رغم أنه أحد مصادر البهجة للكبار قبل الصغار، ورغم أنه ضيف لا غنى عنه فى أمسيات المرح والكرنفالات، إلا أن هذا لا يشفع له، فهو موضع للسخرية والتهكم من الجميع، واسمه عنوان لانعدام الاحترام و"قِلة القيمة".. إنه الطرطور البائس المضطهد على مر العصور، فهو حالة استثنائية بين أغطية الرأس، فلا هو يحظى بوقار عمامة رجل الدين ولا بمهابة كاب الضابط، ولا حتى بمكانة "اللبدة الفلاحى"، رغم أنها تكشف أكثر مما تستر.. وسواء كان الطرطور مصنوعا من الورق المقوى أو من قماش "الساتان" المزركش بالترتر يظل الطرطور طرطورا. والغريب أنك لا تسمع أبدا عبارة "الرجل البرنيطة" أو "الرجل الطاقية"، لكنك تسمع عن "الرجل الطرطور"، وهى خاصية تميزه عن كل أغطية الرأس باستثناء الطربوش الذى يعتبر توأمه الروحى فى قاموس السخرية الشعبية. وفى عالم الطراطير لن تجد تاء التأنيث أبدا، فالطرطور صفة يحتكرها الرجال دون غيرهم، كما أنها صفة ظاهرة لا يمكن إخفاؤها، أو تجميلها، فضلا عن تغييرها، فحتى إذا انقلب الطرطور رأسا على عقب يتحول إلى "قرطاس"!! والطرطور دائما رجل يحتل مكانة لا يستحقها فهو لا يملأ مركزه أبدا.. ولا يقنع أحدا بجدارته، لكنه مع ذلك يحاول جاهدا الظهور أمام الناس بمظهر الفاعل رغم أنه المفعول به.. يتقدم الصفوف ويهتم بمظاهر القوة ويبالغ فى إبرازها لكن كل ذلك لا يثير إلا المزيد من السخرية، خاصة أن وجود الطرطور فى موقع ما يؤدى إلى انتشار حالة من حالات المد الطرطورى، فتجد حوله طراطير أقل شأنا يرون فيه مثلهم الأعلى، وهو ما يضاعف من كمية الفكاهة. ومن صفات الرجل الطرطور أنه إذا تحدث لا يردد إلا أقوال الآخرين، وعندما يشعر بالغضب تجده يهمهم و"يبرطم" قليلا ثم يهدأ فجأة، كما ثار فجأة، وربما يعود ذلك إلى ضعف استجابته النفسية للإهانة، فالطراطير عادة من ذوات "الدم البارد" و"الجلود السميكة".. لذلك ينجو الطرطور فى الغالب من أمراض القلب والشرايين، بينما يساهم سلوكه فى نشرها بين الآخرين، وهو إذا كان من النوع المتكلم تجده يبعثر كلماته هنا وهناك، لكنك لن تعثر بينها على الحقيقة أبدا، كما أن معرفة النوايا الحقيقية للطرطور تبدو مستحيلة، لأنها غير موجودة أساسا، فدوره فى الحياة يقتصر على تغطية رأس شخص آخر هو صاحب النوايا والأسرار، وهو الشخص الذى يتولى عادة توجيه الطرطور والعناية به، وقد يخلعه فى وقت من الأوقات ليستبدله بآخر أو يكتفى بالظهور عارى الرأس، وفى هذه الحالة لا يشعر الطرطور بالحرج من الجلوس على الرف، فهو المكان الذى جاء منه ويعلم أنه سيعود إليه يوما ما، فهو مسلوب الإرادة طيع بين يدى صاحبه، ورغم ذلك ينجح الرجل الطرطور فى حالات نادرة فى إقناع البعض بأنه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة. وقديما قالوا "لا يؤاخذ الطرطور على أفعاله فهو رجل مأمور فإن أردت حسابه، فعليك بأميره، وإن أردت عقابه فاتركه لمصيره" وهى عبارة تنطبق على كل الطراطير فى حياتنا الذين يجبرونك دون قصد منهم على الابتسام، أو حتى القهقهة بصوت عال كرد فعل على تصرفاتهم أو أقوالهم دون أن ندرك فى كثير من الأحيان وجه الشبه الكبير بين الطرطور و"الخازوق".