صحفى بدرجة إنسان "رحِمَ اللهُ كلَّ هيِّنٍ ليِّنٍ قريبٍ سهلٍ"، وهكذا.. كانَ الأستاذُ الراحلُ "عيد حسن" هيِّنًا ليِّناَ قريبًا سهلًا في جميع تعاملاته ومُعاملاته، لا يعرفُ التكلُّفُ إلى نفسه سبيلًا. كانَ ذا نفسٍ مُطمئنةٍ راضيةٍ في زمنِ التكالُبِ على المغانمِ منْ حِلٍّ ومنْ حرَمٍ. كانَ ذا لسانٍ نقىٍّ في زمنٍ أصبحَ فيهِ الإسفافُ والابتذالُ أسلوبَ حياةٍ. كانَ يلتقينا جميعًا هاشًَّا باشًَّا، الابتسامةُ لاتفارقُه.علاماتُ الرضا كانت تزيدُ وجهَه بهاءَ وإشراقًا، وتجعله كأنه ابن عشرين عاماَ. كانَ قدوةً حسنةً لنا في كلِّ شئٍ: في أدبه ودأبِه وإخلاصِهِ لعملِهِ حتى اللحظاتِ الأخيرة التي سبقتْ نقلَهُ إلى العنايةِ المُركزة، وفى تواضُعِهِ الجمِّ الذي لا يُجاريه فيهِ أحدٌ، وبساطتِهِ المُتدفقةِ التي يندُرُ أن تجدَ لها مثيلًا، وحبِّهِ لزملائِهِ وتفانيهِ في خدمتِهم وإرشادِهم. شاركَ الراحلُ في تدشين النُسختين الورقية والإلكترونية من "فيتو"، وكان حضورُه، منذُ اليوم الأولِ، لافتًا، وأداؤه مُدهشًا. كان عزيزًا كريمًا ناصحًا أمينًا. لم يكنْ مجرد صحفى يملكُ أدواتِه، فما أكثرَ الصحفيين، ولكنه كانَ إنسانًا في زمنٍ عزَّتْ فيه الإنسانيةُ، ولا شك في أن إنسانًا بهذهِ الصفاتِ النبيلةِ يكونُ وحدَه القادرَ على ابتكارِ فكرة الاحتفال ب"يوم اليتيم"، وعندما نازعَه فيها بعضُ المُتنطعينَ التزمَ الصمتَ واحتسبَ أجرَه عندَ اللهِ تعالى.. منْ أجل ذلك وغيرِه.. فإنَّ خسارتَنا برحيلِه المُباغتِ وخيمةٌ. ونسألُ اللهَ - بوجههِ الأكرم واسمِهِ الأعظم- أنْ يتولَّى الفقيد برحمته الواسعة، ويُعوضه دارًا خيرًا من الدّار الفانية، في مقعدِ صدق، في الفردوس الأعلى من الجنَة، مع النّبيين والصّديقين والشّهداءِ والصَّالحين، وحسُنَ أولئكَ رفيقًا، إنَّهُ ولىُّ ذلكَ والقادرُ عليه. مختار محمود آثارُك الجميلة لن ترحل في أحد أيام عام 1992، دخل عليَّ في مكتبى شابٌ بشوشَ الوجه، باسمَ المُحيَّا، يُشْعِرُكَ لقاؤه بالتفاؤل، والراحة، استقبلتُه، محاولًا تقليدَ ابتسامته وبشاشته، أيامَها كنتُ أعملُ بلجنة الإعلام بنقابة أطباء مصر، وسكرتيرًا لتحرير مجلة "الأطباء"، ومسئولًا عن التواصل مع الصحفيين الذين يتولون تغطية أخبار النقابة. كان "عيد حسن" هو ذلك الشابُ الذي استقبلتُه آنذاك، ولكنه كان شديد الاختلاف عن كل الصحفيين، سألَ عن الأخبار التي تتعلق بالنقابة، وبأحدث الأبحاث الطبية، ورسائل الدكتوراه والماجستير، وأبدى استعداده التام للحضور في أي وقت، إذا اقتضت الظروف للمؤتمرات الصحفية والعلمية.. وما إليها. كان الصحفيون، وقتها، يمثلون بالنسبة لى مصدر قلق وضجرٍ، ذلك أن تدفق الأخبار لم يكن بالغزارة التي يتوقعونها، ولا بالقوة التي يتمنونها، إلا أن لقاء "عيد" كان يمسح عنى المتاعب التي يسببها غيره.. كنتُ أنتظر مجيئه بلهفة. وفى "الأحرار" كان وجوده بمثابة مفاجأة سارة.. عام 1994، مع بدء صدور العدد اليومي، تألق في التحقيقات "اللايت" التي امتاز بها العددُ الأسبوعي، بإشراف عصام كامل، وكثيرًا ما منحنا من أفكاره، فالعثور على الأفكار الخفيفة وتنفيذها ميزة لم تكن تتوافر للكثيرين منا. السعادةُ الحقَّة كانت عندما استقبلنى هو في "فيتو".. ورغم أن السنين تركت آثارها، وبصمتَها التي لا تخطئها العين، للوهلة الأولى، على كلينا، إلا أن قلبَه لم يزلْ شابًا، جميلًا، محبًّا؛ فقد شدَّ من أزري، وبذل مجهودًا رهيبًا لدعمى في مهمتي. كان الالتزام والاحترام سمتين مميزتين لدى "عيد"، لم أضبطه يومًا وعلى وجهه "تكشيرة"، ولم ألحظ على جبينه عبوسًا، ولم يختلف، في أي وقت، ولا لأى سبب، مع إنسان.. المحبة كانت شعاره، والتسامح رايته. أسماء وتليفونات المصادر، مهما كانت وضعيتها، وقيمتها، إن لم نجدها لدى أي زميل، فالملجأ لنا هو "عيد". الأفكارُ النيرة، والمبتكرة كان منبعها، ولعل "يوم اليتيم" أحدها.. ولم يحظ بالتكريم اللائق، فكم نسب الكثيرون تلك الفكرة الرائعة لأنفسهم، ولم يتكدر هو، ولم يغضب، بل ولم ينطق ببنت شفة؛ ليعلن للعالم أنه صاحبها، وإليه يعود حق الملكية الفكرية لها، مكتفيًا بما عند الله، وهو خير وأبقى، فما من سرور يدخل على قلب يتيم، ولا سعادة تشرح صدر من فقد أباه، أو أمه، إلا ويعود جزاؤها وأجرها، كاملًا، إلى الراحل العظيم، لا ينقص ذلك من أجور الخيِّرين شيئًا. يرحمك الله يا "عيد"، فقد رحلتَ عن دنيانا الكئيبة، ولكن لا تزال آثارك الجميلة قائمة وباقية في كل مكان، ولدى كل من التقاك، ولو مرة، ولن ترحلَ.. وإنا على فراقك لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا؛ إنا لله وإنا إليه راجعون. محمد أبوالمجد رجل تسامى عن الأحقاد الأستاذ عيد حسن في ذمة الله.. هكذا أبلغنى زميلى أحمد رأفت يوم الثلاثاء الماضي، بعد ساعات فقط من زيارتنا للراحل الكريم في مستشفى الزراعيين في الدقي، حينها شعرت بحزن خلع صدري، ولم يفارقنى حتى كتابة هذه السطور، فقد رحل فجأة ودون وداع، مهنى كبير، وإنسان نادر، كان شعاره العمل في صمت وحب الناس- كل الناس- والتسامى عن الأحقاد، الذي تجسد في التسامح مع الجميع، تلك القيمة التي باتت مفقودة عند الكثيرين. قبل سبع سنوات عرفت الأستاذ عيد حسن، كان يتمتع بحماس شاب في العشرينيات، لم أضبطه يوما محبطا، أو عبوسا، فلم تكن التكشيرة تعرف طريقها لملامحه، ولا أذكر أننى قابلته يوما ولم يكن مبتسما، ودودا، هادئا، مستعينا بالله على صعاب الحياة وتحديات الزمن، وبمرور السنوات تعرفت عليه عن قرب، كان دءوبا في العمل، عاشقا لمهنته، يفضل أن يكون صحفيا، غايته الخبر والمعلومة، يبحث عن التفاصيل الصغيرة، ولا ترهقه المتابعة الحثيثة في ملفه "وزارة التموين" الذي تولى العمل فيه طوال ربع قرن في جريدة الأحرار وانتهاءً ب"فيتو". ظل الراحل يعمل حتى الساعات الأخيرة من حياته، فقبل يوم واحد من أزمته الصحية المباغتة، طلبت منه إدارة التحرير موضوعا عن إضافة المواليد الجدد على بطاقات التموين، وأنجزه- كالعادة - في وقت قياسي، ليصبح "مانشيت" العدد السابق من "فيتو"، وكان يخجلنا جميعا نحن الشباب من زملائه في العمل، بالتزامه الدائم في حضور الاجتماعات في قسم الأخبار، وفى تنفيذ التكليفات دون اعتذار أو تردد أو تأخير. عاش عيد حسن، رحمه الله، حياته هادئا ودودا، ورحل كريما مطمئنا، راضيا بقضاء الله وقدره، رحل إلى روح وريحان وجنة نعيم بإذن الله، وعزاؤنا أن الموت قدر كل إنسان، وأن ما بقى منه هو سيرة عطرة للنقاء والطهارة والمحبة والتسامح في أروع صورها.. رحم الله الفقيد الغالى وألهمنا وأسرته صبرا وسلوانا. أحمد نصير إلى جنة الخلد همس في أذني، حدثنى بصوت هادئ، كلمات قليلة قالها، لم أتخيل أنها آخر كلماته إلىّ. قال لى: "خلى بالك من نفسك، أنت صحتك على قدها، روح لدكتور تابع السكر والضغط عشان كمان يظبط لك مشكلات القلب"، وما كان منى إلا أن قلت له الرد الشهير: "ربنا يسترها ياريس الأعمار بيد الله". ولم تمر سوى ساعات على حديث العم عيد لينتقل من رفقة الدنيا، إلى دار المنتهى إلى جنة الخلد يا استاذى العزيز. محمد شحاتة عيد حسن.. شهامة ابن الريف منذ بدأت معرفتى به بعد أن التحق للعمل معنا بجريدة الأحرار اليومية لم أقابل عيد حسن يوما مرتديا "البدلة الكاملة" أو "القميص والبنطلون" إلا وأجد خيالى الفنى يسرح رغما عنى متخيلا إياه بالجلابية البلدى والطاقية وأحيانا يسرح خيالى أكثر ليتخيل الصديرى الفلاحى وقد ظهر ساترا صدره تحت الجلابية كعادة إخوتنا وأقاربنا من أهل الريف الأصلاء.. لم يكن هذا الخيال نابعا من ملامحه الشخصية ولا من سماته الشكلية فيما عدا تلك اللكنة الشرقاوية الخفيفة في لسانه التي بالكاد تلحظها بل نابعا بالأساس من شخصيته وملامحه الإنسانية التي كانت تنبع بالشهامة وتفوح بالطيبة؛ تلك الشهامة وهذه الطيبة التي يتسم بها ابن الريف المصرى الأصيل والتي تبدو أول ما تبدو في ابتسامته الرائقة ثم تتجلى بعد ذلك بوضوح في تصرفاته التي تتسق تمام الاتساق مع هذه الشهامة وتلك الطيبة. زهاء الربع قرن قضاها معنا عيد حسن محررا صحفيا مسئولا عن تغطية وزارة التموين وما يتبعها، تلك الوزارة التي استفاد من العمل فيها الكثير وتربح من تغطية أخبارها الكثير، إلا أن أخلاق عيد ابن الريف وشهامته وطيبته أبت عليه أن يستفيد منها إلا إنجاز مصالح الناس وأن يتربح منها إلا إعلاء قيمة مهنته، فلم أعلم عنه فيما علمت عنه إلا سعيه لقضاء حوائج الناس دون طمع في مقابل منهم أو مصلحة، كما لم أعلم عنه فيما علمت عنه إلا سعيه للحصول على سبق صحفى أو انفراد يتميز به مهما جر عليه هذا من متاعب لا حصر لها جراء سعيه لإعلان الحقيقة وإظهارها وما يستتبعه هذا من خصومة الفاسدين والمفسدين الذين يطلبون ستر فضائحهم بأى ثمن كان. شهامة عيد وطيبته تجلت أيضا في تلك الحملة التي تبناها والتي أسفرت عن احتفالية يوم اليتيم والتي نبعت من فكرة تبناها عيد حسن وناضل من أجلها حتى أصبحت واقعا تحتفى به مصر كل عام منذ عهد الوزيرة ميرفت التلاوي. رحم الله فقيدنا العزيز عيد حسن وجزاه خيرا عما قدمت يداه وغفر لنا وله وألهم اهله وذويه وأصدقاءه وزملاءه الصبر والسلوان. محمد عبد المنعم أمير الطيبين منذ التقيته أول مرة أحببته بشدة، فإنسانيته الشديدة وحديثه الودود يدفعانك إلى أن تكون من محبيه، إنه "عم عيد" كما كنت أناديه دوما لسنوات، ورغم فارق السن بيننا فهو في عمر والدى تقريبا، لم يكن ينادينى إلا "يا أستاذ أحمد"، حتى أننى في مرة قلت له أنا في عمر أبنائك يا عم عيد نادينى أحمد. يعلم الله أننى تلقيت خبر وفاته بألم شديد، وأحمد الله أننى رأيته مرتين في المستشفى ليلة وفاته، فلم أكن سأسامح نفسى إن رحل دون أن أودعه. رحل الرجل وقد أمضى عمره كله في عمل دؤوب، فرغم أنه كان أكبرنا سنا في قسم الأخبار، إلا أنه كان أكثرنا التزاما وإنتاجا للأفكار والأخبار أيضا، حتى أننا كنا نستحى أن نقصر وهو الأكبر منا سنا ومقاما وهو يبدو بعطائه كأنه في العشرين من عمره. جمعنى "بالعم عيد" اتصال تليفوني، قبل وفاته ب 3 أيام، أخبرنى فيه بأنه أرسل تقرير الورقى ولم أكن أعلم أنه سيكون الموضوع الأخير لعم عيد في «فيتو»، رحمة الله عليك يا عم عيد ووداعا إلى حين أن يجمعنا لقاء.. أحمد رأفت هتوحشنا يا عم عيد قبل رحيله ب3 أيام كان هناك مؤتمر لوزير التموين على مصيلحى بكلية التجارة في جامعة القاهرة للإعلان عن تفاصيل إضافة المواليد على بطاقات التموين وهاتفته وفوجئت بصوته مبحوحا وحوله أصوات كثيرة وعلمت من أحد أصدقائه أنه مصاب بهبوط ولن يستطيع العمل، وبعدها انتقل للعناية المركزة. 3 أيام مرت علمت بعدها بخبر رحيل عم عيد، لم أتمالك نفسى وغلبتنى دموعي، فالزميل الأستاذ عيد حسن، محرر وزارة التموين بفيتو، والذي يكبرنى بمثل عمرى كان أكثرنا احتراما ومهنية ونشاطا أيضا.. رحل عم عيد ورحلت معه خدماته التي لم تقف عند أحد، لن أنسى أبدا ذكراك ولن أنسى تواجدك الدائم بأفكارك وأخبارك في كل يوم عمل.. رحلت بجسدك فقط فالحديث عنك لن ينتهى يا عم عيد.. وإلى لقاء في رحاب الرسول إن شاء الله. محمود عثمان ابتسامتك لن تفارق خيالى الأستاذ عيد أو كما أسميه عم عيد أعرفه منذ أكثر من 15 عاما لم أره يوما إلا مبتسمًا ابتسامة واسعة يطلق النكات التي تضحك من حوله برغم أنه من أمهر وأحسن الصحفيين في مجاله إلا أنه كان مثالًا للبهجة والفرح. "عم عيد".. الأخ والزميل والصديق الوفى الذي كنت أحكى له أسرارى وآخذ رأيه في كل كبيرة وصغيرة وهو ينصت لى ويعطينى النصيحة. في الفترة الأخيرة تعاونا سويا في أكثر من موضوع وكان ملتزما في مواعيده محترفا في عمله.. وفاته كانت مفاجأة وقعت كالصاعقة التي لم أكن أتوقعها خصوصًا وأنه اتصل بى يوم الخميس قبل وفاته بأربع أيام وحدثنى عن بعض الموضوعات التي يريد أن ننجزها سويا للعدد الورقي. أفتقدك كثيرا يا عم عيد وأؤكد أن ابتسامتك لن تفارق خيالى أبدا.. ربنا يرحمك ويسامحك ويغفر لك بقدر محبة الناس لك. نجوى يوسف