"ظلت الإسكندرية منذ أن بناها الإسكندر الأكبر وهى تلقى كل اهتمام من حكام مصر سواء كانوا البطالمة أو الرومان، فشيدوا حولها الأسوار والقلاع وبنوا لها الأساطيل التى تحميها من ناحية البحر. وكانت الإسكندرية تشتهر فى العصر البطلمى بصناعة الزجاج وكان لأرباب هذه الصنعة أسرار خاصة بصناعتهم وأصبحت الإسكندرية فى ظل الإمبراطورية الرومانية أكبر مركز للصناعة فى الإمبراطورية بأسرها وهناك نص يصف الحياة الصناعية فى هذه المدينة الرائعة جاء فيه "إنها مدينة غنية تتمتع بالثراء والرخاء ولا يوجد بها عاطل عن العمل، فالبعض يعمل فى صناعة الزجاج وآخرون يعملون فى صناعة أوراق البردى وكثيرون يعملون إما فى صناعة النسيج أو فى أى حرفة أو صناعة أخرى، حتى أصحاب العاهات من العجزة والخصيان والعميان، كل له عمله، حتى من فقدوا أيديهم لا يقضون حياتهم عاطلين هناك وقد وصفت الإسكندرية فى هذا العصر بأنها "أكبر مركز تجارى فى العالم بأسره" وبها طبقة من التجار الذين يحوزون ثروات ضخمة. وكانت الإسكندرية فى العصر البطلمى هى عاصمة البلاد، فيها يقيم الملك وحاشيته وكبار موظفيه وبها توجد المراكز الرئيسية للإدارات المختلفة، وكان أغلب سكانها من الإغريق الذين كانوا يشكلون فى مصر فى زمن البطالمة أكبر الجاليات الأجنبية على الإطلاق، وكان من سكان الإسكندرية جالية كبيرة من اليهود وعدد من المصريين وكانت المدينة تخضع للإدارة الملكية وليس أدل على ذلك من أن الملك هو الذى كان يمنح الترخيص اللازم للراغبين فى الإقامة بها ومن ثم كان لها مواطنة خاصة بها. وقد تعرضت المسيحية للاضطهادات المتكررة من قبل الأباطرة الرومان وقد عبر ترتو ليانوس عن ذلك بقولته المشهورة"فإذا فاض التيبر على الأسوار أو غاض النيل فلم يبلغ الحقول أو أمسكت السماء عن المطر وإذا زلزلت الأرض أو حدثت مجاعة أو انتشر وباء تتعالى الصيحات على الفور هاتفة "فليلق المسيحيين إلى الأسد" وكانت الحرب على القبط بالغة العنف فى الإسكندرية لذلك عندما بدأ الفتح الإسلامى وتوجه عمرو بن العاص للاستيلاء على الإسكندرية وطرد آخر جنود الروم من الإسكندرية قامت جماعات من القبط بإصلاح الطرق وإقامة الجسور والأسواق وصارت القبط أعوانا على ما أرادوا من قتال الروم، وتمتع المسيحيون فى صدر الإسلام بحرية كاملة فى ممارسة شعائرهم، فلم يحاول المسلمون إلزام المسيحيين بالتخلى عن ديانتهم أو التدخل فى خلافاتهم الدينية والانتصار لفريق على فريق.