كلما قرأنا خبرا وتعليقه على أنفلونزا الخنازير، نجد أن كل الأخبار والتعليقات تكرس فكرة واحدة، أن الخنازير ومرضها دليل من دلائل قدرة الله وحكمة تحريم الإسلام لها لأنها مرتع الفيروسات والأمراض. مع أنه لا يجرؤ عالم على القول بأن التحريم له أسباب محددة غير ما دلت عليه الآية الكريمة بشكل مجمل (( وأحلت لكم الطيبات وحرمت عليكم الخبائث)) فإذا قارنا ما حدث من أفعال وردود أفعال الحكومة والمحكومين فى مصر المحروسة فى أنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير لفهمنا يقينا أن ما يحدث فى مصر من تسطيح لكل شىء (مكلمات ومهاترات ومواقف وقرارت انفعالية) وبدون أدنى اهتمام بالرأى العام وأهمية اطلاعه على خبايا ولا حتى المعلوم من الأمور. ماذا يحدث لو خرجت الحكومة قبل "ذبح الخنازير" وتحدثت فى برامج "التوك شو" بكل ما لديها وما عليها وتشرح وتسترسل فى الشرح ومن أعلى القيادات فى الحكومة والأحزاب وتفتح البرامج "هواءها" وتستقبل كل الاستفسارات وبكل شفافية وتناقش كل جوانب القضية من: التعريف بالمرض وأسباب انتشاره ومواطن خطورته ودواعى الوقاية منه وشرح لكل هذه التفاصيل وبإسهاب وبما يناسب كل المستويات الاجتماعية. لكن أن يستيقظ الناس فى بر مصر على قرار ومن " رئيس الجمهورية" بذبح الخنازير ويترك الباب على مصراعيه فى شرح الأسباب لكل شخص وهواه وكل مريض ودواه!!! نعم... هناك مرضى من المصريين الذين يحلو لهم الصيد دائما فى الماء العكر "وإشعال النار فى الهشيم" كما لو كانت مصر الاقتصادية تنقصها: كارثة بطالة عمالة الخنازير أو مصرالدينية تنقصها كارثة طائفية الخنازير. ومصر الإعلامية تنقصها حمى ميديا الخنازير! دخلت أنفلونزا الخنازير هى أيضا فى مؤامرات التمصير، بمعنى أن كل موضوعات الساعة يتم تمصيرها وتفصيلها على مقاس المصريين من تبريرات وإهمالات والتردى فى شعار "المصريين أهمه". الخطأ الكبير هو خطأ الحكومة التى لا تستطيع إدارة أية أزمة لا قبل حدوثها ولا بعده، فهل نحن ننفخ فى "إربة مقطوعة"؟ الخطأ الرئيسى فى كل مشاكلنا هى الإدارة، سواء أكانت فى المشروعات والإنشاءات أو حتى فى الكوارث والأزمات. إدارة الأزمات من العلوم الحديثة فى مجال الإدارة، وتتضمن العديد من الأنشطة، يأتى على رأسها التنبؤ بالأزمات المحتملة، والتخطيط للتعامل معها والخروج منها بأقل الخسائر الممكنة، فهل ما فعلته الحكومة ينم عن أية خبرة مسبقة تراكمية فى التعامل مع أزمة أنفلونزا الخنازير والدولة المصرية لم تنتهِ بعد من أزمة أنفلونزا الطيور؟ ألا يوجد فى مصر الآلاف من علماء الإدارة والتخطيط وآلاف الاستشاريين الذين يرشدون الدولة وبالطرق العلمية المدروسة ولو مرة واحدة للطريق الصحيح عوضا عن "المتاهات والتلطيش". كم تملك وتضييع مصر من الموارد المالية والبشرية التى تكفل لها إدارة أزماتها بالحلول والأساليب التى تتناسب ومصريتنا؟ مصر لها وضع خاص كدولة لها من العادات والموروثات سبعة آلاف عام فعند مواجهة أية أزمة لابد لنا أن نضع نصب أعيينا العرف والثقافة السائدة وذلك من صميم القوانين الدولية والتشريعات الدينية "أخذ العرف والموروثات فى الاعتبار" فقبل عملية الذبح كان ومن أول يوم أدركت فيه الحكومة والأحزاب الموافقة والمعارضة بهبوب كارثة اسمها "أنفلونزا الخنازير" التى لا قدر الله إذا انتشرت وتحولت لوباء سيكون الشعب المصرى المسكين هو الضحية الأولى والأخيرة لها فكان لابد من وضع خطة متماسكة لإدارة الأزمة ومواجهتها وعلى كل الأصعدة. من خلال الإعلام تتحد الجهود لتفنيد المشكلة فى نقاط محددة بدلا من أن يقوم بدور"مركز للأرصاد" برصد عدد الخنازير وأنواعها وعمالها ومضربيها وذبحها ومطاردتها حية ومذبوحة فى الشوارع القاهرية الإسلامية والمسيحية. لابد من الوعى للدور الذى تقوم به الحكومة فى إعادة صياغة الكارثة والأزمة ومن خلال إعلامها الحكومى والمستقل والمعارض واستقطاب كل الأطراف والاستعانة بكل من له دور مؤثر فى تحجيم المشكلة فى اتجاه واحد فقط وهو الناحية الصحية والاقتصادية وليس اختزالها فى حشر الجوانب العقائدية الطائفية وإفتاء كل من هب ودب فى كل مشاكلنا وبدون وعى وكأننا أصبحنا قطيع يساق سوقا حتميا نحو حتفه. مجتمع بدون مرجعية معلوماتية علمية تحترم كل عقول مجتمعها ومداركه، كما قال الرسول ( ص) "أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم" مجتمع المؤامرات الدنيئة من مشعلى الفتن وبكل أنواعها وحشر التمييز الدينى الطائفى فى كل حمامة "اصطادها مسلم من شجرة مسيحية" أو" حمامة مسيحية طارت وحطت على أسطح إسلامية". يحلو للبعض أن يتغنى بأنها مؤامرة إسلامية ضد الثروات والمعتقدات المسيحية، والدولة مشكورة فى تغذيتها لكل الفتن والمؤامرات بعدم اهتمامها بالرأى العام وأهمية إطلاعه على القرارات الإستراتيجية ومشاركتها فيها. فهى لا تدخر جهدا فى تضخيم كل الأزمات والموضوعات (صغيرات& كبيرات) وتحوير كل المناقشات العلمية المنهجية إلى ((همجية طائفية عدائية غوغائية استفزازية ومهلبية)) للأمراض التنفسية الانتقالية، وكما يردد البعض فى أنفلونزا الطيور"الإسلامية" و أنفلونزا الخنازير"المسيحية"!!!