«هناك 800 مليون نسمة من فقراء العالم الثالث محكوم عليهم بالموت المبكر بسبب سوء السكن، هؤلاء هم زبائنى، هذا هو العمل الذى يجب على المعمارى الاهتمام به، ولكنه لا يفعل، إن الأمر يشبه الطبيب حافى القدمين فى الصين.. إن هؤلاء يحتاجون إلى معمارى حافى القدمين».... هكذا عاش الإسكندرانى، حسن فتحى شيخ البنائين، واضعًا الفقراء نصب عينيه فى رحلة عطاء عمرها 89 عامًا، لم يتعامل خلالها مع المسكن على أنه مجرد جدران تأوى البشر، بل كانت بالنسبة له روحًا تنبض من أجل راحة ساكنيها. قال عنه الأديب جمال الغيطانى، فى تقديمه للطبعة العربية من كتاب «عمارة الفقراء»: «أصبح فكر سيد البنائين المصريين حسن فتحى ملكًا للإنسانية كلها، أفكاره المعمارية تتجسد فى مصر وأمريكا وأوربا وآسيا.. إنها ليست مجرد أفكار هندسية.. ولكنه بحث أصيل ودءوب فى الشخصية والهوية والتراث المعمارى والفكرى والحضارى للشرق». ولد شيخ البنائين فى محافظة الإسكندرية عام 1900 قبل أن ينتقل للعيش بالقاهرة مع أسرته، حصل على دبلوم العمارة من المهندس خانة – جامعة الملك فؤاد الأول -القاهرة حاليًا- 1926، وأصبح مهندسًا بالمجالس البلدية (1926 - 1930)، وتدرج بعدها فى عدة مناصب فأصبح مدرسًا بكلية الفنون الجميلة (1930 - 1946)، ورئيس إدارة المبانى المدرسية بوزارة المعارف (1949 - 1952)، وخبيرًا بمنظمة الأممالمتحدة لإعانة اللاجئين (1950)، مر حسن فتحى بعدة مراحل فى حياته، المرحلة الأولى 1926- 1937، بعد تخرجه مباشرة، وفيها كان يتبع الطرز العالمية فى البناء، المرحلة الثانية 1937- 1956، واتجه فيها إلى اكتشاف وإحياء العمارة المحلية وأبرز مشاريعها: قرية القرنة، حيث بناها تبعًا لطريقته فى بناء بيوت الفلاحين، وأثبت على نطاق واسع وواقعى، أن بناء القرى بالطوب اللبن تقل تكاليفه عن البناء بأى مادة صناعية أخرى، فضلاً عن تناسب هذا البناء مع البيئة المحيطة، المرحلة الثالثة 1957- 1962، هى فترة عمله فى اليونان وفيها قام بالعديد من المشاريع وشارك فى مشروع مدينة المستقبل، المرحلة الرابعة 1963-1980، هى أكثر المراحل إنتاجية وإبداعًا وأشهر مشاريعها قرية باريس، المرحلة الخامسة 1980- 1989، والتى انتهت بوفاته، قلّت فيها المشاريع، لدواعى التقدم فى السن وأهم مشاريعها هى قرية دار الإسلام، والذى نقل «حسن فتحى» إلى بؤرة الأضواء عالميًا، وأنجز جانبًا منه فى «نيومكسيكو» بالولايات المتحدةالأمريكية لحساب «منظمة دار الإسلام». استخدم «حسن فتحى» الطوب اللبن والطين فى البناء، بناء على شواهد أثبتت قوة ومتانة هذه الخامة فى البناء، فبعد بحوث علمية أجراها على النمط ذاته من المبانى التاريخية، التى تعود لأكثر من 2500 عام، استنتج قوة خاماته وتناسب تصاميمه، ومن تلك المبانى مخازن قمح «الرامسيوم» بمدينة الأقصر المصرية والمبنية بخامة الطوب اللبن ومسقوفة بالقباب. أثبت «حسن فتحى» من خلال تصميماته، أن الطوب الأخضر يتحمل الضغوط الواقعة عليه، وبذلك أخضع التكنولوجيا لاقتصاديات الأهالى الفقراء، بحيث تسمح بإنشاء هذه الأسقف المقببة بدون صابات أو عبوات خشبية. وخلال فترة عطائه، حصل على عدد من الجوائز، فهو أول فائز بجائزة نوبل البديلة RLA عام 1980، وفى عام 1984 على الميدالية الذهبية الأولى، من الاتحاد الدولى للمعماريين كأحسن مهندس معمارى فى العالم عن تصميمه «قبة الاتحاد الدولى للمعماريين «UIA» بأحسن مهندس معمارى فى العالم فى ذلك الوقت، ويضم هذا الاتحاد تسعة آلاف معمارى يمثلون 98 دولة، وأعلن وقتها أن نظرياته الإنشائية ومفاهيمه المعمارية يتم تدريسها للطلاب فى 44 جامعة بالولايات المتحدة وكندا وجامعات أخرى فى دول شمال أوربا، أما فى العام 1987 فحصل على جائزة «لويس سوليفان» للعمارة (ميدالية ذهبية) من الاتحاد الدولى للبناء والحرف التقليدية. وحصل على الجائزة التذكارية لكلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا عام 1988 وقد نالها خلال المؤتمر العلمى الرابع لها، وقد أعلن «حسن فتحى» عند تسلمه الجائزة أن هذا هو أول تكريم من محفل أكاديمى مصرى يحصل عليه فى حياته، وكان ذلك قبل وفاته بعام واحد. تُوفى المهندس العبقرى «حسن فتحى» عام 1989م دون أن يتزوج، تاركًا وراءه إرثًا عظيمًا من الأفكار، ليرثها كل الفقراء ومن يهتم بهم.