فوجئت بإحدى زميلاتى فى العمل غاضبة أشد الغضب من قرار رفع أسعار غاز المنازل، لأن أسعاره ستلتهم ما زاد فى مرتبها مصاحبًا لقرار الحد الأدنى للأجور، وحاولت تهدئة روعها بأن ذلك فى صالح البلد التى تتحمل المليارات لتغطية تكلفة الدعم، فقالت فى أسى: أين الأغنياء الذين يأكلون الدعم أضعافًا مضاعفة من هذه التكلفة ؟ فقلت لها أنهم قد قسموا الاستهلاك إلى شرائح، وكلما زاد معدل الاستهلاك، كلما انتقلت من شريحة إلى شريحة فى الأسعار، أى أن هناك علاقة طردية بين معدل الاستهلاك والسعر، وبالتالى فإن الأغنياء سيتحملون العبء الأكبر، فقالت: أين الدعم هنا؟ فمعدلات الاستهلاك واحدة على الجميع زادت أو نقصت، وأن تقسيم معدلات الاستهلاك إلى شرائح سعرية لا علاقة له بالدعم من قريب أو بعيد، بل إن رفع الأسعار قد يؤدى بالضرورة إلى الحد من القوة الشرائية المتوفرة لمحدودى الدخل، بل قد تؤدى إلى تعجيزه، فى حين أن الأغنياء يملكون ترف الاختيار بين زيادة معدل الاستهلاك أو انقاصه. فهل يعقل أن يقال بعد ذلك أن الدولة تراعى محدودى الدخل، وأنها حريصة على وصول الدعم إلى مستحقيه ؟ فقلت لها: هناك وجه آخر قد غاب عنك، إن هذا الإجراء قد يحدث أحد أمرين، الأول: أن يستهلك الأغنياء بمعدلات الاستهلاك المعتادة، وبالتالى سيتحملون الشرائح العليا من الأسعار، بما يزيد من حصيلة واردات بيع الغاز التى تدخل الخزينة العامة للدولة، الثانى: أن يقلل الأغنياء من معدلات الاستهلاك تجنبًا للتكلفة الأعلى، وهذا يحقق وفرًا فى الكميات المستهلكة من الغاز يمكن توجيهه الوجهة التى تخدم مجال آخر من مجالات الاقتصاد القومى، قلت هذا وأنا أتصور أنى أجبت الإجابة التى ستطفئ نار غضبها، فإذا بها تلقى فى وجهى بسؤال محرج للغاية: تُرى الحكومة ستتعامل مع إسرائيل والأردن بنفس الأسعار لنفس السلعة ؟، فقلت لها لا أدرى، ولكن أتصور أنه يصعب عليها فعل ذلك، لأن الاتفاقيات الموقعة بين مصر وهاتين الدولتين هى اتفاقيات دولية يصعب تجاوزها، لأن تجاوزها يخضع مصر للتحكيم الدولى، وأعتقد أن تكلفة التحكيم تفوق تكلفة إتمام الاتفاقيات إلى نهايتها، وهذا بالضرورة يدفع بأى حكومة رشيدة وفقًا للمعيار الاقتصادى أن تستوفى الاتفاقية إلى نهايتها، ومن هنا فإن السؤال لا محل له، والقياس على الدول قياس فاسد، فهزت رأسها هزة غير المقتنع، والواقع أن إجاباتى كانت إجابات من وقع على رأسه حجر رفع الأسعار، ومع ذلك يحاول إيجاد مخرج للحكومة، وعندما توجهت إلى البيت، وفتحت جرائد اليوم، فوجئت بتصريحات المصادر المطلعة، التى ألقت بكرة اللهب فى وجهى، باعتزام الحكومة تطبيق قرار رئيس الوزراء برفع أسعار الغاز والكهرباء على فواتير الاستهلاك، وقبل أن أفيق عاجلتنى تصريحات مصدر مسئول هذه المرة، ولكن من وزارة البترول، بزيادة سعر البنزين، حيث يتم رفع البنزين 80 من 85 قرشًا إلى 185 قرشًا مع رفع كفاءته إلى 85، ومبرر الزيادة يدعو إلى العجب، حيث ذهب المصدر إلى القول بأن زيادة سعر بنزين 92 وحده سيؤدى حتمًا إلى خلل كبير بزيادة الطلب على بنزين 80، وربما تظهر سوق سوداء لبيعه، إذن الدافع لرفع بنزين 80 هو فى أساس اعتزام الحكومة رفع بنزين 92 من 185 قرشًا إلى 285 قرشًا، كلام مقنع فى الحقيقة يدفعنا إلى التساؤل عن الدافع وراء رفع أسعار بنزين 92 أصلًا، هل لأنه البنزين الذى يستخدمه الأغنياء؟، لا أدرى، ومع أننى لا أنتمى لشريحة الأغنياء فإننى أُمون سيارتى ببنزين 92 لأن ابنى وصف بنزين 80 عندما رغبت فى الاستفادة من رخص سعره بأنه "مية طرشى"، ولا أدرى ما قيمة الكارت الذكى فيما يتعلق بمسألة الدعم ؟ زد على ذلك تصريح نفس المصدر المسئول بأنه من بين المقترحات زيادة سعر السولار من 110 قروش إلى 200 قرش، لماذا؟ لمحاولة تخفيف الضغط عليه من ناحية، ولأنه يستحوذ على 50 % من مخصصات الدعم سنويًا من ناحية أخرى، وعندما تحدثت مع زوجتى فى هذا الأمر، قالت لى: "انتظر اشتعال أسعار كل شىء، لأن تكلفة النقل تضاف حتمًا إلى سعر السلعة، وأخطر أنواع السلع التى ستتعرض للفح لهيب الأسعار المواد الغذائية، وعلى الأخص الخضروات، فكل السلع يجرى نقلها من مقر تصنيعها إلى تاجر الجملة، ومن تاجر الجملة إلى تاجر التجزئة، والنقل يتم بسيارات تستهلك البنزين والسولار، فكيف سيكون الوضع؟" فقلت فى نفسى هل تم اتخاذ التدابير اللازمة للسيطرة على الوضع فى حال حدوث انفلات مجتمعى، نتيجة انفلات الأسعار، فى ظل مستوى الأجور المتدنى الذى تعانى منه الطبقتين الوسطى والدنيا، وعجز الحكومة عن هيكلة الأجور على نحو عادل ؟ وهل تفجير الدمامل فى الجسد المصرى سيغطى على اشتعال الأسعار؟ فالنشر عن قضايا اغتصاب الأطفال، وفضيحة بلدية المحلة، وفيلم حلاوة روح، وترك الإخوان يعيثون فى الأرض فسادًا، والإعلان عن جيش مصر الحر، هى نفس أدوات مبارك لتمرير السياسات والقرارت الكارثية، التى كان يرغب فى تمريرها فى ظل انشغال الشعب ولحظات غفلته، فهل عاد ذات المنطق ليحكم منظومة العمل الحكومى؟ وهل من المناسب حاليًا اتخاذ إجراءات جراحية لمعالجة الاختلالات الهيكلية للاقتصاد المصرى ؟ وهل ستمر سياسة الصدمات دون آثار جانبية فى الوقت الراهن ؟ وإن كانت الدولة تملك القدرة على انتهاج سياسة الصدمات والتدخل الجراحى لمعالجة الاختلالات، فلما لا تفعل ذلك حيال الطبقة الكادحة ومشاكلها المزمنة ؟ بالمناسبة، نفى مصدر حكومى ما صرح به المصدر المسئول على نفس طريقة مبارك فى بالونات الاختبار.