ألم شديد يعتصر النفس، على وفاة شابة لم تجن فى حياتها ذنباً سوى أنها حلمت بحياةٍ أفضل، فى بلادٍ اعتقدت أنها تحترم الإنسان. والحزن المسيطر على المصريين وتعاطفهم معها، هو من القلب بلا شك. لكن ما الذى سيتبعه؟، ستتناول برامج التليفزيون الحدث قدر الإمكان، وكذا ستفعل الصحف بالطبع، سينبرى كل أناسٍ لإثبات أنهم الأجدر بالدفاع عن الحق، وسيخرج طالبو الشهرة كلٌ بخطابٍ مختلف، المؤكد أن إجراءا واحدا فاعلا لن يتخذ، طبعا لا أقصد تسمية الشوارع باسم "مروة الشربينى"، ولا إنشاء معاهد دينية تخليدا لذكراها. لو أن ذرة عقل تحكمنا، لفكرنا.. لا انفعلنا وحسب، ولو فكرنا، لسألنا أنفسنا: لماذا حدث ما حدث؟. هناك مد عنصرى نحو العرب والمسلمين يتنامى فى أوربا، وأى مقيم فى ألمانيا، يستطيع أن يتحدث عن هذا بإسهاب، هناك يتعرض هؤلاء إلى تحرشات عنصرية ليل نهار، فى الحقيقة لا يحدث هذا فى كل المدن الألمانية، لكنه يحدث بلا مقدمات. حجاب"مروة" استفز القاتل نحوها باعتبارها عربية ومسلمة، لكن أى دلالة أخرى على أنها عربية أو مسلمة كانت ستدفعه أيضاً لارتكاب جريمته البشعة، والوقائع تتكرر هناك باستمرار. أريد أن أسأل، لو أن الفقيدة الغالية كانت مصريةً غير محجبة، هل كانت ستحظى بوصف "الشهيدة"، أو لو كانت مصرية مسيحية.. ماذا كنا سنطلق عليها حينها؟. الإجابة لا تبدو سهلة، وهى بالفعل كذلك، فالإجابة تتوقف على نظرتنا للأشياء، وموقفنا من الآخر، واستيعابنا لأسباب ودلالات ونتائج عنصرية الغرب ضدنا، هل ينظر إلينا الغرب بعنصرية؟ نعم.. لكن ليس كل الغرب طبعاً، هناك من ينظرون للعرب والمسلمين بعنصرية، والأسباب وراء ذلك كثيرة، لكن ماذا فعل العرب والمسلمون كى يغيروا تلك النظرة؟.. لا شىء. بعد أحداث 11 سبتمبر الشهيرة، ارتفعت مبيعات الكتب التى تتحدث عن الإسلام فى الولايات المتحدة!، وبعد واقعة الرسوم المسيئة للرسول، ارتفعت مبيعات المصحف الشريف فى الدنمارك!، لماذا؟ لأن هؤلاء معنيين بمعرفة الآخر وفهمه.. أما نحن.. فلا، وهذا هو الفرق بيننا وبينهم. "مروة" مواطنة مصرية.. محجبة كانت أو غير، مسلمة كانت أم مسيحية، من حقنا جميعاً أن تجلب لها الحكومة المصرية حقها.. وحقنا جميعاً فى دمها، من حقنا أن يعرف كل إنسان فى العالم أن المواطن المصرى غالٍ، وله حكومة تدافع عنه، وأن دم أى مصرى لا يقدر بثمن، وأن الإهانة فى مقتل مواطنة مصرية، هى أكبر بكثير من أى تعويضات "قد" تدفعها الحكومة الألمانية. أى منا قد يكون محل الراحلة أو أسرتها يوماً ما، كلنا يحمل وزراً، والحل الوحيد أن نقدم أنفسنا للآخر، أن ندافع عن ذواتنا ب"اعتزاز" لا ب"عنصرية"، أن يرتفع صوتنا بلغة العقل.. لا أن ننجر إلى مشادات هى فى النهاية طائفية وعنصرية تصعد مع الحدث وتموت بفواته.