سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الطريق السرى إلى الشيخ زويد ورفح.. من هنا يمر القتلة وينصبون أكمنتهم..الطريق يبتعد عن الحواجر الأمنية ويتخلل المدقات الجبلية.. ويبدأ من قرية الطويل ويمر بكرم القواديس
مدقات جبلية شديدة الصعوبة، سيارات تخفى بداخلها هلع المارة، تجمعات سكنية متناثرة على حافتيه.. هكذا كان حال الطريق الخلفى الواصل إلى قرى مدينتى الشيخ زويد ورفح بشمال سيناء، والذى يصل طوله نحو 60 كيلومترًا، هو البديل الوحيد المتاح للهرب من المرور بالطريق الدولى العريش - رفح بسبب السيطرة المحكمة من قوات الجيش على الطريق الدولى. المسار الخلفى الذى قد يستغرق الوصول عبره إلى رفح والشيخ زويد نحو ثلاث ساعات كاملة، يبعدك عن كمائن الجيش، لكنه قد لا ينجيك من الوقوع فى شرك كمائن ونقاط تفتيش للجماعات المسلحة الباحثة هى الأخرى عن مطلوبين لديها. بعد أن تعذر السير إلى رفح عبر الطريق الدولى نتيجة إغلاقه، نظرًا لقيام إرهابيين بزراعة عبوات ناسفة، وانتشار القوات الأمنية على طوله، لم يكن متاحً سوى السير فى هذا الطريق المنطلق من مدينة العريش بمسارات متعرجة، متخللاً مزارع جنوبالمدينة، ومنطقتى العبور والريسة وصولاً إلى الطريق الدائرى. انتبه ولا تعرض نفسك للخطر بالوقوف المفاجئ على حافة الطريق، فالطريق الذى لا يتجاوز عرضه 5 أمتار يسير فى الاتجاهين.. السيارات مسرعة تخفى بداخلها سائقون تظهر على ملامحهم علامات الريبة والخوف، اللغة المتداولة بين رواده إشارات عبر كشافات السيارات تحمل سؤالًا: هل الطريق آمن؟، تكمل سيرك إذا ما بادلك السائق الآخر الإشارة أو تنعرج قليلاً إذا ما أشار لك بالرجوع، أو البحث عن وصلة لتخرج من «فخ» منصوب بالأمام. بداية ملعب المسلحين بمرورك على محطة ضخ الغاز فإنك على أعتاب قرية «الطويل» آخر قرى مدينة العريش شرقًا، تشق مسار الطريق كثبان رملية، وأشجار كثيفة على جانبى الطريق تخفى وراءها شجرات الزيتون التى زرعها أهالى «الطويل» للتكسب منها.. القرية تكاد تخلو من السكان إلا القليل الذين يسكنون عششًا صغيرة متناثرة على طول الطريق. تقاطع عرضى مع الطريق، حيث يظهر لسالكى الطريق أن من يُرد استكمال سيره نحو قرى جنوب الشيخ زويد ووسط سيناء يتجه إلى اليمين، والمتجه إلى مدينتى رفح والشيخ زويد والقرى الواقعة على ساحل البحر يتجه شمالاً، وعلى هذا التقاطع كان الارتكاز الأمنى «كرم القواديس» الذى شهد التفجير الإرهابى المعروف الذى راح ضحيته نحو 30 جنديًا قبل بضعة أسابيع. فى «كرم القواديس» لا تزال بقايا الكمين شاهد عيان على الجريمة، ولا يزال على جانب الطريق كرسى بلاستيكى يستخدمه الجنود فى أثناء تفتيش المارة هو الشاهد الوحيد الصامت المتبقى من الكمين، ولم يختف نتيجة التدمير الذى طال الموقع. أحد الأهالى بهذه المنطقة، والذى رفض ذكر اسمه لدواع أمنية، قال إنهم فوجئوا يوم استهداف الكمين بالنيران تشتعل من كل جانب فى الموقع، وملثمين مسلحين يتوافدون مرتدين ملابس سوداء، وتمكن الأهالى من إيواء بعض الجنود الناجين من الموت، بعد أن فروا إلى المنازل المجاورة وقاموا بتسليمهم للقوات فى وقت آخر. وأضاف: منذ أن تمت التفجيرات واللعنة تطارد منطقتنا، فقد فوجئنا عقب التفجير بحضور مسلحين للموقع، ثم حملات أمنية متتالية، وتم هدم بيوت الأهالى وحرق سياراتهم، وباتت منطقتنا هى الأشهر، وهى التى كان لا يعرفها أحد سوى أنها نقطة أمنية، ودكان، وبضعة بيوت، ومسجد. استكمال السير نحو مدينة رفح عبر منطقة قرية «قبر عمير» ثم «الغرة» هو مغامرة محفوفة بالمخاطر، والتى يصل مسارها إلى نحو 6 كيلومترات لا تخلو من توقف السيارات قسرًا بسبب غرس عجلاتها فى الرمال لتبدأ بعدها وصلة جديدة صخرية من الطريق، تنتهى وسط الزراعات، لتنتهى تلك الوصلة من الطريق بمكان مفضل لدى المسلحين لإقامة أكمنتهم، بحسب قول أحد الأهالى ويدعى «عايد» الذى يضيف أن خطورة الطريق أنه قد يتعرض السائر عليه إلى كمين مفاجئ للمسلحين من «أنصار بيت المقدس» الذين يقيمون أكمنة مفاجئة، خاصة فى الأماكن البعيدة عن أنظار قوات الأمن، أو التى خرجت منها القوات بعد انتهاء عمليات التمشيط والمداهمات. ويكمل «عايد»: لا يستغرق نصب كمين المسلحين سوى بضعة دقائق من خلال عدد من السيارات وجهاز كمبيوتر، ويقومون بتفتيش السيارات وفحص الأوراق، والتأكد من رخص القيادة وهويات الركاب، بحثاً عن الجنود وعناصر الشرطة العائدين من إجازاتهم، والذين يضطر بعضهم أحيانًا إلى استقلال سيارت أجرة، أو بحثًا عن المتعاونين من الأهالى مع الجيش والشرطة، ووقعت عدة حوادث اغتيالات لهم على يد مسلحين أجبروهم على النزول من السيارة. يعتبر محيط الطريق بمنطقة جنوب «الغرة» و«قبر عمير» و«الخروبة» مع «الطويل» وامتداد قريتى «التومة» و«اللفيتات» بشرق العريش جزءًا من الملعب المفتوح للجماعات المسلحة والإرهابيين، بسبب طبيعة المكان الجغرافية، وخلوه من السكان، ولا يمكن لأى شخص الوصول إلى تلك القرى بسهولة، فى تلك المناطق دارت اشتباكات عنيفة على مدى الأشهر الماضية بين قوات الجيش والمسلحين، وتمكن الجيش من القبض على عدد من المسلحين وضبط عدد من مخازن أسلحتهم السرية. وعلى الرغم من خطورة الطريق لوصوله إلى معاقل المسلحين، فإنه يبقى دون تأمين، فكما يقول أحد الأهالى: هذا الطريق الذى يوصلك إلى أى قرية من قرى الشيخ زويد أو رفح يظل خارج السيطرة الأمنية تمامًا، فالجيش لا يتواجد بصفة مستمرة هنا، لكن تواجده يعتمد على وجود الحملات الأمنية التى تأتى لهدف محدد ثم ترحل، مضيفًا: أول كمين هو «المزرعة» فى العريش، ولا يوجد كمين غيره بعد الاعتداء على كمين «كرم القواديس». ويتواصل المسار بمدق رملى يسمح بالسير عليه بالكاد فى نهاية قرية «الغرة»، ثم يبدأ مسار الطريق إلى مدينة رفح عبر الاتجاه الشمالى بعد المرور بالطريق الدولى فى نطاق قرية «الخروبة»، ثم الاتجاه عبر طريق فرعى ناحية الشرق بمنطقة تسمى «المزلقان» بقرية «الشلاق»، وهى التى شهدت أيضًا عدة عمليات إرهابية كان أشهرها اغتيال قائدين، أحدهما بقوات الأمن المركزى. ويصل الطريق بعد ذلك إلى مدينة الشيخ زويد، مارًا بجانبها الشمالى، والذى يعد حاليًا هو المركز التجارى لها، بعد إغلاق ميدان الشيخ زويد أمنيًا قبل أكثر من عامين، على أثر قيام انتحارى يقود سيارة مفخخة بمحاولة اقتحام قسم الشرطة المطل على الميدان. على الرغم من الانتهاء من قرى العمليات الأكثر شراسة فى جنوب الشيخ زويد، فإن استكمال السير نحو رفح عبر المرور بقرى وتجمعات «الحسينات» و«الوفاق» و«المطلة» و«أبوشنار» لا يقل صعوبة عن سابقه سوى أنك ترى أفرادًا يتنقلون على أقدامهم. نهاية المسار الخلفى بتعرجاته تصب بك نحو «ميدان صلاح الدين» بقلب مدينة رفح التى أصبحت حاليًا كومات متناثرة من الأحجار، نتيجة لتدمير منازلها على الشريط الحدودى مع قطاع غزة لإنشاء المنطقة العازلة بعمق 1000 متر من الحدود. يقول محمد سلامة، أحد الأهالى، إن سائقى سيارت الأجرة يجدون فى هذا الطريق سهولة نسبية، لأنه يعفيهم من الانتظار الطويل أمام الحواجز الأمنية للتفتيش على طريق العريش - رفح الرئيسى، وهو الانتظار الذى يستمر أحيانًا لساعات، لافتًا إلى أن الطريق يخلو بشكل تام من أى رقابة أمنية، لكن أحيانًا تعترض الطريق حملات أمنية تستوقف بعض السيارة لتفتيشها للاشتباه بمن فيها، وأشار إلى أن ذلك أعطى الحق للسائقين فى فرض تسعيرة ركوب بمعرفتهم وصلت إلى 6 جنيهات للراكب الواحد بين العريش والشيخ زويد رغم أن أصل التسعيرة الرسمية 3 جنيهات، و10 جنيهات بين العريش ورفح رغم أن أصل التسعيرة المقررة 4 جنيهات. ويشير عبدالمنعم السيد الذى كان يستقل سيارة «نصف نقل» تحمل لوحات من محافظة الشرقية ومحملة بالفواكه، إلى أنهم رغم الظروف الأمنية البالغة الصعوبة يأتون من محافظاتهم لنقل الفواكه والخضروات، ويسلكون هذا الطريق الشديد الصعوبة والخطورة بهدف ألا يتعطل مسيرهم لساعات إضافية. ولم يخفِ «السيد» أنه تعرض فى إحدى المرات للمرور من كمين مسلحين، لكنهم تركوه بعد أن أيقنوا أنه ليس تابعًا لأى جهاز أمنى وأنه تاجر متنقل، لافتًا إلى أنه تعرض مرة واحدة لهذا الموقف رغم أنه يسير على هذا الطريق بمعدل 3 مرات أسبوعيًا.