لا يوجد عمل عام لمهمة قومية يكون نتيجته الكمال وإرضاء كل الأطراف.. والأكيد أن السيد عمرو موسى قد أدار الجلسات داخل لجنة الخمسين لصياغة الدستور بحنكة وتوازن بين الوعى السياسى والأسلوب الدبلوماسى، وكذلك د. محمد سلماوى، المتحدث باسم اللجنة، فكان لديه وعى الإعلامى الذى يختار كلماته.. ولا شك أن حضور الأستاذة منى ذو الفقار التى تجمع بين خبرة وعلم القانون وتجربة حقوق الإنسان كان داعماً لدور اللجنة. وهناك أيضا دور رجال الدين الذين أضفى وجودهم ومشاركتهم الحكمة والسماحة، ويهمنى أن أوضح أنه أثناء جولتى بإنجلترا وفرنسا شعرت باهتمام وتقدير للإشارة إلى الأديان السماوية بمعناها الكامل أى الإسلام والمسيحية واليهودية، وشعرت من الجمهور الذى حضر الاحتفال بنشر كتابى بالإنجليزية «ثلاث نوافذ تطل على السماء» عن الاعتراف بالآخر والحوار والسلام فى نصوص الأديان السماوية الثلاث التقدير لنص الكتاب دون حساسية للديانة اليهودية. ويبدو أن الإمام الأكبر د. أحمد الطيب كان مؤيدا لفكرة الأديان الثلاث، وبالمناسبة كان لشيخ الأزهر الراحل جاد الحق على جاد الحق نفس الموقف حينما أيد بجرأة مؤتمر السوربون بباريس حول مستقبل الحوار الإسلامى المسيحى اليهودى والمخاطر التى تهدده، وقال لى إنه يجب أن نفصل بين موقفنا من دولة إسرائيل وبين الديانة اليهودية التى اعترف بها ديننا الحنيف. وأنا مدين لهذا الرجل أنه أمر بمشاركة العزيز الوزير السابق والعالم الكبير د. محمود حمدى زقزوق والذى كان وقت انعقاد مؤتمر السوربون فى 1994 عميدا لكلية أصول الدين بجانب الكاردينال العملاق فرانز كينيج وأيضا الحاخام سيرات- حاخام فرنسا الأكبر الذى أعلن عند نهاية المؤتمر فى حديث نادر للأستاذ مفيد فوزى للتليفزيون المصرى: «وبصفتى أستاذ الأديان المقارنة أوضح أننى قرأت كل كلمة فى القرآن والحديث ولم أر كلمة واحدة تبرر العنف أو التطرف». إذن طوبى لمن صاغوا هذا الدستور وكرمونا جميعا بذكر الأديان السماوية الثلاث والذى «سجل جون» فى صالح اتجاه ثورة 30 يونيو نحو السماحة واحترام الآخر. و«جون» آخر بحظر إنشاء الأحزاب على أساس ديني. ولكن اتفقنا فى البداية عندما قلنا إنه كان من الصعب أن نحقق الكمال فى برنامج صناعة «صياغة؟» الدستور، فمثلاً اعتبر كثير من المستشارين أن غياب د. درويش عن مهمة صناعة الدستور هو غياب قيمة وقامة، وأيضا أن عدم الاهتمام بالملاحظات التى بعث بها المستشار المحترم والتى قرأت جزءا هاما منها ووجدت فيه منطقا فى حدود علمى. وعودة إلى واقعية مبدأ استحالة إرضاء كل الأطراف وأن نستوعب حكمة علمنا إياها الدكتور محمود فوزى المفكر والحكيم وأستاذ السياسة الخارجية وهو ينصحنا «أن نفرق دائما كرجال دولة بين الممكن والمستحيل..!!». ويهمنى هنا أن أوضح أن الموقف داخل مصر ونحن نرى جماعة الهدم والإرهاب بإصرارها على نشر الفوضى والرهان على أن الوقت يعمل لصالحها قبل أن تنتهى لجنة الدستور من مهمتها ويتم التصويت على الاستفتاء، أما عن الموقف الخارجى فقد نجحت لجنة الدستور فى إنجاز مهمتها فى الوقت الزمنى المحدد والآن تستطيع الدولة وقيادة ثورة 30 يونيو أن تفخر أمام العالم أن الخطوة الأولى فى خارطة الطريق قد تم إنجازها تحقيقاً للمسار الديمقراطى. وقد حسم د. عبدالله النجار، أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، الجدل حول الاتهامات التى روج لها أنصار الرئيس السابق محمد مرسى بأن الدستور أجاز سب الأنبياء، وقال: «لايمكن وضع كل شىء فى الدستور وهناك من القوانين ما يكفى لحظر سب الدين..».