تعيش مصر اليوم محنة كبيرة وظروف صعبة ولحظات فارقة من تاريخها المجيد، بعد أن خضب التطرف المارق والمحموم أرضها بدماء أبنائها الطيبين المسالمين، وأغرقت أطرافها السيول فى الشمال والجنوب، وقضت على مظاهر الحياة فى بعض مناطقها التابعة لمحافظة أسوان وشمال وجنوب سيناء والعريش، تلك المناطق التى غمرتها السيول وحولتها إلى وديان جارية، مما اضطر قاطنيها ويبلغ عددهم حوالى ألفى مواطن إلى ترك منازلهم تحت قهر الظروف بعد أن جرفتها السيول العارمة ولم تبق منها على شىء ودمرت مرافقهم وزراعتهم وتجارتهم وصناعتهم وحولتها إلى أطلال بالية ليستقر بهم المقام فى خيام الإيواء التى أعدتها لهم القوات المسلحة.. ولم يدخر الرئيس مبارك جهدا فى مواجهة هذه الكارثة الطبيعية التى ألمت ببعض مناطق مصر والعمل على درء مخاطرها عن المواطنين وتخفيف وقع هذه الكارثة عليهم فأصدر فخامته أوامره للحكومة بزيادة صرف التعويضات عن الإضرار التى لحقت بالبيوت وغيرها من 15000 جنية إلى 25000 جنية، إضافة إلى المؤن الغذائية والبطاطين وقام فخامته بزيارة المناطق المنكوبة فى محافظة أسوان، وأوفد السيد/ رئيس الوزراء إلى محافظة سيناء للوقوف على آخر التطورات هناك، وحث فخامته القائمين على المحافظات المضارة بسرعة القيام بإزالة العوائق وإعادة المرافق الحيوية كالطرق والكبارى والكهرباء والصرف الصحى والغاز والمستشفيات وغيرها إلى كفاءتها التى كانت عليها فى هذه المناطق، قبل نكبة السيول. كما أمر فخامته باتخاذ الإجراءات الاحترازية الكفيلة بمواجهة السيول فى حال تكرار حدوثها.. هذه هى روح الرئيس الوثابة وقدرته الخلاقة وجهوده الدءوبة التى تتجلى فى عشق وإبداع مع أهله وإخوانه وأبنائه من بنى وطنه، حين تلم بهم الكوارث والعثرات وتمتحنهم الأيام فى أموالهم وأولادهم وأنفسهم بالنكبات، وهو أيضا الحريص على شعبه الذى يتألف معظمه من ذوى الدخل المحدود فكانت آخر تصريحاته أثناء زيارته لمحافظ كفر الشيخ أكبر دلالة على ذلك فى إشارة منه عن إمكانية تعديل قانون الضرائب العقارية، وإعادة دراسته من جديد بعد أن لمس من المواطن عدم رضاه على نصوص هذا القانون بوضعه الحالى، ليرد وزير المالية إلى صوابه بعد أن ضاق الناس بقانونه وتصريحاته. وهذا درس جديد للسادة الوزراء الذين يعملون فقط من أجل مصالحهم على حساب قوت المواطن المعدم، وهذه أيضا دعوة صريحة لإبطال تزاوج السلطة بالمال ولا يتأتى ذلك إلا من عقل القائد المتقد بالذكاء والفكر المستنير، ليؤكد أنه القادر دون غيرة دائما على تسيير دفة القيادة الداخلية والخارجية بإحكام شديد لصالح الوطن لتبقى مصر دائما على شاطئ الآمان وعلى مرافئ السلام. كان وقع النكبة مؤلما وخلف وراءه خرابا ودمارا وخسارة كبيرة بلغت تقديراتها الأولية حسب الإحصائيات المبدئية لمجلس الوزراء خسائر قدرت بمبلغ 400مليون جنية ناجمة عن أضرار السيول وتمثلت فى البيوت التى تهدمت بشكل كلى وعددها1132بيتا 345بشكل جزئى وقطع (97 ) طريقا، وتدمير وإتلاف (7 ) آلاف 222فدانا، واقتلاع عدد (82) برجا كهربائيا 13 ألف شجرة زيتون، إضافة إلى خسائر المصانع وإعادة إصلاح أبراج الكهرباء وشبكات الصرف الصحى ومياه الشرب والغاز، وهذه مجمل الخسائر المبدئية. وأعتقد أنها أكبر من أن تتحملها الحكومة وحدها وتحتاج إلى تضافر الجهود ومشاركة فاعلة من قبل رجال الأعمال أصحاب مصانع السيراميك وكبلات الكهرباء والحديد والصلب وأصحاب الشركات والمؤسسات وقطاع الإعمال كافة اللذين لم تبخل عليهم الدولة من قبل وقدمت لهم الدعم فى كل شىء.. فأرض مصر هى مجال استثماراتهم الخصبة وشعب مصر المتضرر هو المستهلك الأكبر لمنتجاتهم وموانئ مصر ومطاراتها هى قبلة تصديرهم للسلع واستيرادها وبنوك مصر هى القارضة لهم أمولها وحكومة مصر هى التى قدمت لهم جل خدماتها وبرلمان مصر هو من منحهم الحصانة المالية والقانونية والداعم لهم فى إنماء ثرواتهم.. ونحن إزاء ذلك لا نمن عليهم بما تقدمه الدولة لهم من خدمات ولا نحسدهم على ملاينهم وملياراتهم، وإنما نذكر ذلك على سبيل التذكرة فأهل أسوانوسيناء والعريش هم من أهل مصر.. تتعالى أصواتهم فى سماء الوطن يستغيثون بأبنائه ويدعون الله تعالى صباح مساء عسى أن تحن عليهم القلوب الرحيمة وترق لهم النفوس العطوفة فيشملهم عطف الناس والحكومة بقليل من الزاد أو المال أو الكساء أو الدواء ليدفعوا عن أنفسهم ألم الجوع وبرودة الشتاء وعناء العيش فى العراء، فمصر اليوم فى أشد الحاجة إلى سواعد أبنائها وعقول مفكريها ومثقفيها وإبداع فنانيها وتبرعات رجال الإعمال وكل القادرين على العطاء قبل أى وقت مضى.. وذلك من أجل أمرين هامين وفى غاية الخطورة.. أولهما القضاء على الفتنة التى يشعلها بعض الحمقى الجهلاء بالدين والتدين فى الداخل والخارج لمآرب شخصية وفق أجندات سياسية وخارجية تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار داخل مصر، ولكى نقضى على هذا اللوبى الذى يعمل ضد الأمن القومى المصرى لابد من العمل على رأب الصدع فى صعيد مصر وإيجاد حلول ترضى الأقباط قبل المسلمين، وأن تولى الدولة اهتمامها بمدن وقرى ومحافظات الصعيد أكثر مما هى عليه الآن.. وثانيهما أن يتذكر كل مسئول فى الحكومة أنه حين وصل إلى الكرسى الوظيفى وقبل أن يحلف يمين القسم.. كان لا يملك شيئا فى هذا المكان، وعليه أن يتصرف مع المواطنين بهذا الإحساس الذى اعتلى به وظيفته طيلة خدمته فى هذا المنصب، ولا يجب أن يتصرف كما يحدث الآن وكأن الوزارة التى يديرها بخدماتها ومرافقها ووظائفها هى ملكا خاصا لمعاليه ولأقاربه وذوى محسوبيه، ليقف بعيدا عن تطبيق العدالة والمساواة بين المواطنين دون حسيب أو رقيب ويحدث بذلك خللا اجتماعيا بين طبقات الشعب.