فى ست مواد احتواها الباب الأول من دستور 2013 حدد الدستور المبادئ الأساسية التى تقوم الدولة المصرية عليها ونظام الحكم فيها ومصادر التشريع المرجعية لقوانينها، وتحديد طريقة اكتساب المواطنة فيها ومصدر السلطات والمبادئ التى يقوم عليها النظام السياسى وتمت صياغة المواد الست بشكل محكم من الناحية اللغوية بحيث يمكن وضع خطوط متميزة لمدلولها تتجنب التعميم المطاط الذى كان يشوب صياغة هذه المواد فى دستور 2012 ويخرج بها إلى تأويلات مفتوحة يمكن أن تستغلها أغلبية تشريعية لإصدار قوانين من خلال أيديولوجية حزبية تغلب رؤيتها بقانون ملزم أو تفرط فى حقوق الوطن وأمنه القومى اعتمادًا على نصوص تتسم بالتعميم والغموض وتعدد التفسيرات. وإلى جانب إحكام الصياغة لمواد الباب الأول فقد ألزمت المواد 4، 5، 6 بقية مواد الدستور فى الأبواب التالية برؤيتها فى السيادة والنظام السياسى وحقوق الجنسية والمواطنة حين تتناولها بقية الأبواب بالتفصيل. فتضع المادة الأولى أساس وحدة أراضى الدولة وعدم قابليتها للتجزئة أو النزول عن شيء منها وهو ما يكرس حقيقة مركزية الدولة كأول دولة مركزية فى التاريخ الإنسانى منذ سبعة آلاف عام مغلقة بذلك الباب أمام أى محاولة لإقامة كيانات داخل الدولة على أساس عرقى أو دينى أو جغرافي؛ وتضيف نفس الفقرة تأكيد النظام الجمهورى الذى يقوم على المواطنة وسيادة القانون، ثم تختتم المادة بالتأكيد على واقع انتماء الشعب المصرى للأمة العربية والعمل على وحدتها وكذلك انتمائه للعالم الإسلامى كجزء منه، وانتماء مصر للقارة الإفريقية واعتزازها بامتدادها الآسيوى فى شبه جزيرة سيناء، وطموحها للإسهام فى الحضارة الإنسانية فى إشارة ضمنية لدور مصر الحضارى فى صناعة الحضارة وتطويرها عبر التاريخ وحقها فى استعادة هذا الدور وتضع المادة الثانية تحديدًا لدين الدولة ولغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسى للتشريع وهى مادة ضرورية لتحقيق التوافق مع مزاج الشعب المصرى وقيمه الدينية والروحية الغالبة وانتمائه القومى للأمة العربية واعتناق غالبيته العظمى للدين الإسلامى الذى يعترف ويحترم ما سبقه من الديانات المساوية ورسلها الكرام الذين يصلى المسلم عليهم عند ذكر أسمائهم ويرى أتباع هذه الديانات إخوانًا له يعبدون إله إبراهيم عليه السلام، ولذلك يرحب مسيحيو مصر بمختلف طوائفهم أن تكون مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع خاصة فى ظل المادة الثالثة التى تحدد أن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود هى المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية ما يعطيهم الحق فى ممارسة ما يختلف من شرائعهم عن الشريعة الإسلامية التى لا يؤثر تطبيقها فى غير هذه الأمور على عقيدتهم، فشكلت المادتان الثانية والثالثة توافقاً وطنياً كاملاً يحترم حرية الاعتقاد، ولا يمكن فى الظروف الحالية أن تمنح نفس الحقوق لأصحاب الديانات غير السماوية، ومازال أمام المزاج المصرى العام مساحة زمنية حتى يصل إلى إخلاء الدستور من مواد تتصل بالديانات والعقائد بحيث تترك للاختيار الحر للناس فالمصريون هم أول من عرف الدين واعتنقه وعبد الله وتأكد عقائديًا أن للكون خالقًا قادرًا وعرف الثواب والعقاب وظهر فى أرضهم فجر الضمير الإنسانى وكانوا أول من آمن بديانات السماء واستشهدوا فى سبيلها وناضلوا من أجل رفعتها. وتبين المادة الرابعة مصدر السيادة وقصرتها على الشعب وحده كممارس للسيادة وحام لها فى وحدة وطنية راسخة تقوم على المساواة والعدل وتكافؤ الفرص على أن يبين ذلك تفصيلاً فى بقية مواد الدستور حين تختم المادة بعبارة "وذلك على الوجه المبين بالدستور". وتنظم المادة الخامسة شكل النظام السياسى بأنه يقوم على التعددية الحزبية والتداول السلمى للسلطة والفصل بين السلطات وتلازم المسئولية مع السلطة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته وختمت أيضًا بعبارة "على الوجه المبين بالدستور" فجميع المواد فى الأبواب التالية التى تتحدث عن النظام السياسى والسلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية، ومسئولية قيادات هذه السلطات عن ممارستهم لها يجب الالتزام فيها بما ورد فى المادة الخامسة. وتحل المادة السادسة التى تؤكد حق الجنسية إشكالية سببت مشكلات عميقة لقطاع من أبناء الوطن الذين ولدوا لأم مصرية من أب غير مصرى حيث كانت القوانين السابقة لا تمنحهم الجنسية المصرية مباشرة وتربط ذلك بموافقة السلطات المختصة أو رفضها فنصت المادة السادسة على أن الجنسية حق لمن يولد من أب مصرى أو أم مصرية وليس من أبوين مصريين فقط وجعل ذلك حقًا يكفله القانون وينظمه فألزم قانون الجنسية بأن يمنحها لمن ولد من أم مصرية إلى جانب من ولد من أب أو أبوين مصريين فكانت هذه المادة فاتحة مواد تكريم المرأة المصرية ومساواتها بالرجل والتى سترد تباعًا فى بقية مواد الدستور، إن مواد الباب الأول من أى دستور هى التى تحكم بقية مواده، وفى الكثير من الدساتير تكون هذه المواد متسمة بالعمومية والشمول، ولذلك فهى تحتاج لأحكام الصياغة بحيث تلزم بقية أبواب الدستور كما تلزم المشرع بمبادئ واضحة لا تحتمل التأويلات المتعددة. وقد نجحت لجنة الخمسين فى وضع وصياغة هذه المواد الست الحاكمة بحيث تتوافق أفكارها بشكل واضح مع الأمانى الوطنية والقومية والرؤى المستقبلية لدولة عصرية مدنية وتتسق صياغتها حاملة تفسيرًا واضحًا جلى المعنى بعيدًا عن التأويلات، إنها مقدمة تليق بمصر شعبًا وتاريخًا وحضارة.