، وطلبت منها المساعدة فى الحركة والمقابلات الصحفية، فأبدت استعدادها لمساعدتى، ولم تتركنى إلا فى مطار «محمد الخامس» فى آخر أيام الرحلة. فى اليوم الأول، ذهبت إلى مطعم قريب من «الفندق» يبيع «السندوتشات»، سألت الشاب الواقف يخدم الزبائن: - عندك إيه؟ فقال: - عندى كبده ولحم. فطلبت «سندوتشين»، وأحضر «السلطة» التى عبارة عن طماطم وبصل وزيت، وبعد أن أكلت، أحضر لى شاى «ليبتون» هى «ليبطون» كما يسميه المغاربة.. كان الطعام طيباً، وعندما سألت «الدكتورة فاطمة» عن سر «طعامة» الأكل فى المغرب قالت: الفلاحة هنا، لا تعتمد على المبيدات المسرطنة أو الكيماويات الضارة بصحة الإنسان، وأوربا تستورد من المغرب الفواكه واللحوم، لأن الأغنام والأبقار تتغذى تغذية طبيعية. وفى المطاعم المغربية لا يعرفون «الطرشى» لكنهم يعرفون «الزيتون» الأخضر والأسود، ويستهلكون كميات كبيرة من «الشطة» التى يطلقون عليها اسم «الهريسة» وهو الاسم الذى يستخدمه السودانيون! كانت المشكلة طوال أيام الرحلة، هى أن «الشاى الصعيدى» غير معروف لدى «القهوجية»، فكنت فى كل مرة أشرح للقهوجى طريقة عمله، وبمجرد أن يفهم «القهوجى» المطلوب، يقول: - إنت بغيتى شاى «نيجرو».. شاى صحراوى؟! وعرفت فيما بعد أن سكان جنوب المغرب يشربون «الشاى التقيل» أو الأسود، عقب تناول الوجبات الدسمة، خاصة لحم الضأن وهو الأمر المتبع فى محافظات «الصعيد» والمحافظات الصحراوية عندنا. و«الطماطم» و«الخس» و«البصل» التى يزرعها ويأكلها المصريون، يزرعها المغاربة، لكن «الفجل» هناك يحمل اسم «اللفت»، واللفت فى مصر، نبات شتوى يميل إلى اللون البنفسجى، و«اليوسفى» عندهم اسمه «المندولين» وهو اسم فرنسى، واكتشفت أنهم لا يعرفون اسم «اليوسفى» أو «اليوسفندى». فى «الدارالبيضاء» كل السلع غالية الثمن مقارنة بمستوى الدخل الذى يحصل عليه المواطنون المغاربة الذين فى غالبيتهم يعملون الأعمال الحرة، وهذه المدينة تشبه «الإسكندرية»و«القاهرة»و«أسيوط» فيما يخص الضحك على «الغريب» وسرقة فلوسه، وهى «العاصمة الاقتصادية» للمغرب، فيها الأموال الخليجية، والأوروبية، والاستثمارات الكبرى والصحف، والطباعة والنشر، والمكتبات الكبرى، والسلع المهربة من أوروبا، والملابس المستعملة، والأجهزة الكهربائية، وفى المدينة القديمة هناك تجمع لشباب متخصصين فى تقليد التكنولوجيا اليابانية والصينية وغيرها. 1 زواج الشواذ! عشت تفاصيل المعركة الكبرى بين أنصار «العولمة» والتيار الدينى السلفى التى اندلعت شرارتها الأولى من مدينة «القصر الكبير» وامتدت لتشمل ربوع المغرب كلها.. والسبب قيام الشاب «فؤاد» تاجر الخمور الشاذ جنسياً بعمل «ليلة قناوة» أو «ليلة زار»، ذبح عجلاً وشرب كوباً من دمه حسب طقوس «القناوة»، وقام بعمل «ليلة عرس» مغربية، صورها صحفى فى الجريدة المحلية «عين الشمال» ونشر تفاصيل الليلة، فخطب خطيب أحد المساجد بالمدينة وهاجم المتلاعبين بالأخلاق الذين يسعون إلى إفساد أخلاق الشباب المسلم، فخرجت مظاهرة المصلين، وحاصرها الأمن، وخرج وزير الداخلية لينفى خبر زواج الشاذين، وانقسم الرأى العام المغربى قسمين، قسم يرى أن ما حدث يقع فى دائرة التقاليد والعادات لأن «فؤاد» مصاب بداء «المس»، وأنه قام بعمل «ليلة القناوة» أو «الزار» بناء على طلب «الجان»، وقسم يرى أن الحفل تم بمعرفة الحكومة وتحت رعايتها تمهيداً للسماح بزواج «الشواذ» المعمول به فى بعض بلدان «الاتحاد الأوروبى» والولايات المتحدةالأمريكية. لكن بشكل عام، هناك ارتفاع فى نسبة الإصابة «بالإيدز» أو «السيدا»، خاصة فى منطقة «مراكش» التى تستقبل «المومسات» من مختلف أنحاء المملكة، وفيها نسبة «شذوذ جنسى» بين الرجال مرتفعة جداً. وطوال الأيام التى قضيتها، قرأت الصحف المغربية بانتظام ولاحظت أن صفحات «الحوادث والقضايا» تفيض بحوادث اغتصاب الأطفال، وأبطال هذه الجرائم أوروبيون ومغاربة. ومن أجمل مارأيت فى «الدارالبيضاء» القلعة القديمة أو «العَرصة» التى حولها المستثمرون المغاربة إلى مشروع سياحى يعتمد على إظهار الخصوصية الثقافية المغربية فى الأكل والشرب وكل شىء. وشرح لى الشاب «عتمان» مدير المشروع طريقة العمل فى «العَرصة» فقال: «العرصة» تمثل تلخيصاً لثقافة المغرب، نقدم للسائح الأكل المغربى من مصادره الطبيعية، وهذا يدعم الاقتصاد الوطنى لأننا نوفر للفلاحين ورعاة الغنم فرصة الكسب المادى الذى يضمن لهم الاستقرار الاقتصادى، وفى الصيف نقيم معارض تشكيلية للفنانين المغاربة». عندما دخلت مدينة «فاس» بعد رحلة استغرقت ثلاث ساعات بالأتوبيس من مدينة «الرباط»، أحسست أننى فى حى الأزهر أو «الدرب الأحمر»، والجمالية فى القاهرة الفاطمية، و«فاس» واحدة من أعرق المدن فى العالم العربى والإسلامى، والناس فيها يشبهون «المصريين» والشوارع فى «فاس القديمة» متداخلة، فالشارع ضيق طويل، يقطعه شارع آخر، وتشبه «المتاهة» أو «البازل»، وأغلب الشوارع مسقوف، وفيها عدد من «القيساريات» أو الشوارع التجارية، ومن أشهر معالمها مسجد وضريح «مولاى إدريس»، وهو صورة طبق الأصل من مساجد وأضرحة آل البيت «السيدة نفيسة وفاطمة النبوية والسيدة زينب..»، و«المولى إدريس» هو الذى أنشأ مدينة فاس القديمة فى عام 808 ميلادية، وأنشأ الفرنسيون مدينة «فاسالجديدة»، والمملكة المغربية تعتبر هذه المدينة عاصمة علمية وثقافية، ففيها «جامعة القرويين» و«جامع القرويين» الذى أنشأته «فاطمة الفهرية»، وهى امرأة كانت لها ثرورة عظيمة وهبتها كلها للإنفاق على الجامع، ومن المشاهد التى أدهشتنى فى «فاس، مشهد الرجال من مختلف الأعمار وهم يلعبون «الكوتشينه» و«السيجة» والأخيرة منتشرة فى كل القرى المصرية تقريباً وتشبه «الشطرنج» وهناك تشابه بين هذه المدينة وبعض المدن المصرية مثل «قوص» و«ملّوى» و«جرجا» و«منفلوط» فى الصعيد، لكن إمكاناتها الخدمية أقل من «الدارالبيضاء»و«الرباط» والأطعمة والمشروبات فيها أرخص من أى مدينة أخري، وتشتهر بالحمامات البلدية، ومن شاهد فيلم «حمَّام الملاطيلي» يستطيع أن يتخيل صور الحمامات البلدية فى «فاس». 2 قبلات عائلية حميمة! فى بيت شقيقة «محمد غزنان» المصور -المرافق لي- فى فاس، رأيت الأطفال يقبلون أباهم وأمهم، عقب عودتهم من المدراس الابتدائية والإعداية»، وعرفت أن هذا السلوك موجود لدى الطبقة المتوسطة فى المغرب، ولمست فرحة الأسرة بالضيوف، وغرفة الاستقبال عندهم تسمى «السدَّاري»ولا يستعملها أفراد الأسرة وهى قريبة من «أوضة المسافرين التى تحدث عنها نجيب محفوظ فى رواياته»، وجدران الشقق السكنية كلها «سيراميك»، يحمل النقوش الإسلامية، ويطلقون على الطبلية أو «السفرة» اسم «الطبلة»، وفى ظهيرة الجمعة يأكل المغاربة وجبة «الكسكس»التى تتكون من جزر وفلفل وبطاطس ولحوم بالإضافة إلى «الكسكس» الذى يسمى فى الصعيد والصحارى المصرية باسم «الكسكاس». ومن الوجبات المفضلة لدى المغاربة بوجه عام وجبة «الدجاج» و«الحريرة»، و«الحريرة» عبارة عن «خضر» مطهوة بشكل يجعلها على هيئة سائل. والرجال فى كل المناطق التى زرتها يدخنون السجاير «الفرط»،ومن النادر أن ترى مواطناً مغربياً يضع فى جيب «علبة سجائر»، وأسعار السجائر غالية جداً فيبلغ ثمن السيجارة المارلبورو ما يعادل 175 قرشاً مصرياً، ولا يتردد المغربى فى طلب سيجارة منك، والمتسولون والمتشردون والمجانين هائمون فى شوارع المملكة بصورة تبعث على الحزن وتصيب السائح بالاشمئزاز، لأن كل من يقدم لك خدمة فى المغرب يطلب أو ينتظر منك أن تعطيه «البقشيش». وفى كل دورات المياه فى المملكة تجد «القعدات البلدي» ومن النادر أن تجد «قعدة أفرنجي»، ودورة المياه اسمها «الكنيف»، والاسم الشعبى «طواليت» التى هى أساسها «التواليت» فى اللغة الفرنسية. 3 شوّافات مراكش السفر من «فاس» إلى مراكش، استغرق ست ساعات فى «الحافلة» أو «الأتوبيس»، وطوال الطريق الذى يخترق الجبال، رأيت بيوتاً مجهزة بطريقة تناسب «الثلج» الذى يسقط فى الشتاء بغزارة، وكانت الرحلة فى الليل، ورغم أن الطريق جبلى، فإننى لم أر «حادث سير» واحد، لأن السائقين مهرة، والطريق مجهز بطريقة تجعل وقوع الحوادث نادراً جداً، وبمجرد الوصول، أحسست بتغير المناخ، فالرباط باردة الجوّ، ومراكش حارّة، وعندما سألت عرفت أن المغرب فيه تباين بين المناطق، من حيث درجات الحرارة، فالدارالبيضاء باردة جداً، و«مراكش» حارة، وفاس حارة نهاراً، باردة ليلاً. كانت أيامى فى المغرب فرصة مهمة لمعرفة شعب شقيق قطع شوطاً فى اتجاه التطوّر والديمقراطية، وفرصة أكثر أهمية للتخلص من نظرية «مصر أم الدنيا»التى حوّلها الإعلام المصرى إلى مادة مخدرة جعلت المصريين يتحركون وبداخلهم جنون العظمة والنظر إلى الشعوب العربية على أنها الأقل فى كل شىء!