في مجلة "الفكر المعاصر" عام 1967 كتب العالم المفكر الدكتور زكى نجيب محمود (ولد في فبراير 1905 ورحل عام 1993) مقالا قال فيه: "هناك سؤال هل الأصول المصرية فرعونية أم يونانية أم عربية؟ نستعرض هنا للإجابة على السؤال المبادلة التالية بين الأديب الكاتب توفيق الحكيم والأديب المفكر الدكتور طه حسين.. يطرح الحكيم المشكلة بقوله إن الأمر يحتاج إلى دراسة ومعرفة مميزات الفكر المصرى، ومعرفة أنفسنا حتى نبين لجيلنا مهمته، ليلاحظ قارئ اليوم أن هذه هي نفسها المسألة المطروحة أمام المفكرين ونحن في ختام العقد السابع من القرن العشرين. إن الروح المصرية والروح العربية مختلفتان وإن اختلطت إحداهما مع الأخرى حتى يصعب الفصل بينهما.. لكن هذا الفصل أمر لا بد منه إذا أردنا أن نتبين أنفسنا: أولا أن دراسة الفن الإغريقي كفيلة بأن تبرز الفرق بين العقليتين، وما بال تماثيل الآدميين عند المصريين مسنودة الأجساد وعند الإغريق عارية تماما. هذه الملاحظة الصغيرة تطوى تحتها الفرق كله (إن كل شيء مستتر خفى عند المصريين عار جلى عند الإغريق، كل مستتر في مصر خفى كالروح، وكل شيء عند الإغريق عار كالمادة.. عند المصريين الخفى كالنفس وعند الإغريق جلى كالمنطق. في مصر الروح والنفس وفى اليونان المادة والعقل، ومن المستحيل أن نرى في الحضارة العربية أى ميل لشئون الروح، إن مصر والغرب طرفا نقيض.. مصر هي الروح والسكون والاستقرار والبناء، وعند الغرب هي الحياة، هي الزخرف. يرد على ذلك طه حسين رافضا أن تنسب الروح المصرية إلى أصول تبعد بها عن العرب وعن اليونان، وأن الغوص بالروح المصرية الحديثة إلى أصول فرعية يدخل في مجاهل التخمين، والنسب إلى العرب أمر قائم مشهود. تتكون روح مصر منذ استعربت من عناصر ثلاثة أولها العنصر المصرى الخالص الذي ورثناه عن المصريين القدماء، وثانيها العنصر العربى الذي يأتينا من اللغة والدين والحضارة، وثالثها العنصر الأجنبي الذي أثر في الحضارة المصرية دائما الذي سيؤثر فيها دائما وهو هذا الذي يأتيها من اتصالها بالأمم المتحضرة في الشرق والغرب من اليونان والرومان واليهود والفينيقيين قديما ومن العرب والترك والفرنجة في القرون الوسطى، ومن أوروبا وأمريكا في العصر الحديث.