أقام فيه «كفافيس» وإرتاده النحاس باشا وفؤاد سراج الدين وأحمد ماهر وإسماعيل صدقى لأنها مدينة «ساحرة»، فقد جمعت تراث عدد كبير من شعوب العالم، عشقوا هذه المدينة واستوطنوها، ولايزال شارع فؤاد أحد أبرز شوارع الأسكندرية يحمل روح العالم القديم، التى يندر وجودها حالياً بالإسكندرية، فهو يتقاطع مع شارع النبى دانيال، كما أن المهندس «دينوقراطيس»، خططه على غرار المدن الإغريقية. ويزخر هذا الشارع بمحال الزهور بألوانها الجذابة، وعدد من البنوك التجارية التى اتخذت من الفيلات الأنيقة مقراً لها، مثل البنك التجارى الدولى الذى كان قصر عائلة سرسق سابقاً، وقد كان شارع «فؤاد» من أرقى المناطق السكنية، إذ كانت تقطنه أشهر العائلات وأكثرها ثراء، كعائلات «الكونت زُغيب» و«سرسق» و«أبو شنب» من الشام، ومن اليونانيين بيانكى وسلفاجو، ومن الإيطاليين لوتساتو، وأفرينو. وتتميز معظم مبانى شارع فؤاد بالطراز اليونانى الممتزج بالفن الإيطالى المعمارى (الفلورنسى)، بعضها لا يزال نابضاً بالحياة، أما البعض الآخر فهو يعانى من آثار الدهر كما تعانى الإسكندرية الآن، ومن أهم معالمه دار الأوبرا الوحيدة بالإسكندرية، والتى قام ببنائها المهندس الفرنسى جورج بارك، وعرفت لفترة طويلة ب«تياترو محمد على» وتغير اسمها إلى مسرح سيد درويش عام 1962، والتى أقيمت بها عروض لأشهر الفنانين المصريين. يكتظ الشارع بالعديد من دور السينما وأشهرها «بلازا» و«رويال» و«أمير»، أما سينما «ريو»، فتقع بناصية مميزة من شارع فؤاد. الترجل على أرصفة شارع فؤاد تجلب لك متعة خفية وإحساسًا بأنك تسير فى بوابة عبر الزمن إلى القرون الماضية بذكرياتها الجميلة، ففى هذا الشارع سكن الشاعر اليونانى كفافيس. وفرض الشارع نفسه فى أحد أهم روايات الأدب العالمى وهى «رباعية الإسكندرية» التى كتب فصولها الروائى الإنجليزى "لورانس داريل" الذى كان يعمل بالقرب منه، ونسج من وحيه أبطال الرباعية "داريلى وبومباى وكليا الفنانة اليونانية" التى كانت تقطن شارع فؤاد، أما جوستين ونسيم، وهما أيضًا من أبطال الرباعية فكانا يعيشان فى بيت يقع خلف شارع فؤاد. هذه الشخصيات كان لها أصل واقعى فى الحقيقة، وكانوا يلتقون جميعًا فى صالة الشاى «بسترودس» لتناول الإفطار، أو احتساء مشروب ساخن ويتحدثون عن الحياة الصاخبة فى الإسكندرية. وفى هذا الشارع شهدت إحدى صالات طوسون باشا أول عرض سينمائى فى مصر فى 15 نوفمبر عام 1896، وتبرز مجموعة عمارات «عاداه» وهو من التجار اليهود، وكان لهم أنشطة متعددة فى الزراعة وأعمال البنوك بالإضافة إلى التجارة، وتتكون هذه المجموعة السكنية من ست وحدات متشابهة إلى حد ما، وقد أنشئت عام 1920 على يد المهندس اليهودى ناحمان، وفى إحدى هذه الوحدات كان هناك بنك "عاداه" وفرع لأحد أشهر المحلات الفرنسية «جاليرى لافييت». لم يكن للمصريين وجود ملحوظ فى شارع فؤاد، فقد كان الشارع ينتمى للحى اللاتينى الذى كان يعرف بحى التوفيقية، وتعود تسميته بهذا الاسم لأن الخديو توفيق كلف المهندس الإيطالى "فيلبو بينى" بمهمة تخطيط هذه المنطقة عام 1880. وأنشأ المهندس «بينى» ثلاثة قصور ما زالت موجودة حتى الآن، وهى حاليًا مدرسة بلقيس ومديرية الصحة والمركز الثقافى الإسبانى، وكانت متعة سيدات الحى اللاتينى التجول فى شارع فؤاد مرتديات القبعات الأنيقة والوقوف أمام متاجر الأثاث والتحف والملابس والزينة والإكسسوارات. اشتهر هذا الشارع بالحفلات والموسيقى والأضواء الباهرة التى كانت تنبعث من قصور الطبقة الأرستقراطية، وقد اختفت مظاهر الثراء من شارع فؤاد مع نهاية الستينيات من القرن الماضى، عندما هاجرت الجاليات الأجنبية، وتحولت القصور إلى مبان حكومية مما سلب الشارع رونقه، وأصبح الناس يلهثون فيه لقضاء مصالحهم الحكومية. ووسط الزحام والضجيج الذى يغمر الشارع فى ساعات الظهيرة؛ فإن فنجان شاى فى صالة "بسترودس" يمكن أن ينسيك كل الهموم، أما صالة «فينوس» -عند تقاطع شارع فؤاد مع شارع النبى دانيال- فكانت ملتقى الصفوة والزعماء، فقد كان من روادها فؤاد باشا سراج الدين مع أصدقائه، ومصطفى النحاس وأحمد ماهر وعلى باشا ماهر وإسماعيل صدقى وعبد الفتاح باشا الطويل. وحاليًا يضم هذا الشارع المتحف القومى، الذى كان فيلا لتاجر الأخشاب اليونانى باسيلى، وهى مبنية على الطراز الإيطالى الحديث، وقد ظل بها حتى عام 1954 ثم باعها للسفارة الأمريكية، ثم اشتراه المجلس الأعلى للآثار فى عام 1996، ويضم المتحف مجموعة رائعة من الآثار الغارقة التى تم انتشالها من مياه البحر المتوسط، وبه نحو 1800 قطعة أثرية تشمل جميع العصور، بدء من الدولة القديمة وحتى العصر الحديث، وهو يكمل المجموعة التى يحتويها المتحف اليونانى. وفى نهاية شارع فؤاد تواجهك ساعة الزهور التى تدق ساعاتها بانتظام أمام حدائق الشلالات التى تضم بقايا آثار الإسكندرية الإسلامية، مثل الأسوار القديمة وصهريج الشلالات المكون من ثلاثة طوابق، ومقسم طولاً وعرضًا إلى خمسة أقسام بواسطة أعمدة جرانيتية مختلفة الطرز والأشكال.. واستراحة قصيرة فى هذه الحدائق تمنحك لمسة من الانتعاش والحيوية.