سيطر على آسيا كاملة وأجزاء من أوروبا وكان قائداً ذكياً يقدر العلماء ويختارهم مستشارين لم يستقر جنكيز خان على ديانة موحدة، فرغم ما تردد حول كونه يتبع ديانة «شامانية»، إلا أنه كان يصلى إلى جبل برخان خلدون، وكان يحرص على تعلم دروس الأخلاق فى الأديان والفلسفة. قسوته وصلت إلى حد اعتقاد المحيطين به أنه بلا قلب، دمرت جيوشه دولة الخلافة العباسية، وكأن ظروف يتمه تحولت فى نفسه إلى شعلة نار يحرق بها الجميع، إنه جنكيز خان قائد الجيش المغولى «التتار» الذى لم يُكْسر إلا فى مصر على يد سيف الدين قطز. ذاق جنكيز خان قسوة ومرارة الأيام فى مرحلة الطفولة وحمل عبئا كبيرا، خاصة بعد وفاة والده الذى كان رئيسا لقبيلة مغولية تدعى «قيات»، وكان عليه دور كبير فى تولى رئاسة القبيلة بعده برغم صغر سنة، ولكنه تطلع إلى ما هو أكبر من سنة بكثير. ملامح شخصيته عند الصغر تكشف عن معدنه فى الكبر، فمنذ ولادته كانت بقبضة يده قطعة دموية متجلطة، تدل على أن ذلك الطفل سيصبح قائدا له شأن كبير، وصار بالفعل قائدا عسكريا كبيرا حتى استطاع تأسيس إمبراطورية مغولية، تضاهى إمبراطورية الإسكندر المقدونى ، كان حاد الذكاء ويستطيع جذب الجميع إليه، حتى كوّن مملكة كبيرة بلغت حدودها من كوريا شرقا حتى بحر الصين جنوبا، كما استطاع امتلاك أجزاء كبيرة من أوربا الشرقية وومالك آسيا الوسطى. ولم يكن جنكيز خان اسمه الحقيقى، وإنما كان اسمه « تيموجين»، أما جنكيز خان فلقب بها وهى تعنى «الملك العالمى»، وكان يقدر العلماء ويجعلهم مستشاريه فى كل دولة يقيمها، وكان ذلك سببا فى نجاح إمبراطوريته. ولد جنكيز خان فى عام 1155م فى منطقة ديلوون بولدوغ، المعروفة الآن «بمنغوليا»، وكان والده رئيسا لقبيلة «قيات»، وهو الابن الثالث له، وكان له من أمه ثلاثة أشقاء وأخت وكانت بداية حياته قاسية، وصمم والده على تحديد زوجة نجله وهو ما زال طفلا، وأخذه والده قبل وفاته إلى أسرة زوجة المستقبل وتدعى «بورتة» ليعمل عند والدها حتى بلغ الثانية عشرة من عمره، وهو سن الزواج، وأثناء عودة أبيه إلى قبيلته تاركا نجله وسط أهل أسرة زوجة المستقبل مر على أعدائه فقدموا له طعاما مسموما فتوفى فى الحال، وعندما علم جنكيز خان «تيموجين» عاد مسرعا إلى أسرته مطالبا بحقه فى وراثة الحكم عن أبيه رغم أنه ما زال فى التاسعة من عمره، وهو ما رفضه أهالى قبيلته، وقامت أمه «أولين» بالانفصال عن القبيلة، وبدأت حياة القسوة معهم ومرت عليهم سنوات بؤس وقحط وكانوا يتغذون على ما يصطادونه هو وإخوته من الحيوانات والأسماك، حتى أنه قتل أحد أشقائه فى إحدى مرات الصيد أثناء توزيع الغنائم، وكان لوالدته فضل كبير فى تعليمه بعض الدروس عن المناخ الذى كانت تعيشه بلدتهم. وفى عام 1128 تعرض للأسر من قبيلة الطايجيت حلفاء والده السابقين، فحبسوه عندهم واستعبدوه، ولكنه تمكن من الهرب بمساعدة أحد الحراس المتعاطفين معه وبعدها تزوج من «بورتة» التى اختارها والده قبل وفاته. وحاولت قبيلة الميركيت أن تأخذ «بورتة» بعد زواجها من «تيموجين» بفترة قصيرة، وبالفعل اتخذها أحدهم زوجة له، إلا أن تيموجين تمكن من إنقاذها بمساعدة بعض أصدقائه، وكان له العديد من الزوجات وأنجب العديد من الأبناء والبنات. لم يستقر جنكيز خان على ديانة موحدة، فرغم ما تردد حول كونه يتبع ديانة «شامانية»، إلا أنه كان يصلى إلى جبل برخان خلدون، وكان يحرص على تعلم دروس الأخلاق فى الأديان والفلسفة ويستمع إلى الرهبان ورجال الدين المسلمين والمسيحيين. وبعد زواجه استطاع أن يستقطب ما يقرب من 100 رجل من قريته وقرية زوجته وقام بتدريبهم تدريبا شديدا، وعندما تم الهجوم عليهم من قبل إحدى القبائل انتصروا عليها وقاموا «بسلقهم»، واستطاع «تيموجين» الحفاظ على ممتلكات أسرته، واتحد مع بعض القبائل التى وجدت فيه قائدا كبيرا، واستطاع أن ينتصر على الرافضين ولايته من قبيلته الأصلية «قيات» حتى أعلنت الولاء له رغم أنه كان فى العشرين من عمره. وتمكن تيموجين من توسيع مملكته من خلال السيطرة على القبائل المجاورة واستطاع أن يسيطر على مناطق كبيرة من إقليم منغوليا، واستطاع أيضا السيطرة على «قره قورم» فى (603 ه - 1206م)، وهى أكبر العواصم فى منغوليا وجعلها قاعدة لمملكته، ومن هنا أطلق عليه لقب «جنكيز خان»؛ «الملك العالمى». وبعد مرور ثلاث سنوات سيطر جنكيز خان على منغوليا وتولى رئاسة عرشها، حيث قام بإنشاء مجلس للحكم، وأسس دستورا باسم «قانون الياسا» لتنظيم الأعمال اليومية وشئون حياتهم وراعى فيه مبادئ الأعراف بين القبائل، وشدد على كل مؤسسات الدولة العمل بهذا الدستور ومعاقبة المخالفين له. كانت إمبراطورية الصين من كبرى الإمبراطوريات فى العالم وكانت تتولى حكمها أسرة «سونج»، وكانت تعمل على الوقيعة بين منغوليا وتركيا، وكان جنكيز خان يتميز بالذكاء والدهاء فراح يخطط لكيفية إيقاف هذه المهزلة، وفى نفس الوقت نظر إلى أملاك الصين وكنوزها وفى عام (608 ه - 1211م) اندلعت الاشتباكات بين الصين ومنغوليا، وهاجم مملكة «هسى هسيا» وحاصرها بجيشه وسيطر على قبائل سور الصين العظيم. وفى عام 1214 م سيطر جيش جنكيز خان على إمبراطورية الصين، وعين حاكما عليها ثم سيطر على دول آسيا كاملة. بعد أن سيطر على الصين أراد جنكيز خان القضاء على أعدائه، وأثناء محاربتهم تعاون بعضهم مع محمد خوارزم شاه سلطان الدولة الخوارزمية، ولكن نحج جنكيز خان فى القضاء على الخوارزمى وأتباعه. ولم يكن لدى جنكيز خان بعد أن وسع إمبراطوريته سوى أن يدخل فى صراع مع الخوارزمى، حتى أنه وقع معه اتفاقيات ومعاهدات، إلا أن حاكم مدينة «إترار» الخوارزمية قتل تجارا من المغول أثناء ذهابهم إلى التجارة وهم عائدون بالبضائع، لأنه اعتقد أنهم جواسيس. لم يهدأ جنكيز خان، وطلب من الخوارزمى تسليم «ينال خان» حاكم المدينة الذى قتل نحو 450 تاجرا، إلا أن السلطان رفض، وقتل الوفد المرسل من جنكيز خان الذى أعد جيشا كبيرا وتحرك إلى بلاد ما وراء النهر، وسيطر على عدد من مدن السلطنة الخوارزمية دون مقاومة من خصمه؛ لأنه كان يقبل بكل وحشية على قتل الجميع وتدمير كل ما يقابله وقام بتتبع السلطان الخوارزمى الذى هرب إلى إحدى الجزر الصغيرة، واستطاع جنكيز خان القضاء على ثورة قامت لإسقاطه بمنغوليا وقام بإخمادها. وجلس على عرشه مرة أخرى وأوقف فتوحاته، وتولى مبادرة أعمال إمبراطريته التى شملت أجزاء كبيرة من العالم، واستقر به المقام داخل مدينة «تس جو» وظل قائما بها أكثرمن عدة أعوام، واشتد عليه المرض وكان فى السبعين من عمره حتى توفى ودفن بها وتولى مملكته نجله «أوكتاى»، وأخفى أبناؤه خبر وفاته، وأبعدوا الحراس عن خيمته حتى وصلوا به نهر «كيولين» فأعلنت وفاته أمام حشود الجيش المغولى، وتم دفنه فى قبر فى منطقة يصعب الوصول إليها. وهكذا كان «جنكيز خان» الذى ولد يتيما وعاش قسوة ومرارة الأيام،فقد استطاع أن يمتلك إمبراطورية كبرى ولكنه كونها بكل قسوة ودمار، مستخدما أبشع الأساليب للقضاء على أعدائه دون رحمة