فى القرآن: "ولقد كرمنا بنى آدم" هكذا فى المطلق، بنى آدم كلهم بلا استثناء. فالكرامة الإنسانية هى قيمة الإنسان، وهى حق طبيعى يولد مع الإنسان، ويبقى معه حتى مماته، وهى هبة من الله، وليست هبة من الدولة، وما وجدت الدولة إلا لتحميها. وأول من أدخل مفهوم الكرامة الإنسانية كمبدأ دستورى الدستور الأيرلندى سنة 1937 م. أما الفقرة الأولى من المادة الأولى من الدستور الألمانى فقد نصت على: "كرامة الإنسان هى أمر لا يمس به. يجب احترامها وحمايتها هى واجب كل سلطات الدولة". وبذا فإنها وضعت كأعلى مبدأ دستورى يعلو كل القوانين، وكل القوانين تمر من تحته، وفى ذلك دلالة لا تخفى على مكانة الكرامة الإنسانية كقيمة مجردة. ولقد عالج الدستور المصرى قضية الكرامة الإنسانية ولم يغفلها، إلا أن هذه المعالجة اختلفت ما بين دستور الإخوان 2012 المعطل، ومسودة دستور ثورة 30 يونيه 2013. ففى دستور 2012 المعطل نصت المادة (31) على أن: "الكرامة حق لكل إنسان، يكفل المجتمع والدولة احترامها وحمايتها. ولا يجوز بحال إهانة أى إنسان أو ازدراؤه ". وهى فى الحقيقة مادة مفخخة لأنها قدمت المجتمع على الدولة فى كفالة الاحترام والحماية، ولا أدرى ما هو دور المجتمع فى ذلك، إلا إذا كان المقصود بها تشكيل ميلشيات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من أتباع الجماعات المتطرفة للقيام بهذا الدور، وهو تمييز لفصيل معين عن بقية المجتمع لمشاطرة الدولة فى دورها بما يتنافى مع احترام وحماية الكرامة الإنسانية. ثم تحدثت المادة عن عدم جواز إهانة الإنسان أو ازدراءه. إلا أنها تغافلت عن آلية التعامل مع ذلك حال حدوثه. فالتعذيب بجميع صوره وأشكاله فيه امتهان لكرامة الإنسان، ولم تعالجه نصوص الدستور الإخوانى فى هذا الباب. أما مسودة دستور ثورة يونيه 2013، فقد عالج هذا الأمر فى المادة (51) التى نصت على أن: " الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها"، ثم أردف هذه المادة بالمادة (52) التى نصت على أن: " التعذيب بجميع صوره وأشكاله، جريمة لا تسقط بالتقادم". فجعل الدولة هى المسئولة دون غيرها عن احترام الكرامة وحمايتها. ثم وفر آلية الالتزام بذلك بجعله التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم. ومن مقتضيات احترام الكرامة باعتبارها حق طبيعى أن يكون الجميع أمام القانون سواء. وقد عالج دستور الإخوان ذلك فى المادة (33) التى نصت على أن: " المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك". هكذا إجمالاً، والإجمال يحتاج إلى تأويل، والتأويل يختلف فيه وحوله وهذا ما عالجته مسودة دستور ثورة يونيه فى مادته رقم (53) والتى نصت على أن: "المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر (من باب صيانة احتمال ظهور أسباب تمييز أخرى). التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض". وقد أضافت هذه المادة الحريات، ثم فصلت صور التمييز، واعتبرته هو والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، ثم التزمت الدولة بالقضاء على كافة صور التمييز، وآلية التنفيذ هو إنشاء مفوضية لمكافحة التمييز. فإذا أدركنا أن هذا النص ملزم للمشرع بإصدار قانون يجرم التمييز، ويحدد عقوباته من خلال إنشاء مفوضية مستقلة لمكافحة التمييز لعلمنا أن الأمر جد لا هزل فيه، وأنه قد آن الأوان للإنسان المصرى أن يدرك أهمية الإحساس والشعور بكرامته من منطلق كونه إنسانًا وحسب. إنسان فى المطلق بنى آدم.