تستطيع بمنتهى الثقة أن تضع يوم الرابع من يونيو عام 2010 كتاريخ رسمى لإعلان شهادة وفاة الحراك السياسى الهادف نحو التغيير فى مصر.. هذا الحراك الذى تحدثت عنه الفضائيات والفيس بوك ووكالات الأنباء العالمية وملأ الدنيا صخبا حول التغيير ثم انتهى إلى مقولة سعد باشا زغلول الخالدة "مفيش فايدة". فما الذى حدث يوم الرابع من يونيو عام 2010. ببساطة شديدة.. وكما نقلت الصحف ووكالات الأنباء شهد الجامع الأزهر وبعض شوارع والقاهرة والمحافظات مظاهرات حاشدة شارك فيها عشرات الآلاف إحتجاجا على "العدوان" الإسرائيلى "الغاشم" على أسطول الحرية.. وصفت الصحف المظاهرات بأنها كانت يوما للغضب ضد إسرائيل.. تجمع الناس بعد صلاة الجمعة ونفسوا عن احتقان مشاعرهم بكلمتين وهتافين وحرقوا علمين وداسوا على نجمة داوود.. وبس خلاص. "العدوان" الإسرائيلى "الغاشم" حدث فى نفس الوقت الذى جرت فيه أحداث انتخابات مجلس الشورى الذى نافس فيه الحزب الوطنى نفسه وفاز فيه بالأغلبية المعتادة وتحدثت القوى السياسية المعارضة عن عمليات واسعة النطاق من التزوير ومنع الناخبين من التصويت وتقفيل اللجان الانتخابية.. بينما تحدثت القوى السياسية الحاكمة عن نزاهة وشفافية وإقبال الشعب المصرى بكل طوائفه على التصويت ليمنح الحزب الوطنى فوزا كاسحا على طريقة ال99% الشهيرة. فهل تم التزوير فى انتخابات مجلس الشورى كما تقول المعارضة أم أن الانتخابات كانت "زى الفل" كما تقول الحكومة. سواء كان هذا الذى جرى أو ذاك.. فإن هذين الاحتمالين يؤديان إلى نتيجة حتمية واحدة وهى إعلان شهادة وفاة الحراك السياسى فى مصر من أجل التغيير. فإذا كانت نتيجة الانتخابات تعبر عن رأى الشعب المصرى فعلا بدون تزوير كما تقول الحكومة فمعنى ذلك أن الشعب قال كلمته وأهدى أغلبية كاسحة للحزب الوطنى وأنه يؤمن بإنجازاتها وأن الكلام عن التغيير هو مجرد صخب تثيره قلة قليلة ضئيلة الحجم والتأثير. وإذا كان تزوير الإنتخابات قد تم فعلا.. فكان من الأولى بأن تسير هذه المظاهرات لإدانته وشجبه والتصدى له بدلا من أن تخرج لتندد بإسرائيل أو لتناصر أهل غزة.. فالشعب الذى تسرق إرادته السياسية وأصواته الانتخابية لا يستطيع (ولا يستحق أصلا) أن يناصر شعبا آخر شقيقا كان أو غير شقيق.. والشعب الذى تمنعه هراوات الأمن المركزى من الحصول على حقوقه لا يستطيع (ولا يستحق أصلا) أن يخيف دولة تمتلك الدبابات والصواريخ والطائرات و"العدوان".. فمن لا يمتلك صوتا ولا وزنا ولا قيمة فى بلده ليس من المفروض أن يمتلك وزنا أو صوتا أو قيمة عند الآخرين. قد يقول قائل إن تزوير الانتخابات أمر عادى فى مصر اعتاد الشعب المصرى عليه وبالتالى من الصعب أن تجرى مظاهرات لإدانته.. ولكن "العدوان" الإسرائيلى أيضا أمر عادى اعتاد الشعب المصرى عليه.. وبالتالى ما الذى يجعل الشعب المصرى يحتقن ويختنق بالغضب ويخرج إلى الشارع فى مظاهرات عبثية ليس لها معنى سوى لمجرد التنفيس والتصوير فى نشرات الأخبار.. ما الذى يجعله يطالب برفع الظلم عن أهل غزة وهو لا يملك رفع الظلم عن نفسه.. ما الذى يجعله يبحث عن الحرية للآخرين بينما حريته السياسية منقوصة أو غير موجودة من الأساس.. ما الذى يجعله يحتقن بالغضب ويتحرك ويتظاهر لأمر حدث خارج حدود بلده وليس فى قدرته أن يغيره بينما يتعامل ببرود وعدم اكتراث مع ما يستطيع أن يغيره ويحدث فى عقر داره ويؤثر بشكل مباشر على مجريات حياته اليومية. النتيجة النهائية لما حدث يوم 4 يونيو تكتب شهادة وفاة الحراك السياسى الباحث عن التغيير فى مصر.. كل سنة وأنتم طيبين.. أو.. كل 30 سنة وأنتم طيبين.