حينما تردد قول العديد من الصحفيين والمثقفين وبعض النخبة عن "السينما النظيفة"، وقعت في حيرة كبيرة، بل لعلّي لا أنكر أن الأمر استفزني نتيجة عدم قدرة عقلي القاصر وثقافتي المحدودة الضحلة- التي أتمتع بها- على استيعاب ما يقصدونه بكلامهم... فماذا يقصد هؤلاء القوم من قولهم "السينما النظيفة"؟ أيقصدون بها تلك السينما الخالية من الأوساخ والأوشاب؟ أم هي السينما التي يحرص أصحابها على غسلها بأحدث مساحيق الغسيل؟ لا أنكر أني وقعت في حيرة كبيرة نتيجة عجزي، بل فشلي التام في فهم مثل ذلك الاصطلاح العصيّ؛ فمصطلح "السينما النظيفة" لا معني له لا في معجم ولا في أي لغة من اللغات الحية أو الميتة اللهم إلا في عقول هؤلاء الذين ابتدعوا العديد من الاصطلاحات الجديدة علينا مثل "السينما النظيفة"، و"سينما الأسرة"، و"سينما لا تخجل منها أنت وأسرتك"، وما إلى ذلك من هذه الاصطلاحات التي خرج بها علينا في الآونة الأخيرة بعض الجاهلين أساسا بمعني الاصطلاح والفن السينمائي- ليصدعون بها رءوسنا ليل نهار. فما المقصود من قولهم هذا؟ هل هي السينما غير القذرة التي لا تشوبها الأوساخ والأدران كما سبق أن قلنا؟ إنها بهذا المعني تجعلنا نضرب أخماسا في أسداس للبحث في تاريخ السينما المصرية بل والعالمية أيضا عن تلك السينما التي تملؤها الأدران، إلا أنني بعد بحث طويل أرهقني كثيرا لم أستطع العثور على مثل تلك السينما، ما جعلني أجزم بأنني أخطأت التفسير وأن المقصود من ذلك المصطلح الجديد هو السينما المستقيمة الخالية من أية أفكار مؤدلجة تحاول التنظير للفكر اليساري أو اليميني، إلا أنني بعد بحث آخر مضني لم أتحقق من صدق ما ذهبت إليه فوقعت في حيرة كبيرة حتى هداني تفكيري القاصر بعد العديد من المحاولات والتجارب التي تهجدت فيها للمولي عز وجل أن يهديني إلى الحقيقة- فالتزمت منزلي وجعلت أصلي لله ليل نهار، بل وتركت لحيتي وارتديت الجلباب والسروال وزهدت الدنيا ومن فيها- فهداني الله إلى أن المقصود من قولهم هو السينما التي يمتنع فيها اللمس بين الرجل والمرأة- محافظة على السلوك العام ومن ثم الوضوء- فأدركت أنهم أخطأوا التعريف عن غير قصد- لأن الأعمال بالنيات- وأنهم قصدوا في المقام الأول اصطلاحا آخر خانهم فيه التعبير وهو "سينما ممنوع اللمس".. ملحوظة هذا هو المقال الأخير للكاتب أشرف نهاد، الذي كتبه قبل سفره إلى المغرب، حيث وافته المنية هناك، ولم يمهله القدر لقراءة مقاله.