الريف... مصدر الإبداع الفنى فى مصر

الفن فى مصر يعتبر علامة مميزة وتاريخا عريقا يشهد له العالم بأسره، والعالم العربى بشكل خاص كون الفن المصرى يتصدر الترتيب عربيا وبكل جدارة واستحقاق نظير التاريخ الطويل للحركة الفنية فى مصر والتى تمتد لمائة عام تقريبا.
فنحن فى الدول العربية عندما دخل التلفزيون إلى منازلنا فى مطلع الخمسينيات تقريبا (أو ربما قبل أو بعد هذا التاريخ، حيث لا تسعفنى خبرتى فى تحديد تاريخ البث التلفزيونى)، فتحنا أعيننا على ما كان يقدم فى التليفزيون من مسلسلات وأفلام مصرية وأغانى مصرية كأول ما يشاهد على الشاشة الفضية بجانب ما كان يعرض من برامج وأفلام أجنبية، وكان العرض طبعا بالأبيض والأسود، ولم يكن هناك أى إنتاج آخر من أى دولة عربية أخرى غير مصر، وبعد ذلك بفترة بدأت بعض الدول العربية تقدم إنتاجها مثل سوريا التى قدمت مسلسلات لا تنسى كان بطلها المبدع الفنان الكبير دريد لحام مثل مسلسل (صح النوم)، وكذلك كان هناك إنتاج كويتى، كما كان لدينا هنا فى السعودية مسلسلات محلية دشنت الحركة الفنية السعودية.
وفى عصرنا الحالى تطورت الحركة الفنية كثيرا وأصبحت بعض الدول العربية وتحديا سوريا والكويت تمثل منافسا قويا للدراما المصرية، ومع ذلك تظل خبرة المصريين فى هذا المجال هى الأكبر والأرجح بالرغم من غياب بعض عمالقة الفن المصرى الذين تقدم بهم السن وتوقفت مسيرتهم قصريا.
لكن ما يلفت الانتباه فيما يخص مصدر الإبداع الفنى فى مصر - وهو موضوع مقالى هذا - هو أن معظم عمالقة الفن فى مصر ترجع أصولهم للأرياف والأقاليم المصرية، وهو أمر ربما يغيب عن ذاكرة البعض، حيث لم يخرج من رحم (القاهرة) العاصمة المصرية رموز الإبداع فى الفن المصرى.
فعلى سبيل المثال الفنان الكبير الملقب بالزعيم (عادل إمام) ذكر فى أكثر من مناسبة أنه من الفلاحين وأنه قدم للقاهرة ومنها انطلقت نجوميته.
وهناك عمالقة آخرين مثل عبدالحليم حافظ وأم كلثوم وفاتن حمامة وسمير غانم وسعيد صالح ونادية الجندى وغيرهم من الأسماء اللامعة التى لا تحضرنى تنحدر أصولهم للأرياف. وفى العصر الحالى هناك النجم الكوميدى محمد هنيدى ونجم الأغنية محمد منير وعصام كاريكا وزعيم الأغنية المصرية النجم عمرو دياب، ولا يتوقف الأمر على نجوم الفن بل حتى نجوم الكرة فالنجم الدولى السابق حسام حسن مثلا ينتمى للأرياف.
وبشكل عام يمكن للمتخصصين من المصريين أن يبحثوا فى أصول النجوم الذين اشتهروا فى مجالاتهم، وسيجدون أن معظمهم جاءوا من خارج القاهرة. وأنا هنا لا أقول إن ذلك لا يمثل عيبا بل إن هذا الأمر يؤكد أن الأرياف المصرية التى دائما تتصدر النكت للأسف هى فى الحقيقة مصدر الإبداع الفنى فى أرض الكنانة وأن القاهرة ما هى إلا ميدان فقط لظهور هذا الإبداع.. ودمتم بخير.