(المصارية) ذلك هو ما اللقب الذى يحلو لأهل الحجاز والشام واليمن أن ينادوننا به، وقد كنت لا أتقبله فى البداية وكنت أعده من باب الذم لا المدح ولكننى عرفت بعد ذلك أنهم يلقبون الفلوس أيضا بالمصارى، ولما سألت وتطقست وجدت أن هذا المسمى للفلوس بالمصارى هو موروث تراثى عندما كان الجنيه المصرى سيد العملات فى المنطقة العربية كالدولار واليورو الآن، وتذكرت تلك الأغنية الشعبية السودانية الموروثة أيضاً وهى حوار عاشق لحبيبته يتغزل فى وجهها ويقل: وجهك كالبدر.... وجهك كالجنيه المصرى ونحن المصريين كانت لنا وستكون لنا السيادة والريادة فى كل شىء ولو شاء لك الحظ عزيزى القارئ أن تطلع على الصور القديمة والتى التقطها الرحالة والمستشرقون لمصر والمصريين فى القرنين التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وتفرست فى عمائمهم وجلابيبهم وقفاطينهم ومساكنهم وشوارعهم وحاراتهم وسحناتهم، لتؤكد لك أنهم شعب متميز ومتفرد وحتى اليوم إذا سافرت إلى بلاد واق الواق فإنك ستميز المصرى ولو لبس القبعة أو الكاسكيت أو البيريه أو الغترة الخليجية موضة هذا الزمن لغالبية الدعاة الجدد بعد كان تلبسها العمالة المصرية فى الخليج بعد تحويلها إلى عمامة صعيدية حول الطاقية تاج الفلاحين المصريين الأزلى، ولا أدرى ما سر تشبث الكثيرين منهم بها رغم أنها مقيدة للحريات العنقية وتجعلك متخشباً متضبعاً (نسبة للضبع) طوال الوقت، وإذا ما حاولت تمصير حركاتك الرأسية فإنك تعانى معاناة شديدة فى ضبطها بعد كل هزة رأس وهى مكلفة لمرتديها فى الغسيل والكى بالنشاء لإظهار الثنية التى تكون فى مفرق الرأس وناهيك أنها لا تعتبر شعاراً دينياً ولا مذهبياً وليس لها أى دلالة دينية بأى حال من الأحوال فهى زى خاص بشعوب الخليج بقدهم وقديدهم، والكثير منهم إذا ما مارس عمل حياتى يحتاج حركات جسدية سرعان ما يحولها لعمامة صعيدية أو يمنية والأكثر أهمية من ذلك فهو هدم للتفرد المصرى فى أغطية الرأس، وإن كان معظمنا لا يرتدى شيئاً على رأسه ولكن تركه مكشوفاً أفضل كثيراً من الغترة الخليجية. ومن تفردنا فى الكلام والحديث أن ننطق الثاء سيناً وهذا ليس من المحظورات التى تخرج من الملة ويصر الكثير لدواعى الثقافة التى تهر من رأسه هراً أو لدواعى التدين المظهرى فى غالبية الأحيان ويخرج لسانه فوق شفته السفلى لكى يكون مخرج الثاء صحيحاً ولكوننا مصريين وعضلات فكنا السفلى لا تلائم ذلك فإن شكل الوجه لا يكون جميلاً أثناء نطقها، ويتناثر رذاذ اللعاب ليصيب وجوه المستمعين وينقل لهم الجراثيم والفيروسات وآخرها أنفلونزا الخنازير ولا يعلم المتقعرون أن إخراج اللسان ليس مع الثاء فقط بل أيضاً مع الذال ومع الظاء وقد ينبرى أحد المتحذلقين ويقول هذه لغة القرآن، وأقول مطأطأ الرأس نعم تلك لغة القرآن ولابد أن نقرأ القرآن بجميع مخارج حروفه ويكفينا فخراً أن يقال إن القرآن نزل فى جزيرة العرب وكُتِب فى الشام وقُرِئ فى مصر، ولكننى أتحدث عن لغة الحوار التى تسود كل الشعوب وما يسمونها باللهجات ويقول اللغويون إن كثرة اللهجات فى اللغة تثريها وكان دعاتنا الكبار والذين قد لا يجود الزمان بمثلهم مثل إمامنا الشيخ محمد متولى الشعراوى والشيخ كشك يدعون الناس بلهجة المصريين، ولذلك عشقهم الناس واستمعوا لهم وسيظل تراثهم الإرشادى الدعوى حتى تقوم الساعة ويرث الله الأرض ومن عليها. ومن تفردنا نحن المصريون أن نردد فى حواراتنا ومخاطبتنا لبعضنا البعض وفى كلامنا لازمة (والنبى)، ولا يقصدون بها الخروج من الدين ولا الشرك الأكبر ولا الشرك الأصغر ولا يقصدون بها القسم أو الحلف بغير الله ولكنهم يقولونها مثلاً: والنبى ادينى حتة جبنة – والنبى تسكت – والنبى تتلهى والنبى تذكرة لأسيوط – ولما يسمع خبراً مفرحاً أو محزناً يقول لناقله ليتأكد من حدوثه والنبى!!! فيرد صاحبه مقسماً أى والله ويكسر الهاء– والنبى تيجى تتغدى معانا فيرد المدعو متشكرين ويجعله عامر. وعندما يقسم المصريون فى مواضع القسم فهم يقولون: والله العظيم تلاتة بالله العظيم. ولما بحثت عن مسألة والنبى التى كفرونا بها وطبعاً نحن وآباؤنا وأجدادنا فى النار بسببها وخفت على نفسى من السعير فوجدت أن سيد الخلق أجمعين قال عمن يحلف بغير الله أن يكفر عن هذا بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقررت من الآن فصاعداً إن قلت والنبى قاصداً بها الحلف أو القسم أن أتبعها بلا إله إلا الله محمد رسول الله. ومن تفردنا نحن المصريون أن نقول والله وننطقها واللهى بمعنى ياسلام وبمعنى الاستحسان، وذلك عندما نتذوق طعماً جميلاً نقول: الله الله وعند الغضب والضيق والتبرم نقول الله ونخطفها خطفاً، حيث نشدد اللامين ونسكن الهاء ونحمد الله أن اخوانا إياهم لم يكتشفوها ولم يشبعونا بها تفسيقاً وتكفيراً. ومن تفردنا نحن المصريون أن ننطق السين صاداً ونقول محروص ونكتبها محروس ونقول أصوان وننطقها أسوان وننطق الثاء تاءً فنقول عتمان بدلاً من عثمان وبعضنا ينطقها عصمان والقاهريين ينطقون الصاد سيناً فمثلاً: سدرى طابق عليا تعنى صدرى طابق عليا وينطقون القاف ألفاً مثل القهوة فينطقونها أهوة وكل القافات تتحول إلى ألف ما عدا القاهرة، حيث كل المصريين من الإسكندرية إلى أسوان يسمونها مصر ويسمون محطة السكك الحديدية فى الإسكندرية التى والتى يركبها الذاهبين إلى القاهرة ( محطة مصر). ومن تفردنا نحن المصريين فى صعيد مصر لنا لهجة بل لهجات تحتاج لكتب لحصرها وهى فاكهة اللهجات فى المسلسلات الرمضانية الصعيدية. ومن تفردنا نحن المصريون توقير رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن نقول عند ذكره سيدنا محمد ولا نقول محمد كدعاء بعضنا لبعض ولكننا نوقره ونجله فى حديثنا عنه وبعض هؤلاء الدعاة الجدد بالذات الجدد لو قطعت لسانه من لغلوغه لا يقولها ويهرب منها بقول نبينا محمد وحبيبنا محمد ورسولنا محمد وقدوتنا محمد والسيادة يلقبون بها أى أحد عدا لسيد الأولين والآخرين ولما سألتهم قالوا: أصلوا صحابته والسلف الصالح لم يلقبوه بها وبعضهم يستخسر الصلاة عليه ويسلقها ويخطفها فى حديثه وتسمع منه إما صلعسم أو صعسم ونبه إمامنا الشيخ الشعراوى بضرورة الصلاة على سيدنا محمد بتؤدة وأناة فهى صلاة مقربة لله وجلبة لقبول الدعاء. أسألوا العالم الفيزيائى العربى العبقرى أبو الحسن الهيثم عندما جاء إلى مصر ليحدد للحاكم مكان السد العالى الحالى ليكبح جماح فيضان نهر النيل كل عام ويشهد التاريخ أنه حدده بدقة متناهية وهو المكان الذى هو فيه الآن ولما لم تكن الإمكانيات متاحة والتكلفة فوق الطاقة لتنفيذه وعاد أبو الحسن ابن الهيثم إلى القاهرة ويقول التاريخ إنه لم يعد لبغداد بل بقى فيها وفضل أن يعمل وراقاً أى يبيع كتب ويترجمها لمن يطلبها. اسألوا الإمام الشافعى لماذا بقى فى مصر وما الذى خففه من آرائه الفقهية؟ ولماذا خففه؟ اسألوا التاريخ لماذا الجامع الأزهر الذى أنشئ خصيصاً لتدريس ونشر المذهب الشيعى فيتحول تحولاً سلمياً إلى منارة تدرس جميع المذاهب الإسلامية الصحيحة لأنه تنسم هواء مصر وروى من نيلها، ولذلك أنا متيقن ومتأكد ومتثبت ومؤمن بأن مصر لن يستطيع تذويبها أحد، بل هو من سيذوب فيها ولن يستطيع احتواءها أحد بل هى التى ستجره جراَ إلى أفلاكها وسيدور فى مداراتها حتى يدوخ وينسى ما فى رأسه من أجندات.