سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
نائب رئيس جامعة الأزهر: تجديد الخطاب الدينى حتمى.. وضوابطه مراعاة الاختصاص والتجرد والالتزام بقواعد العربية.. ويجب فهم النصوص فى ظل مقاصد الشريعة.. والشافعى كتب فقهه مرتين الأولى بالعراق والأخرى بمصر
قال الدكتور إبراهيم الهدهد، نائب رئيس جامعة الأزهر، إن تطور الحياة المتسارع، وتنامى المشكلات، وتنوعها، وتكاثر الوقائع، وتكاثف المستجدات، واتساع كون الله، وتجاوز البشر الكرة الأرضية إلى كواكب أخرى، كل ذلك يجعل تجديد الخطاب الدينى ضرورة لا محيص عنها، وحاجة للمسلم لا غناء عنها، وتلبية للتطور لا مفر منها. وأضاف "الهدهد"، أن تنوع المذاهب الفقهية، واختلاف أبناء المذهب مع بعضهم أحيانا، أو مع رأى صاحب المذهب، كل ذلك فى مسيرة الفقه الإسلامى، كان آية من آيات تجديد الخطاب الدينى، وتفاعل الفقهاء مع المستجدات حسب الزمان والمكان، ولم يثرّب أحد على أحد، وإنما كان ذلك فى إطار من احترام تنوع الآراء لتنوع الوقائع، ولأن النصوص الشرعية حمالة، مادام ذلك كله فى الإطار المشروع. وأوضح نائب رئيس جامعة الأزهر، أن الإمام الشافعى كتب فقهه مرة فى العراق، وكتبه مرة أخرى فى مصر، وعرف الأول بالمذهب القديم، وعرف الثانى بالمذهب الجديد، لافتا إلى أن حتمية التجديد لا تعنى التعسف فى تأويل النصوص، أو الانحراف بها عن مرادها، لكنها تعنى فهم النصوص فى ظلال مقاصد الشريعة الكلية، والعناية بسياقات النصوص، وفهم العربية. وأضاف "الهدهد"، أن الشاطبى بين فى الموافقات أن "الذى يجب أن يكون على بال من المستمع والمتفهم الالتفات إلى أول الكلام وآخره، وآخره وأوله، والقضية وما اقتضاه الحال فيها"، لافتا إلى أن النصوص الشرعية تستوعب الفهوم، وكلها تتعانق، ولا تتعاند، والواقعة الشهيرة حينما قال رسول الله صل الله عليه وسلم، "لا يصلين أحدكم العصر إلا فى بنى قريظة"، اختلف الصحابة فى مراد الحبيب، فمنهم من أوله على أنه الحث على الإسراع فى الغزو، ومنهم من حمله على ظاهره، وكل طبق حسب فهمه، فالذين حملوه على ظاهره صلوا العصر فور وصولهم لموضع بنى قريظة، والذين أولوه على الحث على الإسراع صلوه عند وجوب وقته، وحينما عُرض الأمر على الرسول صل الله عليه وسلم ما خطّأ أيا من الفريقين، والوقائع فى ذلك كثيرة، بل إن بعض النصوص لم يفهم على وجهه إلا بعد الكشوف العلمية، ككروية الأرض، وقال النص القرآنى (والأرض بعد ذلك دحاها) (النازعات/30) فالدحو يعطى المعنى. وقال نائب رئيس جامعة الأزهر، إن التجديد له ضوابطه شأن كل علم، فلا يمكن لأى رجل أن يمسك بالجيتار فيعبث به ثم يزعم أنه عازف، فلا يختلف اثنان على أنه يجب أن يكون عارفا بالموسيقى متدربا على آلاتها، ومن أهم الضوابط، مراعاة الاختصاص، فكما لا يجدد فى علوم الهندسة والطب وغيرها إلا المختصين، فكذلك أيضا يكون تجديد الخطاب الدينى شأن علماء الدين، وهى حقيقة قررها القرآن الكريم، (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون)، (النحل/43)، المقصود أنه لا يفتى فى كل اختصاص إلا أهله، وإلا صار الأمر من الاجتهاد إلى الفوضى، وكذلك التجرد من الهوى، ورحم الله الشافعى إذ يقول: "ما جادلت أحدا إلا دعوت الله أن يجرى الحق على قلبه ولسانه، فإن كان الحق معى اتبعنى، وإن كان الحق معه اتبعته"، وكذلك الاعتصام بالأصول والثوابت الإسلامية، فالعقيدة من الثوابت، وأركان الإسلام من الثوابت، وقدسية النص القرآنى من الثوابت، والأركان الخمسة من الثوابت، لكن آراء أهل العلم فى الأمور غير الثوابت قابلة للنقاش. وأوضح "الهدهد"، أن من بين الضوابط الاعتراف بقصور العقل البشرى، فهو محدود بإطار الزمان والمكان، ومكتسباته المعرفية، وعلى قدر ذلك تكون طاقته، ومن المحال أن يحل محل الوحى السماوى، ومن ضوابط التجديد أنه يحض إلى الإصلاح، فالإصلاح كان مهمة الأنبياء والرسل، فليس التجديد ترفا فكريا، وإنما رسالة أعظم خلق الله، ومن الضوابط أيضا، الالتزام بأساليب العربية وقواعدها فى تفسير النصوص، وإلا اختلطت الأمور، فاللغة العربية وعاء الشريعة، ومن ملك أية لغة أخذ بناصية العلوم التى كتبت بها، والعربية لسان متسع بسيط، قال عنه الشافعى رحمه الله فى الرسالة "ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبا، وأكثرها ألفاظا ولا نعلمه يحيط بجميع ألفاظه إنسان غير نبى"، وأثبتت الدراسات الحديثة صحة هذا، بل أثبتت أن اللغة العربية على اتساعها لكنه أوجز اللغة وأوفاها، وأن التراث الإنسانى لو كتب باللغة العربية لاختصر إلى حجم الثلث، كما أثبتت أن اللغة العربية آخر لغات العالم موتا، والمجترئون على النصوص الشرعية يخلطون فى الفهم ويلبسون فى الرأى، فما رأيك فى رجل يؤول الفعل (اجتنبوه) بأن معناه اجعلوه جنبكم من قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) (المائدة/90)، وبنى على هذا التأويل الفاسد أن الخمر والميسر ليسا حراما، وذلك لأن معنى اجتنبوه عنده اجعلوه جنبكم، وهذا من أعظم الجرأة، أو كالذى استهزأ بالفقهاء لقصرهم أعمال الحج على أيام ذى الحجة الأولى، ورأى أن يوزع الحج على أشهر، زعما منه أن القرآن أراد ذلك بقوله (الحج أشهر معلومات) (البقرة/197) أو كالذى يفسر قوله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن)، (النور/31)، فقد فسر ظهر منها بأن المراد بالزينة نوعان ما ظهر بالخلق، وما كان غير ظاهر بالخلق، فما ظهر من جسد المرأة بالخلق، الرأس، البطن، الظهر، الرجلان، اليدان، ولا شىء من ذلك يعد عورة، وأن المراد عدم إظهار الزينة غير الظاهرة بالخلق، وهى ما فسر بها الجيب (جيوبهن)، فالجيب عنده ما كان من طبقتين مع فرق، وعلى هذا يكون المراد عنده من العورة ما بين ثديى المرأة وما تحت إبطيها، وفرجها وإليتيها وما عدا ذلك فليس بعورة، وعليه يجوز للمرأة أن تظهر عارية تماما أمام البعول والأبناء والإخوة والأخوات، وأبنائهم، وغير ذلك من الخزعبلات التى تزعم أنها قراءة عصرية للإسلام، وفى الحقيقة هى لا تدل إلا على الجهل بالعربية، وافتقاد أدنى شرائط فهمها. وأوضح نائب رئيس جامعة الأزهر، أن من أهم الضوابط عدم الاعتماد على نص واحد فى الحكم، وإغفال بقية النصوص التى وردت فيه، وهذا ما وقع فيه المستشرقون والمجترئون من بنى جلدتنا، حيث أعملوا أقلامهم فى نص واحد بمعزل عن غيره، وبنوا على ذلك آراء، وسوّقوها على أنها هى الإسلام، كتفسيرهم أن الإسلام انتشر بقوة السيف، اعتمادا على بعض النصوص القرآنية التى فهموها بمعزل عن مساقها، ولعمرى لئن كان انتشار الإسلام بالطريق الذى زعموا فأى سيف له الآن، حتى ينتشر هذا الانتسار المتسارع فى قلب أوروبا وأمريكا، بل وفى أوساط أهل العلم والمثقفين فالمسلمون فى أمريكا فى عام 1970م لم يبلغوا المليون وهم الآن أكثر من عشرين مليونا، وقل مثل ذلك فى فرنسا حاضرة أوروبا، وبريطانيا، وألمانيا وغيرها فالمسلمون فيه بلغوا الملايين، والمسلمون فى أضعف حال وأسوئه، بل عندك من المجترئين من يجعل إطالة الثوب كبيرة تدخل النار لفهم النص الشرعى على غير وجهه، إما بمعزل عن أقرانه من النصوص، أو بعزله عن سياقه، أو إبصاره خارج مقاصد الشريعة الإسلامية، فلا تجديد إلا بضوابط، وإلا عمت الفوضى.