لا أدرى كيف أبدأ مقالى، هل أبدأه بعدد الشهداء والمصابين؟ أم باليوم الذى بدأت فيه الأحداث ليضاف إلى قائمة الأيام التى كتبت فى سطور التاريخ؟!! الأمر هذه المرة ليس كسابق المرات التى تتعرض لها غزة للقصف، فهذه المرة تغير الموقف العربى والدولى بعد ثورات الربيع العربى التى كانت القصد منها التغيير للأفضل. لن أتحدث عن الآراء الدولية ولا عن رؤساء الدول ولا عن المظاهرات التضامنية مع القضية. سأتحدث عن نوع جديد من الحرب النفسية، والحرب الإلكترونية، والحرب الأخلاقية على ضعفاء هذا الوطن الجريح ( فلسطين _غزة ) . بعد ثورة الإنترنت الحقيقية وإنشاء مواقع التواصل الاجتماعى لم يعد شيئا يخبأ، حتى المشاعر لم تعد تخبأ، بل يتم التلاعب بها أيضا . سأعود قليلا إلى الوراء وباختصار، سأتحدث عن ثورات الربيع العربى وبالأخص مصر . أولا : 25 يناير 2011: مهد الثورة النبيلة التى أبهرت العالم وتحدت نظاما فاشلا لم يخطر ببال أحد أنه سينهار يوما ما، اتحد الشعب بجميع أديانه وطوائفه، وأزيح مبارك بعد ثمانية عشر يوما . تسلم المجلس العسكرى إدارة شئون البلاد، وانتخب محمد مرسى رئيسا للجمهورية فى العام 2012 . رئيسا رسميا بانتخابات نزيهة وبإرادة الشعب . بعد ذلك الانجاز، وفى صورة بشعة بل أبشع من نظام مبارك، تحدى محمد مرسى وجماعته الغادرة الشعب، وخرجت القيادات المعروفة للجماعة تتحدث باسم الرئيس، انطووا على جماعتهم، كان الخطاب موجها للجماعة دون الشعب . ركزوا على الحجاب والزواج من القاصرات وتعدد الزوجات وختان الإناث، فى حين أن الشعب ينتظر التغيير بعد سنين عجاف من الإهمال والفساد، وانتظروا مشروع الرئيس المعروف بمشروع النهضة !! . تدهورت الأوضاع الأمنية بشكل لا يعقل، سرقات، نهب، قتل، تفجيرات، مؤامرات على الشعب والبلاد دون كلمة واحدة تشفى صدور قوم مؤمنين . ثانيا : 30 يونيو 2013 . خرج الشعب فى مظاهرة مليونية فى التحرير وفى أرجاء البلاد للمطالبة بإسقاط رئيس فاشل، أوقع البلاد فى كومة من الفساد والغباء والتطرف الدينى الذى ابتدعه هؤلاء. خرج الشعب فى جميع المحافظات ساعة بعد ساعة، ولحظة بعد لحظة. ازداد غضب الشعب واستنجد بالجيش للمرة الثانية، أعطى الجيش لمرسى مهلة 48 ساعة لإيجاد حل، وطل علينا الرئيس محمد مرسى بطلته المعهودة و قال كلمته الشهيرة : أنا الرئيس الشرعى، ولا أرى أى مظاهر للتظاهرات فى أى محافظة. تدخل الجيش وعزل ذلك الرجل وأمسك بزمام الأمور فى البلاد إلى أن تم ترشيح سيادة المشير عبد الفتاح السيسى رئيسا للبلاد وتم تسليم الحكم إليه فى العام 2014. كل ما فات كان نبذة مختصرة عما حدث فى مصر وكالعادة، ما يحصل فى مصر ينعكس على دول الجوار . مؤامرات خارجية .. فى عهد المعزول مرسى، لم يكن لجماعة الإخوان سوى تخوين من يعارضهم وتكفيره والأشد من ذلك، تشويه صورة الجيش المصرى أمام العالم . خرجت جماعة الإخوان لتحشد الكره بالجملة إلى أنحاء العالم، وأصبحوا فى صورة الضحية المضطهدين فى بلادهم، فتحوا المعابر وأدخلوا العديد ممن يسمون أنفسهم جهاديين أو إسلاميين إلى أراضى سيناء التى تعج بالألغام هناك، ولا أقصد هنا الألغام أى المتفجرات، بل أقصد بها الفساد والضلال المتعارف عليه منذ الأزل . رأينا لأول مرة الأعلام السوداء والملثمين يدخلون الأراضى المصرية ويقتحمون أقسام الشرطة ويحرقونها ويقتلون من فيها بدم بارد . رأينا جنودنا الأبرار الذين استشهدوا وقت الإفطار فى السابع عشر من رمضان 2013 . رأينا أناس اختطفوا، ولأول مرة رئيس ينادى بسلامة الخاطفين والمخطوفين ! . أصبح الجهاد هو المراد، والحجاب هو النجاة من العذاب، مسلحين دخلوا الأراضى المصرية من جميع الجنسيات التى تهوى قتل الأبرياء بحجة الدين . لا أدرى بالتحديد إلى من ينتمون، لكنهم رفعوا شعارات المقاومة فى غزة ( حماس ) . ونطقوا باسمها فى العديد من العمليات، لا أدرى ما الهدف ! لكن تصرف كهذا زعزع ثقة المصريين فى الشعب الفلسطينى . ليست هذه كل المشكلة، المشكلة الكبرى فيما حدث بعد . لخبطة الأوراق ..!! فى مظاهرات الثلاثين من يونيو المؤيدة للمعزول مرسى فى ميدان رابعة العدوية فى مصر، خرجت المقاومة فى غزة ترفع شعار رابعة فى عرض عسكرى لجناحها المسلح ( كتائب القسام ) كنوع من التأييد لمرسى . من وجهة نظرى، ليس للمقاومة الفلسطينية مواقف تذكر من هذا القبيل من ذى قبل، دعونى أشرح لكم بشكل مبسط ما أراه من وجهة نظرى . منذ قديم الأزل والمقاومة الفلسطينية داخل الأراضى المحتلة تحارب وحدها، بشعبها، بكامل طاقتها ضد عدو صهيونى، وعندما أنتخب محمد مرسى رئيسا للبلاد، لم يكن له الكلمة وإنما كانت لجماعته، وبالطبع جماعة الإخوان تتخذ من الجهاد فى سبيل الله حجة للبقاء والتضخم والانتشار، فكانت القضية الفلسطينية هى كبش الفداء الذى قدم لهم على طبق من ذهب . سافر هشام قنديل إلى غزة، والذى جرى من وجهة نظرى هناك، أنه تم تقديم ضمانات للمقاومة بالتسليح والوقوف إلى جوارهم وبالطبع دائما هناك مقابل . كان المقابل هو استغلال عناصر المقاومة فى العمليات التى تمت فى سيناء، وإقحامهم فى الشأن الداخلى المصرى بمراعاة رئيس الجمهورية محمد مرسى . لا يخفى أبدا على العالم أن مصر قبل وبعد وفى جميع الأوقات كانت دائما مع القضية الفلسطينية ومع المقاومة التى لطالما سجلت عمليات نبيلة ضد إسرائيل . غير ذلك، أو بالتأكيد .. كان الجيش المصرى سيقع فريسة هذه الجماعة عندما عين الفريق أول عبد الفتاح السيسى وزيرا للدفاع وخرجت الجماعة تمجد فيه وأطلقت عليه لقب ( وزير دفاع بنكهة الثورة ) . صبر الجيش وصبر الشعب وجلس يشاهد من بعيد وعن كثب ما يجرى إلى أن عزل الرئيس وعزلت معه كافة الآفات التى ابتدعتها جماعته . كارثة بالفعل ...!! غزة تتعرض الآن وأنا أكتب هذا المقال إلى القصف، وأهلها يتعرضون للتنكيل فى شهر رمضان الكريم، عملية وحشية بدأت بالقصف الذى استهدف البنية التحتية للقطاع . الكهرباء، المياه، المستشفيات، الجمعيات الخيرية، المؤسسات التنموية، المؤسسات الأمنية والشرطة، البيوت، والمساجد .!!. جميعها تقصف وتدمر، الشهداء والمصابين يسقطون، تعرض صورهم على مواقع التواصل الاجتماعى لحظة بلحظة، يستنجد أهل القطاع من القصف الإسرائيلى . صور ترسل كل ثانية على العديد من الصفحات . لكن ليست الكارثة والألم فى الصور التى ترسل وتبث لأطفال مزق القصف أدمغتهم أو أقدامهم، ليست الكارثة فى أم تزف أولادها شهداء بالجملة للجنة وقلبها يعتصر ألما وحزنا وتتمنى الموت للحاق بهم، ليست الكارثة فى شابة فى عمر الزهور تزف عريسها إلى حورية من حوريات الجنة وعيناها لا تكفان عن الدموع وقلبها الذى مات من لحظة لا يواسيه إلا كلمة " الحمد لله " . الكارثة الحقيقية فى ردود الإخوة العرب على تلك الصور..دعونى أقتطف لكم بعض الردود. شاب مصرى يضع صورته بالنظارة الشمسية وبمنتهى انعدام الإنسانية يقول: ( أحسن يستاهلوا، مش هما دول الخونة اللى قتلوا جنودنا فى رفح).. شابة مصرية تضع اسما مستعارا لها وصورة ملونة لها بحركة دلع "صياعة" وكأنها سندريلا فى عالم الغوريلات وتقول: ( أبقوا خلوا حماس تنفعكم، ورونا هتعملوا إيه يا شوية خونة ) .. شاب مصرى يلعب دور البطل وملك الحرية يقول : ( افتحوا لنا المعابر عشان نروح نجاهد يا شوية نسوان !!) .. وأخيرا رد السيد / خالد مشعل المتحدث رئيس المكتب السياسى لحركة حماس الذى قال: ( ننتظر نخوة الجيش المصرى تجاه أمته !) كارثة بالفعل، لا أدرى ماهى اللهجة التى يتحدث بها، هل هى تحدى للجيش لتوريطه فى عملية عسكرية، أم لإحراج القيادة المصرية أمام العالم.!! لا أخفى عليكم أنى قد أصبت بانهيار وبدأت أفقد تركيزى فى كل شىء. ليست هذه الأمة الإسلامية . ليست هذه أخلاق المسلمين، دعونا نهدأ قليلا، لماذا كل هذا الحقد على شعب الموت بالنسبة إليه ضيف منتظر فى كل لحظة . ما حدث أن جميع الأشخاص الذين استشهدوا مدنيين، ماتوا تحت الأنقاض وليسوا فى ثكنات عسكرية، أطفال ونساء وشيوخ لا حول لهم ولا قوة، توفوا فى نهار وليل شهر رمضان، انتزعوا من تحت بيوتهم المهدمة، تناثرت أشلاؤهم فى جميع الجهات وأصبحت تلملم من هنا وهناك كى يصلى عليها. !! هؤلاء هم أرقى منزلة منا، هم شهداء .. فقط شهداء لعدو غاشم . بغض النظر عن انتماءاتهم . أن كانت قيادة المقاومة قد استغلت وتواطأت ضد مصر فى عهد رئيس غبى، فليس من واجبنا أو أخلاقنا كمسلمين أن نعاقب الجميع . ليست الشماتة هى الحل، تذكروا أنكم فى بيوتكم ولكم عوائل وما تقوله بلسانك، يرد عليك ملك يقول (ولك مثله) . فى النهاية أود أن أذكر لكم عدد الشهداء، فقد وصلوا إلى 122 شهيدا فى أربعة أيام وعدد لا يذكر من المهجرين والمصابين . أرجو أن تكون الرسالة قد وصلت "إن كان عدوكم واحد وبينكم خلاف، فاتحدوا كى تستطيعوا هزمه، ثم عاتبوا بعضكم سرا" !! رسالة ، شباب الفيس بوك ، غزة