لايمر يوم إلا وتعلن مجموعة من العمال أو الموظفين بإحدى الهيئات عن الاعتصام حتى يتم تلبية مطالبها المختلفة، ثم يتحول الأمر من الإعتصام لمدة زمنية معينة يوميا إلى الاعتصام على أبواب البرلمان أو بالقرب من مراكز صناعة القرار، كنوع من التصعيد الاعلامى، ومؤخرا أتخذ الإعتصام شكلا مغايرا بالتفكير فى الاعتصام بالملابس الداخلية، لزيادة الضغط على مسئولى الجهات الحكومية لتلبية مطالبهم، ويكفى للتدليل على تصاعد موجة الإحتجاجات، ما تضمنته الإحصاءات التى نشرت مؤخرا عن احد المراكز الحقوقية أن مصر شهدت خلال الأعوام الخمسة الأخيرة حوالى 1609 اعتصام وحركة احتجاجية وأن العام الماضى وحده شهد40 اعتصامًا و15 إضرابا و6 وقفات احتجاجية شملت عدد من المحافظات المصرية،والتى تنوعت بين اعتصامات لعمال مصانع وأئمة مساجد وموظفين يعملون فى القطاع الخاص والعام على السواء. والسؤال الأن ما الذى يدفع هؤلاء للاعتصام؟!.غالبا ما يلجأ المعتصم إلى هذا الشكل من أشكال الإحتجاج للحصول على حقه إما بعد إستنفاذ الوسائل المتاحة مثل الشكوى والتفاوض والحوار أو بعدما تعامل المسؤولين معهم بنوع من الاستهانة أوالاستهتار، مما يتولد لدى المعتصمين شعوراً بالظلم وهو من أسوأ المشاعر الإنسانية، والذى يولد الشعور بالإحباط، وفى هذه الحالة تسود عقلية القطيع بمعنى من السهل ان يقوم احد الجموع الغاضبة بالتاثير فى قرار زملائه، ودفعهم للقيام بسلوك عدوانى وهذا ليس لا يعنى التخريب فى البداية بالمعنى الضيق، بل التوقف عن العمل وهو فى ذاته تخريب للمؤسسة الانتاجية، وهو سلوك يعد أولّى مظاهر العدوان،ومحاولة صد الظلم الذى شعر به هؤلاء، وإذا لم يجد أيا منهم أى تحرك حكومى من أى نوع سرعان ما يتحول الامر إلى سيادة الشعور بالغضب وإعلان العصيان، ولنا فيما حدث بمدينة المحلة الكبرى أبرز مثال على ذلك عندما اندلعت اعمال عنف فى أرجاء المدينة بعدما تعامل مسئولى الشركة والجهات الحكومية المعنية بشكل من الرعونة والتسويف للاستجابة للمطالب العمالية، ولولا تدخل الجهات الحكومية وان كان قد جاء متأخر لكانت الأحداث قد بلغت مدى أكبر من ذلك بكثير. والآن مع شيوع الاعتصامات وانتشارها على رصيف البرلمان وأمام مراكز صنع القرار فى مصر يمثل تحولا خطيرا حيث يشير إلى أن شعور المعتصمين بالظلم قد تحول نتيجة " عبث الجهات الحكومية" إلى الشعور باليأس والتى تسود معها فكرة " خسرانة خسرانة" ووقتها من السهل المبيت فى العراء والتظاهر بل والتخريب،وسهولة تغلل اصحاب الافكار العدائية ضد البلاد أو السلطة ورموزها فيما بينهم، ولعل نبرة التحدى التى أعلن عنها مجموعة من المعتصمين مؤخرا من الانضمام إلى إحدى الحركات السياسية المعارضة للسلطة،احد مظاهر هذا العداء، الذى أصبح يسيطر على الكثيرين مما تملكهم الشعور بالظلم واليأس الشديد. والمشكلة أن الاستجابة الحكومية فى كثير من الأحيان لمطالب المعتصمين أو جزء منها بعد لجوئهم للاعتصام، دفع الكثير من الفئات التى تعانى من الظلم، وفقدان الثقة فى الحكومة وأجهزتها التنفيذية، إلى استخدام نفس الأسلوب الإحتجاجي، مادامت الاجهزة الحكومية تتدخل فى النهاية لحل المشكلة والاستجابة للمطالب، ومن ثم التعامل الحكومى الخاطئ وعدم توافر سياسة الباب المفتوح التى أثبتت التجربة العملية أنها " سياسة وهمية" أوجد قناعة لدى الجميع أن الحصول على الحقوق لايأتى إلا من خلال لىّ زراع الحكومة وهى قناعة بالغة الخطورة لابد للحكومة ان تقوم بمحاولة ضبط عملها بالشكل الذى يحقق العدالة المجتمعية، ومحاولة التغلب على أى مشكلة فى المهد، وإلا ستواجه تصاعدا وتنامى كم الاعتصامات بشكل بالغ الخطورة. ولابد للحكومة ان تدرك العلاقة " النفسية" بينما وبين العامل والتى هى علاقة تبادل منفعة وأن الجهتين فى حاجه إلى بعضهما وأن الاثنين مستفيدين من بعض،وفى هذه العلاقة لكل جهة حقوق وواجبات ولتأدية الواجبات يجب الحصول على الحقوق ولذلك لا بد للنظر والتعامل مع المعتصمين على أنهم أصحاب حق،وأنهم قد إستنفذوا طرقهم فى محاولة الحصول على هذا الحق ولكنها فشلت،و لذلك لجأوا إلى هذا الأسلوب الذى قد يبدو غير مقبول ولكن دراسة الحالة النفسية لهم قد تبرر أو تعطى العذر لهذا التصرف وخاصة أن المعتصم قد تعلم من خبراته السابقة بحصول من اعتصموا على حقوقهم،ولذلك يجب التعامل معهم بفهم وبعض التقدير للظروف التى دفعتهم إلى ذلك وتفادى ذلك فى المستقبل والتدخل لحل المشاكل قبل وصولها لهذا الحد لكى لا يكون هذا الأسلوب المتبع دائماً لأنه يؤثر على كفاءة إنتاجية العامل ويشوه العلاقة بين العامل والمؤسسة والحكومة لأنها أساساً علاقة تعاون ومصلحة مشتركة وليست علاقة ندية وعنف وتحدى.