قررت منذ يومين أن أسكت هذا الشىء المسطح الذى يسمى التليفزيون، أحسست للحظة أننى إن لم أسكته، سأصاب أنا بسكتة دماغية!. بحق السماء، ماذا أصاب هذا الجهاز الوديع الذى كان فى أيام ليست ببعيدة مصدر تسلية وبهجة لكل فرد من أفراد العائلة؟ لما توحش هكذا فجأة، وأصبح يقذف علينا حمما بركانية أوقدت حياتنا الهادئة وجعلت من كل مشاهد كتلة متوهجة ومتحركة من العصبية وبلادة الإحساس والانحطاط الأخلاقى. نعم! لم يعد الواحد منا يطيق أن يسمع غير صوته وأصبح من العادى وأيضا من باب الحرية الشخصية أن تسكت الذى لا يعجبك كلامه حتى ولو كان أكبر منك سنا وربما أحد والديك!. لم نعد نحزن لرؤية جثث مزقتها القنابل هنا وهناك ونمر على الخبر مرور الكرام وكأنه أضحى الموت ببشاعة صوره أمرًا فى منتهى البساطة. لا ننتبه أن نمنع أولادنا من مشاهدة المصارعة أو أفلام الأكشن، المهم أن نحظى نحن بشىء من الهدوء والخصوصية فى غرفة أخرى، ولما يطلبوا منا بعد ذلك أن نقتنى لهم ألعاب البلاى ستيشن التى شاهدوا إعلانها، لما نرفض وكل أصدقائهم لديهم واحدة؟. لا نملك أن نحرم بناتنا فى سن المراهقة من متابعة برامج المسابقات فى الرقص والغناء التى يتخللها عرى لدرجة الخلاعة، لأنه ببساطة كل صديقاتها يشاهدنها وهذا بالطبع مؤشر يقاس عليه مدى تحضر أو تخلف الآباء. دون أن نشعر اكتظت رؤوسنا بمختلف الآراء التى نسمعها من كل من هب ودب ممن أسموا أنفسهم بنشطاء وخبراء ومحللين اكتسحوا الفضائيات كلها فيما يسمى ببرامج التوك شو والتى أضحت نسخة من بعض لا تسمن ولا تغنى من جوع، بل بالعكس احترفت السب والقدف وإشعال المواقد لتتغدى بفلان وعلان وللأسف كل فى فلك اللامهنية يسبحون!. وأصبحنا بفعل كل هذا نشبه الدراويش – كل واحد منا يدور حول نفسه فى غيبوبة فكرية وعاطفية وأخلاقية غير معلومة المعالم والمصير والفرق بيننا وبين دراويش الصوفية أنهم ينشدون العلى أما نحن فنهوى إلى أسفل السافلين!. اشتقت إلى بوجى وطمطم والبيت بيتك وليالى الحلمية وفوازير شريهان والمسلسلات الدينية والاجتماعية التى لا تخدش حرمة رمضان. لما نتطور على حساب أخلاقنا وقيمنا وحضارتنا؟ ألا يمكننا أن نكون مبدعين مع الحفاظ على من نكون؟. كثر الكم وقلت جودة المضمون وفى خضم هذه الحرب التى نعيش أهوالها، لن يوقف الدراويش عن اللف والدوران إلا بمعجزة إلهية!.