أبو الغيط: المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية يعقد بالمكان المناسب كشف أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية ل"المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية" في أبو ظبي، عن 6 نقاط يمكن من خلالها تحقيق التسامح والتحول لمجتمعات متعددة ومنع الكراهية. وجاءت النقاط كالتالي: النقطة الأولى تتمثل في أن أبناء منطقة الشرق الأوسط حملوا إلى العالم أول نداءات الأخوة البشرية، ذلك أن الأديان جميعها، والتوحيدية منها على وجه الخصوص، خاطبت الإنسان بوصفه إنسانًا ولم تخاطب قبيلة بعينها أو جنسًا بذاته.. المسيح عليه السلام يُدعى ابن الإنسان.. والقرآن الكريم خاطب البشرية كلها: "هذا بيانٌ للناس".. وليس صدفةً أن المسيحية والإسلام شكلتا اللبنات التأسيسية لحضارات بالغة الاتساع، بطول الجغرافيا وامتداد التاريخ. الإسلام والمسيحية هما الأكثر انتشارًا في عالم اليوم، قفزتا فوق القبيلة والعنصر واللون والجنس وعبرتا حاجز المكان والزمان لتخلقا فضاء متاحًا للبشر على اختلافهم.. إن القاسم المشترك بين الأديان التوحيدية جميعًا هو أن رسالتها تخاطب الإنسان، أي إنسان وكل إنسان.. بلا تمييز أو تفرقة.. تخاطب الجوهر الإنساني الذي يشترك فيه البشر جميعًا.. وبذاك كانت هذه الأديان أكبر محرك لفكرة المساواة في الكرامة الإنسانية عبر التاريخ. "لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى".. هكذا قال رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم)، وعلى هذا النهج سارت حضارة الإسلام في عصورها الزاهرة، فاستوعبت الروم والفرس والترك واليهود والمسيحيين، حتى صاروا مساهمين حقيقيين في صناعة الحضارة والعمران. النقطة الثانية إننا لا بد أن نعترف، في الوقت ذاته، أن رسالة السماء التي حملها الأنبياء قد فهمها بشر وفسرها بشر وعمل بمقتضاها بشر.. يخطئون ويصيبون.. يحسنون الفهم ويضلون السبيل.. والتاريخ يفيض بتجارب ووقائع تخفت خلالها أهداف خبيثة ومصالح ضيقة تحت راية الدين النبيلة، فسالت الدماء وأزهقت الأرواح.. الأمر اقتضى قرونًا طوالًا قبل أن تدرك الإنسانية أن المزج بين الدين والسياسة يفسدهما معًا.. ذلك أن الدين، أي دين، ينطلق من علاقة مع الخالق، فيما السياسة تعكس علاقة بين البشر وبعضهم البعض. النقطة الثالثة الأديان ليست بأي حال المسئولة وحدها عن تراث العنف أو التطرف هذه نظرة خاطئة ولا يصح أن نجاريها أو نتسرع في القبول بها على خلفية أحداث معاصرة هنا أو هناك.. الحقيقة التاريخية الثابتة أن جرثومة التطرف وكراهية الآخر ظلت حاضرة وظاهرة في العديد من الأيديولوجيات والأنساق الفكرية والعقائد السياسية.. والأغلبية الكاسحة من ضحايا القرن العشرين، الذين يحصون بعشرات الملايين، قضوا في حروبٍ غير دينية ولا تمت للدين بصلة. كما أن التطرف في جوهره موقف من الحياة والآخرين وهو ليس مقتصرًا على المجال الديني، هو موقف فكري وإنساني يفترض امتلاك عددٍ من البشر للحقيقة المطلقة، ومن ثم استحقاقهم للتميز على الآخرين والتسيد عليهم.. تلك هي جرثومة التطرف التي تجعل البشر قادرين – تحت شعارات مختلفة - على ارتكاب أفظع الجرائم في حق إخوانهم في الإنسانية. النقطة الرابعة الأخوة الإنسانية والتسامح صنوان لا يفترقان.. البشر مختلفون في الأفكار والعقائد والعادات.. ومفهوم التآخي الإنساني لا يهدف إلى تنميط البشر أو حملهم على إنكار ما بينهم من اختلاف، ففي اختلافهم رحمة.. الأخوة بين البشر تقوم في حقيقة الأمر على فضيلة التسامح، ولا يكون للتسامح معنى إلا لو مارسناه مع الأفكار التي نرفضها ونختلف معها.. التسامح هو قبول بمساحة من الاختلاف بين البشر.. إنه مفهوم – في أضيق معانيه- لا يفترض محبة الآخر المختلف بل فقط احترامه بوصفه إنسانًا مستحقًا لهذا الاحترام. النقطة الخامسة البشر كما علمنا التاريخ، ليسوا محصنين من الارتداد إلى غرائزهم الأولى حيث الانتماء إلى القبيلة يجب كل انتماء، والولاء للعصبية يسبق كل ولاء.. ونرى اليوم من الشواهد والمظاهر بامتداد العالم ما يشعرنا بالقلق حيال مستقبل الأخوة الإنسانية، فمشاعر العداء للآخر تتصاعد، والخوف من المهاجرين أصبح عملة سياسية رائجة، والقومية المتطرفة تكسب أرضًا جديدة كل يوم، والحقُ أن هذه الشواهد كلها تُذكرنا بدور القيادات المستنيرة في توجيه الشعوب والمجتمعات في الاتجاه الصحيح، بعيدًا عن التطرف والكراهية. ونذكر في هذا المقام ثلاث شخصيات تاريخية احتفلنا العام الماضي في مصر، في مؤتمر الشباب بشرم الشيخ، بمئوية مولدهم، كان لكل منها بصمة خاصة على تاريخ بلده ولكن يجمعهم الإيمان بالإنسان حيثما كان، وبإمكانية التآخي ونبذ الكراهية بين البشر المختلفين. هناك زعماء أسسوا للتسامح في العالم منهم الرئيس الراحل أنور السادات، والزعيم الراحل نيلسون مانديلا، والرجل الذي أسس لنهضة الإمارات، ووضع بذرة التسامح والانفتاح على الآخر.. الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. النقطة السادسة الإنسانية – كنهج وطريقة حياة - ليست قيمة يكتسبها الإنسان بمجرد الميلاد، وإنما فضيلة يتعلمها ويمارسها.. وأقتبس هنا مما قاله نيلسون مانديلا: "إن كان بمقدورهم أن يتعلموا الكراهية، فبإمكانهم أن يُلقنوا المحبة". إن التسامح والإنسانية شيءٌ يمكن للإنسان، بل يجب عليه، أن يتعلمه ويتدرب عليه، وأولى خطوات هذا التعلم هي المعرفة، فالناس أعداء ما جهلوا.. إننا أحوج ما نكون إلى تضمين مفاهيم الأخوة البشرية في مناهجنا التعليمية وبرامجنا الدراسية.. لا بد أن ينشأ أبناؤنا عارفين بالآخر، بعقائده وثقافته وأفكاره.. فهذا ما يُثري – في حقيقة الأمر- معرفتهم بذواتهم ويُعزز ثقتهم في ثقافتهم وحضارتهم.. فالإنسان يرى نفسه بصورة أعمق في مرآة الآخر المختلف.. وحينما يطلع المرء على عقائد الآخرين وثقافاتهم يُدرك على الفور قدر المشترك الإنساني الذي يجمع البشر أجمعين. واختتم أبو الغيط كلمته قائلا: "إننا نعيش في منطقة طابعها التنوع الإنساني، في الملل والنحل والأعراق.. إنها منطقة تزدهر بهذا التنوع الخلاق الذي لا يُمكن أن يكون سببًا للشقاق أو الكراهية والعنف.. تنوعن نعمة إن عرفنا قيمتها وأحسنا إدارتها".