السيناريو العراقى، هو النسخة الوحيدة الآن التى تحاول قوى العالم تجنبها، مع ارتفاع حدة وتيرة الاستعداد الدولية لخوض حرب أو ردة عسكرية ضد سوريا، بحجة استخدام سوريا للسلاح الكيميائى ضد شعب أعزل، بقراءة بسيطة للأحداث ووفقًا لتحليلات خبراء ومحللين دوليين للسيناريو السورى المتوقع فلا يمكن أن تفوت الولاياتالمتحدة الفرصة التى ستعود عليها بعملية عسكرية أمريكية كهذه والتى لن تقضى بالضرورة على احتمالات تسوية دبلوماسية بين المتمردين والأسد، وقد تحاول الإدارة الأمريكية أن تقود بواسطة هذا الهجوم مبادرة سياسية تأتى عقب العملية العسكرية، لذا قد يكون أسوأ وأشد وتيرة من السيناريو العراقى، خاصة ان أى حسم عسكرى فى ظل انقسام مجتمعى حاد وتجاذبات إقليمية ودولية عميقة أضحى مستحيلًا، وهو يطيل مدى الصراع ويعمق من مآسيه، والاعتراف باستحالة هذا الحسم هو المدخل الوحيد للبحث عن حل سياسى. ربما توحى الملامح العامة بوجود شبه بين السيناريوهين ولكن فى عدة أسباب توضح تغير المشهد للأسوأ، أولا اقتصاد الولاياتالمتحدة لن يحتمل منفردا مغامرة الدخول فى حرب منفردا، ثانيًا تحمل عواقب تلوث أصابع الولاياتالمتحدة بالدماء خطأ لن يتكرر، ثالثا اتخاذ القرارات الدولية بمهاجمة سوريا هو سلاح أعطاه بشار بنفسه للغرب، خاصة أن بشار كانت تحميه إسرائيل والولاياتالمتحدة لأنه كان صمام أمان للأمن الإسرائيلى من هجمات حزب الله، إلا أن بعد سماح بشار بفتح الباب من جديد لهجمات حزب الله أعطى المدخل للقوى الدولية وأصحاب المصالح للتدخل. هذا من جانب ومن جانب آخر أصبح الوضع السورى يهدد كل بلد تلتصق حدودها بسوريا، لذا كان التحالف العربى من قبل الأردن التى تخشى تصدير الحرب الأهلية لحدودها كما انتقلت فى البداية مع سوريا، أو السعودية التى تخشى من صعود التيار الإسلامى فى سوريا وتسعى لقمعه كما سارعت وقدمت المساعدات لمصر عقب انتفاضة 30 يونيه. الحال ليس بالمختلف عن قطر خاصة بعدما سلمت ملف سوريا للسعودية عقب تولى ولى العهد القطرى لشؤون البلاد، الوضع لا يختلف كثيرا بالنسبة للدول الغربية فالخوف من صعود التيارات الإسلامية المتشددة هو مصدر رعب بالنسبة لفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا، حتى تركيا التى كانت تدعم الجيش السورى الحر وتمد بالسلاح والمعونات عبر حدودها الملتصقة مع سوريا انقلبت على جميع الأطراف معلنة تمسكها بحماية المدنيين على أراضيها من جانب ومن جانب آخر قدمت استعداداتها للتدخل العسكرى حتى دون انتظار موافقة من مجلس الأمن. أما عن إسرائيل فحدث ولا حرج، تصاعدت حدة اللغة الانتقامية لديها وأصبحت تمارس سياسة الشد والجذب فبعد تراجع إسرائيل خطوة للوراء بحيث تمهد الطريق للولايات المتحدة بالدخول بالضربة الأولى، حيث تضاربت تصريحات المسؤولين الاسرائيليين، بحيث تعطى إسرائيل صورة أنها لا تريد الحرب وأنها ستكون داعمة لموقف الولاياتالمتحدة ولكنها فى الوقت نفسه لن تبدأ ضربتها العسكرية الأولى رغم أنها تحرك العالم اليوم من اجل أمنها الداخلى، حيث أعلن وزراء الحكومة الإسرائيلية بالتزامهم بتعليمات رئيسها بنيامين نتانياهو بأن تكون تصريحاتهم فى شأن التطورات فى سوريا «على نار هادئة» مع التأكيد أن إسرائيل ليست راغبة فى التدخل، لكن وسائل إعلام عبرية تحدثت عن رغبة نتانياهو بدفع الولاياتالمتحدة لتنفيذ ضربة عسكرية للنظام فى سوريا، من جانب آخر أعلن المجلس الوزارى الأمنى المصغر للحكومة الإسرائيلية انه عاد وقرر أن يعقد اجتماعًا، فى هذه الأثناء، لبحث التطورات الأخيرة حول الضربة الأمريكية على سوريا، وذلك بعد أن تم تأجيل الاجتماع يوم أمس، لأسباب غير معلنة، ورغم قناعة إسرائيل أن سوريا لن ترد عليها، فى حال تعرضت لضربة عسكرية من الولاياتالمتحدة والغرب وفى أسوأ الحالات سيكون ردها محدودًا دون استخدام قوتها العسكرية، كما سبق وهدد سوريون، إلا أن إسرائيل وفى أعقاب ضغوط كبيرة على الولاياتالمتحدة حصلت على ضوء اخضر للرد على أي ضربات صاروخية تتعرض لها البلدات الإسرائيلية، سواء من سوريا أو من حزب الله فى لبنان. الآن يترقب العالم توجيه الضربة العسكرية الغربية ضد النظام السورى بخوف وقلق فى ظل تسارع التنفيذ خلال الساعات المقبلة، حيث عززت البحرية الأمريكى من وجودها البحرى فى البحر المتوسط، بإضافة بارجة رابعة مزودة بصواريخ كروز، خاصة مع تزايد اقتناع الولاياتالمتحدة بتوجيه الرئيس السورى بشار الأسد الضربة الكيماوية رغم سماحه بدخول مفتشي الأممالمتحدة حول الأسلحة الكيميائية، حيث اتهم كيرى النظام السورى بأن موافقته على توجه محققى الأممالمتحدة إلى المنطقة التى شهدت الهجوم الكيميائى المفترض فى 21 أغسطس جاءت «متأخرة جدا ما يجعلها تفتقر إلى المصداقية وبأنه «قصف الموقع المذكور» ودمر فى شكل منهجى الأدلة الميدانية. لينطلق من تلك الزاوية تحديدا السؤال: كيف يسمح بدخول لجنة دولية ويتم اغتيالهم بأيدى النظام وإطلاق قنابل غاز جديدة وقت ظهورهم، الأمر الذى يوحى كما أشار بعض الخبراء والمحللين باحتمال وجود مؤامرة داخلية تمارس على سوريا ليس بهدف إسقاط النظام السورى أو تغير موازين القوى النزاع، بل هى محاولة لردع الأسد عن استخدام الأسلحة الكيماوية التى يمتلكها ولكن استغلتها المعارضة وفقا لشهادات داخلية، حيث قال صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطى الكردى وهى أكبر جماعة كردية فى سوريا إنه يشك فى احتمال أن يكون بشار الأسد قد استخدم أسلحة كيميائية فى هجوم الأربعاء الماضى. وأضاف مسلم أن الهجوم قد نفذ لتحميل بشار الأسد المسؤولية عنه وإثارة رد فعل دولى. يأتى مقابل آخر جاءت الرغبات الدولية من بريطانيا وفرنسا ألا تؤدى الضربة العسكرية الموجهة لسوريا إلى التورط فى صراع أوسع فى الشرق الأوسط، خاصة مع الرفض الروسى والتهديدات الإيرانية، الأمر الذى دفع مبعوث الأممالمتحدة إلى سوريا الأخضر الإبراهيمى لبى بى سى أنه حث الولاياتالمتحدة على التمهل حتى تتأكد بوضوح مما حدث فى ضواحى العاصمة السوريا دمشق الأسبوع الماضي. ومن جانبه قال الرئيس السابق لدائرة الشرق الأوسط فى مجلس الأمن القومى الأمريكى، «ستيفن سايمون الذى أنهى عمله فى مجلس الأمن الأمريكى قبل 6 شهور، إن هدف العملية العسكرية الأمريكية ضد سوريا هى ردع يمنع الرئيس السورى بشار الأسد من استخدام السلاح الكيماوى مرة أخرى، بواسطة ضرب مخازن الأسلحة». وربما يستطيع الرئيس باراك أوباما بسهولة الحصول على تفويض بالقيام بإجراء عسكرى، لكن ذلك يعنى أن وسائل الإعلام لن تكون المنبر الوحيد لاختبار موقف الإدارة الأمريكية، إلا أن قول اوباما إن استخدام النظام السورى للأسلحة الكيميائية يعد «خطا أحمر» يستدعى من الولاياتالمتحدة وفقا لرؤية اوباما التدخل لوقف هكذا انتهاكات للقانون الدولى، رغم انتهاك الولاياتالمتحدة وباقى التسع دول المعتزمة شن غارة حربية على سوريا يعتبر انتهاكا للقانون الدولى بالتدخل من الخارج دون الرجوع لمجلس الأمن، وفى حين أن القرار النهائى لا يزال غير واضح، إلاّ أن التحليلات تصب فى خانة أن أمر توجيه الضربة العسكرية تمّ حسمه، ولا يزال الجميع فى انتظار تحديد التوقيت. وكعادة الولاياتالمتحدة لخرق القانون الدولى، وتوجيه ضربات عسكرية لعدد من الدول العربية والغربية منذ الحرب العالمية الأولى، معتمدة على خطاب يرتكز على «حماية أمنها وأمن مواطنيه» و«الحرية»، و«حماية المدنيين»، كما فعلت فى العراق وليبيا، فعندما قصفت الولاياتالمتحدةالأمريكية ليبيا فى 15 ابريل 1986 فى عملية سميت «عملية الدورادو»، عبر عمليات جوية مشتركة بين القوات الجوية والبحرية وقوات المارينز الأمريكية، وحرب الخليج الثانية.