احتفلنا جميعاً باليوبيل الذهبى للتليفزيون المصرى الذى بدأ بثه فى 21 يوليو 1960 وكان من مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة الهامة هو انطلاق قناة التليفزيون العربى، والتى تبث برامج قديمة من أيام الزمن الجميل كما يقولون، والحقيقة أن البرامج جريئة، ولقد أذهلنى برنامج حوارى قدمته إحدى المذيعات وأعتقد أنها السيدة ليلى رستم مع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ، وكان حواراً رائعاً وتقدم أحد الموسيقيين بمداخلة ، وعلق الموسيقار عبد الوهاب عليه قبل أن يتكلم بأنه ملحن ايضاً ، وسأل هذا الملحن سؤالاً ذا مغزى فى حينها، وهو يسأل الأستاذ محمد عبد الوهاب عن الفرق بين النقل والتأثر والاقتباس فى الموسيقى؛ ويقصد موسيقى محمد عبدالوهاب ، وأجاب موسيقار الأجيال وأفاض وشرح ودلل عن الفرق بين السلوكيات الثلاثة فى الموسيقى بصفة عامة ، ولقد كان هذا السؤال الساخن فى هذا الوقت له دلالاته الكبيرة ، فقد بدأت حملة شعواء بدأها الصحفى الكبير محمد التابعى فى صحيفة أخبار اليوم سنة 1962 ضد الموسيقار الكبير بمقالة عنوانها : ( فن الحرامية ) ، وذلك كان بعد الهجوم الثلاثى عليه من الموسيقار كمال الطويل والموسيقار محمد الموجى والفنان عبد الحليم حافظ عام 1957م ، ثم أعقب ذلك وثيقة اليونسكو التى نشرت فى يونيو 1979 ، والتى تتهم الموسيقار محمد عبد الوهاب بسرقة ألحان من الموسيقى الكلاسيكية الغربية ، وزعموا أن موسيقى أغنية ( أحب عيشة الحرية ) وموسيقى أغنية ( طول عمرى عايش لوحدى ) مأخوذتين من السيمفونية الخامسة للموسيقار العالمى لودفيك فان بيتهوفن والمعروفة باسم القدر ، وبأن موسيقى لأغنية ( النيل نجاشى ) ، وموسيقى أغنية ( النهر الخالد ) مأخوذتان من إحدى افتتاحيات الموسيقار العالمى تشايكوفسكى ، وأغنية ( كان عهدى عهدك فى الهوى ) مقتبسة من أوبرا عايدة وموسيقى أغنية ( ياللى نويت تشغلنى ) مقتبسة من أوبرا ريجوليتو من " لادونا مويل" وكلاهما للموسيقار الإيطالى جوزيبى فيردى ، ومقدمة أغنية ( القمح) مأخوذة من باليه كسارة البندق لتشايكوفسكى وموسيقى أغنية ( مريت على بيت الحبايب ) من إيقاع رقصة التانجو الأوروبية ، وكذلك موسيقى أغنية ( جفنه علم الغزل ) من إيقاع رقصة الرومبا الأوروبية وموسيقى ( مجنون ليلى) مقتبسة من ألحان سان سانس فى أوبرا شمشون ودليلة ، وموسيقى أغنية ( الميه تروى العطشان ) مقتبسة من حلاق بغداد للموسيقى رونسييه والكثير من الأغانى حتى أغنية عبد الحليم حافظ ( فوق الشوك مشانى زمانى قاللى تعالى نروح للحب ) لم تسلم من الإتهام بأنها مقتبسة من موسيقى غربية تعزف أثناء حفلات الشاى . وقد دافع المايسترو سليم سحاب متعه الله بالصحة عن الموسيقار عبد الوهاب ودلل على أن أخذ الألحان من الغير هى ممارسة مشروعة ومعروفة فى تاريخ الموسيقى من الموسيقار باخ فى القرن السابع عشر حتى الموسيقار سوستاكوفتشى فى القرن العشرين ، ودافع ايضاً عبد الوهاب عن نفسه بأن هذا يعتبر تفاعل بين الوجدان الموسيقى الشرقى والانفتاح على الغرب وخاصة بعد معاهدة 1936 ، والتى أعطت لمصر كيان دولى مستقل وكانت قبلها الإصرار على الموسيقى الشرقية نوع من مقاومة الاستعمار ، ولقد أتهم عبد الوهاب أيضاً بسرقة ألحان الشيخ سيد درويش فرد قائلاً: ( لقد كون سيد درويش عبقريته الموسيقية بملاحقة الناس فى الشوارع وأخذ الألحان التى يرددونها ، ولقد اعتبروها عبقرية وليست سرقة !!!!! ) . كانت تلك هى الأحداث التى على الساحة عندما سأل الموسيقار عبد الوهاب عن الفرق بين النقل والتأثر والاقتباس ، ومع هذا نال عبد الوهاب تكريماً من حكام مصر جميعاً ومن حكام دولاً عربية ، ونال أرفع الأوسمة والجوائز والدكتوراه الفخرية من الرئيس السادات ، وعرف بأنه رائد السينما الغنائية وما قدمه من ألحان وموسيقى تصويرية وخواطر موسيقية بعد أن انتقل من التخت إلى الأوركسترا ، واتجاهه للمنهج العلمى بتقديم الموسيقى الموزعة توزيعاً اوركسترا لياً ، والإقدام على المزج بين الموسيقى العربية والموسيقى الغربية ، وبالأخص الموسيقى الراقصة سواء بالنقل أو التأثير أو الاقتباس فأحدث بذلك ثورة فى الموسيقى العربية بصفة عامة وفى السينما الغنائية بصفة خاصة ، وعلماً بأنه لم يدرس فى أى معهد غربى للموسيقى واستحق لقب موسيقار الأجيال بجدارة واقتدار عن مجمل أعماله من أغنية ( أنا عندى منجة وصوتى كمنجة ) ، والتى غناها على مسرح وكانوا ينطقونه حينئذٍ ( مرسح) الكلوب المصرى بحى سيدنا الحسين حتى أغنية ( من غير ليه) . ترى ماذا سيكون الحال لو حدث ذلك فى زمن التوك شو وعشرات القنوات ، وأكيد سيسمع صياحنا وصراع الديكة الاتحاد الأوروبى ودول جنوب شرق آسيا ودول الساحل والصحراء . كل ما شاهدناه جميل ورائع وبديع ، وبرغم الإمكانيات المتواضعة فإنك تحس أن الجو جميل والزمن جميل ، ولكن الشىء الوحيد المنسى و المفقود وهو مفقود ومهمش حتى كتابة هذه الكلمات هو ذلك المسكين هو الشعب المصرى وبرغم أن هناك أوبريت يذاع فى تلك القناة يقول : صوت الجماهير ... صوت الجماهير ... هو اللى بيتكلم ... هو اللى بيتحكم .... هو البطل .... تا را را را ترلم .