رحل نظام جماعة الإخوان المسلمين بعدما لفظه الشعب.. لكن الرحيل لم يكن سهلًا بل إن فاتورته جاءت أصعب مما ظن أكثر المتشائمين. فالدول التى كانت تقدم نفسها سابقًا على أنها تدافع عن حقوق الشعوب تحول دفاعها كله ليصب في مصلحة جماعة الإخوان ورجلها السابق في قصر الاتحادية الرئيس المعزول محمد مرسي. بالطبع تطل الولاياتالمتحدةالأمريكية كعادتها في صدارة المشهد، لكنها هذه المرة لا تدافع عن الديمقراطية كما تدعي لكنها تدافع عن مصالحها الخاصة ورجالها المخلصين في مصر. فخلال الأسبوع الماضي دارت في الكواليس مفاوضات مكثفة للإفراج عن مرسي وتوفير خروج آمن لقيادات الجماعة الكبار المرتبطين بعلاقات خاصة مع أمريكا. واشنطن دفعت برجلها «الثعلب» ومفاوضها الأبرز «وليام بيرنز» ولديه أجندة محددة كلفه بها البيت الأبيض بها ثلاثة بنود حملها «بيرنز» جاءت متمثلة في الإفراج الفوري عن «محمد مرسي»، وتوفير خروج آمن للقيادات الإخوانية وعلى رأسهم المهندس «خيرت الشاطر»، نائب المرشد العام للجماعة المحبوس حاليًا في سجن «طرة»، أما البند الثالث وهو الأغرب فتمثل في البدء الفوري في تقسيم السلطة داخل مصر ليصبح الإخوان طرفًا فاعلًا في أي حكومة مقبلة يتم تشكيلها! أمريكا أرادت عبر «بيرنز» فرض شروطها على حكومة الدكتور حازم الببلاوي، رئيس مجلس الوزراء، ومن قبله الفريق أول عبدالفتاح السيسي نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع، إلا أن الرد جاء حازما قاطعا لا يحمل أدنى درجات الدبلوماسية، الأمر الذي أذهل إدارة أوباما التي دفعت بكل ثقلها في هذه المفاوضات، نظرا لأنها ترى أنه إذا ما فشلت هذه المفاوضات فإنها ستخسر كثيرا. فبالإضافة إلى خسارة واشنطن لحليف تابع لها «الإخوان» فان أكثر ما أرق أوباما وادارته خشيتهم من أن يقوم الرئيس المعزول بفضح ما كان يدور في الكواليس بينهم وبين الإخوان، خاصة أن البيت الأبيض وصف «مرسي» سابقًا بالرئيس الضعيف الذي يقع تحت السيطرة بسهولة. فوفقا للمعلومات التي حصلت عليها «فيتو» فان كل الوفود والشخصيات الامريكية التي جاءت مصر بعد ثورة 30 يونيو لم تتطرق في لقاءاتها ومفاوضاتها لأي شيء يخص المرحلة الانتقالية أو سبل مساعدة مصر للخروج إلى بر الأمان، لكن حديثها كله كان منصبًا في اللقاءات المغلقة حول ضرورة الافراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي وعودته للحكم مرة أخرى على أن تجرى انتخابات مبكرة يشارك الجميع فيها بما فيهم الإخوان. الطلب الأمريكي في البداية كان ينص على عودة الرئيس المعزول محمد مرسي للحكم وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 30 يونيو وبعد ذلك يجلس الجميع على طاولة مفاوضات تحت رعاية «مرسي» للوصول إلى صيغة محددة ترضي جميع الأطراف. النبرة الأمريكية تحولت بعض الشيء في أعقاب الحشود الهائلة التي نزلت شوارع مصر في 26 يوليو تلبية لدعوة الفريق أول عبد الفتاح السيسي ولتفويضه للقضاء على الإرهاب، وبدأت «واشنطن» في تقليص مطالبها شيئا فشيئًا، فبعد 3 يوليو لم يتحدث مندوبو أمريكا عن عودة «المعزول» للحكم مرة أخرى، لكن كان كل همهم ومفاوضاتهم متمركزة في الإفراج عنه وتوفير خروج آمن لقيادات الإخوان. ووفقًا للمعلومات فإن المندوب الأمريكي «وليام بيرنز» طلب من السيسي بشكل واضح الإفراج الفوري عن محمد مرسي والمهندس خيرت الشاطر تحديدًا إلا أن السيسي رفض الطلب الأمريكي جملة وتفصيلا وأخبر «بيرنز» أن القوات المسلحة مؤسسة وطنية مهمتها الحفاظ على أمن وسلامة «مصر» فقط مهما كان الثمن. السيسي قال لمندوب أوباما أيضا: «المعزول» متهم في العديد من القضايا، وهذه القضايا تخضع لتحقيقات مكثفة حاليا، ولا تستطيع قوة على وجه الأرض العودة بعقارب الساعة للوراء.. وهو الأمر الذي أغضب المندوب الأمريكي الذي كان يظن أن مهمته في مصر ستكون سهلة كما كانت في عدة دول من قبل وجعله يلوح للسيسي بقطع المعونة العسكرية عن مصر. السيسي ابتسم في وجه «بيرنز» وقال له: هذا الأمر محسوم.. معونتكم لا نريدها، وسنتخذ ما يلزمنا من إجراءات للحفاظ على أمننا وكرامتنا فمصر لم تعد دولة تابعة لأحد ولن تكون في المستقبل وأنتم رأيتم بأنفسكم الحشود الهائلة التي نزلت الميادين المختلفة للدفاع عن مصر. المصادر أكدت أن «بيرنز» استشاط غضبًا من كلام السيسي، وأبلغ أوباما بما دار بينه وبين وزير الدفاع، إلا أن الرئيس الأمريكي طالبه بضرورة تمديد زيارته لمصر وألا ينهيها قبل الوصول إلى حل جذري وإجبار المؤسسة العسكرية على التدخل للإفراج عن مرسي والشاطر. عاود «بيرنز» الكرة مرة أخرى وتحدث مع السيسي مجددًا إلا أن وزير الدفاع قال له: «هذا الأمر انتهى ولا مفاوضات فيه، نرحب بكم كداعمين للديمقراطية وحقوق الشعب المصري، لكنكم خالفتم كل الأعراف الدولية وتريدون التدخل في قضايا جنائية منظورة أمام جهات قضائية، أن كنتم ترون أن مرسي كان رئيسا لمصر ولا يجب أن يحاكم فما سر دفاعكم المستميت عن خيرت الشاطر فهو حسب معلوماتي لا يحمل الجنسية الأمريكية»، إلا أن «بيرنز» فاجأ السيسي قائلا: «الشاطر مهم جدًا بالنسبة لنا يا جنرال»! ولم يستطع الثعلب الأمريكي إخفاء ابتسامته وهو ينطق بهذه العبارة، وهو ما أثار دهشة «السيسي» الذي أراد إنهاء كلامه مع «بيرنز» قائلا: لا فائدة قضي الأمر، هؤلاء مصريون متهمون ويخضعون الآن لتحقيقات من جانب هيئات قضائية ولا أحد في العالم يستطيع أن يتدخل في شئوننا بهذه الطريقة». «السيسي» بعدما رأى إصرارًا كبيرًا من جانب «واشنطن» على الإفراج عن مرسي والشاطر قرر أن ينقل هذه المعركة إلى داخل المجتمع الأمريكي فوافق على إجراء حوارات مع صحف أمريكا بعدما كان رافضًا في البداية. وفي هذه الحوارات أصر «السيسي» على أن يحرج أوباما وإدارته أكثر من مرة للدرجة التي استفزت الإدارة الأمريكية وجعلت «أوباما» ومساعديه يجتمعون في ثلاثة أيام متتالية لمناقشة الوضع في مصر. «السيسي» وجه رسائل حاسمة للأمريكان في صحفهم كانت جميعها تتحدث عن كرامة المصريين وأنه على البيت الأبيض التوقف عن التدخل فيما لا يعنيه، وهو ما ممثل لطمة شديدة للأمريكان خاصة أنها المرة الأولى التي يرون فيها وزير دفاع مصريًا يتحدث بهذه الحدة منذ عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. ومنذ أن تحدث «السيسي» للصحف الأمريكية بدأ الرأي العام الأمريكي يراجع حساباته، وبدأت الأمور تنقلب رأسا على عقب، فإدارة «أوباما» باتت في ورطة حقيقية إذا لم يعد «مرسي» للحكم فستخسر كثيرًا. ووفقًا للمعلومات فإن خسارة الولاياتالمتحدةالأمريكية معركتها أمام وزير الدفاع والمؤسسة العسكرية في مصر ستكون فادحة. خاصة أن أمريكا ستفقد «جاسوس» بدرجة «رئيس»، وهو الرجل الذي أبرم اتفاقيات لم يكن يحلم بها الجانب الأمريكي، فوفقًا لمصادر سيادية فإن الإطاحة بمرسي أوقفت اتفاقه مع «واشنطن» على إقامة 3 قواعد عسكرية أمريكية في مصر كانت ستكون الأكبر في المنطقة. يضاف إلى هذه القواعد العسكرية خسارة الولاياتالمتحدة لضمان سلامة إسرائيل الذي كان متفقًا عليه مع نظام جماعة الإخوان. أمريكا بدأت في خسارة كل شيء في مصر وبات عليها أن تبحث عن حليف جديد في المنطقة أو بمعنى أدق بات عليها أن تبحث عن عملاء جدد.