"زوج سافر ورجع لقي صديقه عند زوجته فقتله، فردت زوجته وقالت غبي غبي غبي بالطريقة دي حتخسر كل أصحابك".. هكذا تكون تعودت تناقل النكات البذيئة وترديدها كالشائعات ولكن في ثوب فكاهي غالبًا ما يقدم ثقافة جنسية خاطئة، ف"سقراط" حين قال جملته الشهيرة "تحدث حتى أراك"، قصد أن حديث الشخص يضعنا أمام ثقافته وفكره، وحالته النفسية أيضًا، وفي عالم المراهقة المتعثر والهائج دوما، تكون النكت أحد مصادر المعرفة التي يتم تداولها يوميا وتقوم بدور يوازي مصادر الثقافة والمعلومات الأخرى، وقد تفوق أكثرها شهرة. فالمراهقون يغزلونها، يتداولونها، يسردون أحداثها بدرامية وبشهية مفتوحة على الضحك، وربما على الحياة، أو هربا منها، لتلعب دورا أساسيا في عملية التثقيف الجنسي، لكنه هذه المرة في غير محله، سلبي بكل تأكيد. فالنكات تجد في موضوع الجنس والمواقف التي تتمم العملية الجنسية مرتعًا خصبًا لها، وبما أنها تنتشر بين الشباب فهي تلعب دورا حاسما في صياغة وعي سلبي تراكم تعاملنا معه ضمن ثقافة العيب والحرام. تعتمد النكت على ألفاظ سوقية مصدرها الشارع، فالأخير يلعب دور البطل في استقطاب الشبان المراهقين، وبالتالي تكون المعلومات الجنسية محشوة في نكت يغلب عليها "شارعية التكوين"، غير قائمة على حقائق علمية أو صحية، ومكدسة بالمفاهيم والقيم والعادات الخاطئة. وتلعب المرأة دور البطل السلبي في هذه النكت، وهذا يقود على تكريس صور نمطية مشوهة للمرأة، فاستخدام المرأة بصورتها السلبية في النكت البذيئة لا يكون عاملا مساعدا في الحياة، كما أن الإعلانات تقدم المرأة بشكل سلعة من أجل الترويج وتقديم المرأة كشيء سلبي و"حقير" بهدف الإضحاك. حقيقة النكتة وجدت في كل الحضارات وعبر التاريخ، وكان دورها الأول هو الضحك والترويح عن النفس، من خلال إنتاج تصورات تتحد الواقع والمسكوت عنه لتجاوز التابوهات، فالنكتة الجنسية تنتفض ضد كل أنواع المنع لكنها تظل حبيسة اللقاءات بين أشخاص من نفس الجنس أو السن أو بين أشخاص تربط بينهم علاقات حميمية تمكنهم من كسر هذه التابوهات، باختصار، يصعب جدًا تداول النكت الجنسية بين أفراد الأسرة، وحينما يتم تجاوز حاجز الحشمة، يقول راوي النكتة من باب الاستلطاف: "لا حياء في الدين" والدين هنا مرادف للجنس لأنه يحكم قواعده أو هكذا يبدو. لذا اتفق علماء النفس على أن النكتة قناع يخفي كبتًا جنسيًا لدى الفرد، ما يلبث أن يعبر عن نفسه من خلال النكتة الجنسية باعتبارها محاولة يلجأ بها إلى الهروب من أدوات ومؤسسات القمع الاجتماعي، وللاحتجاج على أوضاع جامدة. أما لدى فرويد فتعد النكتة الجنسية بمثابة الآلية النفسية الدفاعية التي تقوم في مواجهة العالم الخارجي المهدد للذات، وتعمل على تحويل حالة الضيق إلى حالة من الشعور الخاص بالمتعة، والعملية الأساسية في النكتة لدى فرويد هي التكثيف المصحوب بتكوين بديل.