في وقت يهرب فيه السوريون من جحيم الفوضى، ويتطلعون إلى مصر كملاذ أخير آمن، تُغلق الأبواب في وجوههم بقرارات قاسية لا تفرّق بين إرهابي هارب ومثقف مهدد، بين متسلل ومشرّد، بين من يحمل الحقد ومن يحمل طفلة على كتفه. المؤلم أن هذا يحدث من دولة كانت ولا تزال، في وجدان السوريين، قلب العروبة النابض، التي لم تُعرف يومًا بطرد طالب أمان، أو ردّ مستغيث. حين يصبح الحذر سياسة عزل "الباب اللي يجي لك منه الريح، سدّه واستريح".. مثل شعبي مصري قديم، يحمل في ظاهره حكمة، لكنه في جوهره كثيرًا ما يُستخدم كذريعة للهروب من مواجهة المشكلات أو تحمل المسؤولية. وإذا كان بعضنا قد تقبّل هذا المنطق في تفاصيل الحياة اليومية، فإن تطبيقه كسياسة في ملف حساس كاللاجئين السوريين، يثير القلق، بل ويطرح تساؤلات أخلاقية ووطنية لا يمكن تجاهلها.
منذ أن سيطر أبو محمد الجولاني وتنظيمه المسلح على سوريا، وبدأت مصر تُحكم إغلاق أبوابها أمام السوريين الراغبين في الدخول، حتى أولئك الذين تربطهم بمصر صلات أسرية وقانونية واضحة. ما يجري اليوم لا يُفهم بوصفه إجراءات احترازية مشروعة، بل يُشبه في بعض وجوهه سياسة العقاب الجماعي، أو على الأقل انغلاقًا إداريًا يفتقر إلى التمييز والعدل. وجوه خلف الجدران.. وقصص تنتظر العدل لن أتحدث عن أرقام، بل عن وجوه وأسماء وأطفال وأسر تمزقت بسبب هذه السياسة الجديدة. أم لبنانية مقيمة في دولة أوروبية حصلت على تأشيرة دخول إلى مصر، لكن طُفلتها مُنعت من الدخول لأنها تحمل الجنسية السورية عن والدها. زوج سوري لسيدة مصرية حُرم من الدخول، رغم زواجهما الشرعي واستقرارهما، ولم يُسمح له بالدخول إلا بعدما اكتسبت ابنتهما، ذات العام الواحد، الجنسية المصرية. وهناك فنانة تشكيلية سورية، أقامت في مصر سنوات طوالًا للدراسة والعمل، ثم اضطرت إلى السفر إلى سوريا بعد وفاة والدها، وحين حاولت العودة إلى مصر، فوجئت بأن الأبواب قد أُغلقت في وجهها، رغم زواجها من مصري وإقامتها السابقة المستقرة في البلاد. هذه النماذج ليست استثناءات. بل هناك عشرات، وربما مئات الحالات المماثلة، يدفع فيها الأبرياء ثمن قرارات بيروقراطية لا تراعي السياق ولا الإنسانية. بعض الأزواج المصريين بدأوا بالفعل التفكير في اللجوء إلى القضاء، لأن منع دخول زوجاتهم أو أزواجهم السوريين، رغم الوضع القانوني السليم، يُعد إخلالًا صريحًا بحقوقهم التي يكفلها الدستور. من فُتح لهم الباب.. ومن أُغلق في وجههم؟ ما يُثير المفارقة أن مصر فتحت أبوابها -وعن طيب خاطر- في أعقاب ما سُمّي ب الثورة السورية عام 2011 أمام عشرات الآلاف من السوريين، وكانت الغالبية من المنتمين أو المتعاطفين مع تيارات الإسلام السياسي، من الإخوان والسلفيين. هؤلاء دخلوا واستقروا، ونجحوا في إنشاء مدارس، عيادات، مصانع، ومراكز تجارية، بل ودعوية أيضًا.
في المقابل، تُغلق الأبواب اليوم بإحكام أمام من يفرّون من بطش هذه التيارات ذاتها: علمانيون، ليبراليون، أبناء الطوائف المضطهدة من علويين ودروز ومسيحيين وكرد. فهل من المنطقي أن يُفتح الباب لمن يساند الجولاني، ويُغلق في وجه من يهرب منه؟
الأمن الوطني لا يُحمى بالفرز الطائفي أو العقابي، بل بالفهم العميق، والتمييز الذكي، ومراعاة المصالح المصرية والاعتبارات الإنسانية معًا. أعرف هؤلاء الرجال.. وأثق أنهم لا يرضون بهذا لست أكتب من موقع المزايدة، بل من موقع المواطنة والمسؤولية. أعرف جيدًا أن القيادات الأمنية في مصر -وفي مقدمتهم اللواء محمود توفيق قنديل واللواء عادل جعفر- ليسوا من دعاة الانغلاق أو العزلة، بل كانوا دومًا من الداعين إلى التطوير والانفتاح والتحديث.
اللواء محمود كتب مقالات فكرية رصينة في مجلة العصور الجديدة، التي كانت تضم نخبة من المثقفين والفلاسفة والمفكرين العرب. واللواء عادل استعان بي يومًا، حين كان يرأس الدائرة العربية في مباحث أمن الدولة بالقاهرة، للاستفادة من خبرتي في تحليل الشؤون العربية. هؤلاء القادة يعرفون تعقيدات المشهد الإقليمي، ويدركون الفارق بين الخطر الحقيقي والظلال التي يرسمها الخوف.
الوزير يعرف جيدًا.. وسوريا ليست غريبة عن قلبه أعلم أن السيد وزير الداخلية ليس بعيدًا عن تفاصيل هذا الملف، بل يعرف جيدًا خصوصيته. فقد خدم معاليه لعامين في سفارتنا بدمشق، وعاش وسط الناس، وتحدث إليّ ذات مرة عن مدى حب السوريين لمصر، عن لهجتهم العاطفية، وثقتهم الفطرية في كل ما هو مصري، حتى قبل أن يدخلوا أرضها.
وأنا على يقين أن هذه التجربة تركت أثرًا إنسانيًا في وجدانه، وأنه لا يمكن أن يرضى بسياسة تُغلق الأبواب في وجه من يحبون مصر، ويتعلقون بها كما لو كانت وطنًا ثانيًا، أو حتى أول. ولأنني أعلم أنه يعرف -كما نعرف- أن سوريا كانت دومًا الإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة، فإنني أراهن على أن القرار الإنساني العادل لن يتأخر. ختامًا: لا تصنع الأقفال أمنًا.. ولا تصنع القسوة هيبة نعم، نحتاج إلى الحذر. ونعم، نخشى التسلل الخبيث من قبل بعض المرتبطين بتنظيمات متطرفة. ولكن، هل نواجه هذا الخطر الحقيقي عبر إغلاق الباب في وجه الجميع؟ وهل يُعقل أن تكون مصر -بتاريخها، بعقلها، بثقلها- عاجزة عن الفرز بين من يستحق ومن لا يستحق؟ دعوة أوجلان التاريخية.. انعطافة السلام وفرص المستقبل لعبة النفوذ في خاصرة مصر الجنوبية مصر لا تبني أمنها على الخوف، ولا تصنع سياستها بسد الأبواب. بلدنا أكبر من أن تُدار بمنطق الشك، وأعظم من أن تُختزل في استمارة على شباك. نأمل أن يُعاد النظر في هذا الملف سريعًا، وأن تتسع الرؤية لتشمل الاعتبارات الإنسانية، والقانونية، والوطنية معًا. فهكذا فقط تكون مصر كما عهدناها: وطنًا لا يردّ الغريب، ولا يقسو على المستجير. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا