يعد "ابن ماجد" أحد العباقرة في الحضارة الإسلامية، هو "شهاب الدين أحمد بن ماجد بن معلق السعدي" الملقب ب"أسد البحار"، كما لقب نفسه بشاعر القبلتين، وعرف لدى مؤرخي العلوم باسم "النجدي" نسبة إلى نجد بالجزيرة العربية، أما البرتغاليون فكانوا يسمونه "الملاندي" أو"الميرانتي"، أي أمير البحار، وينتسب إلى عائلة من الملاحين، وكان أبوه وجده ملاحين مشهورين، ويقول عن جده إنه كان نادرة في ذلك البحر (المحيط الهندي)، واستفاد منه في معرفة القياسات، وأسماء الأماكن، وصفات البحر والبحار. ويقول "الزركلي" إن ابن ماجد من مواليد نجد في قلب شبه الجزيرة العربية، إلا أن الدكتور عبد الحليم منتصر يشير إلى أن ابن ماجد ولد في جلفار (رأس الخيمة الآن) عام 836ه، كما أشارت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بسلطنة عمان إلى أنه من مدينة ظفار بسلطنة عمان. بدأ "ابن ماجد" وهو في سن العاشرة مصاحبة والده في رحلاته البحرية، وقاد تحت إشراف والده أول رحلة وهو في سن السابعة عشرة، وتعلم الفلك والرياضيات والجغرافيا جنبًا إلى جنب مع التاريخ والأدب، وألف أكثر من ثلاثين كتابا أسس فيها قواعد علم جديد هو علم البحار الذي لم يكن معروفًا من قبل، كما استحدث أدوات ملاحية جديدة أهمها "البوصلة البحرية" المقسمة إلى 22 درجة، والتي ما تزال مستعملة حتى الآن. ولم يقتصر نبوغ ابن ماجد على علم الجغرافيا فقط، بل نبغ في اللغة العربية، فتميز أسلوبه بالدقة في المعاني والألفاظ، وتكثيف الحقائق العلمية، والابتعاد عن الحشو في العرض، وكما نبغ في علوم الدين والتاريخ والأدب والأنساب، كان مطلعا على كثير من الكتب. وكان العرب قد عرفوا آلات ملاحية وفلكية لتحديد خطوط العرض معتمدين في ذلك على معرفتهم الدقيقة بمواقع النجوم، وهي الآلات التي أذهلت "فاسكو دا جاما" قائد الأسطول البرتغالي حين رآها مع أحمد بن ماجد، فعرض عليه العمل معه، وفى رحلته من "مالندي" على ساحل أفريقيا الشرقية في رحلته الشهيرة حول رأس الرجاء الصالح إلى الهند، وهي الرحلة التي أثارت جدلا بين المؤرخين. ومن إسهامات "ابن ماجد" أنه ابتكر وطور مع أصدقائه عدة أدوات، منها المزونة والإصطرلاب، واستطاع أن يجمع بين "وردة الرياح" و"الإبرة المغناطيسية"، مقدما آلة جديدة تمثل دائرة الأفق تبعًا للجهات الأصلية بناء على مطالع ومغارب نجوم معينة معروفة، وكانت هذه الآلة تستخدم لمعرفة المسافة التي تقطعها السفينة بين درجتين وكذلك زاوية السير وخط العرض. ويرجع الفضل إلى ابن ماجد في تثبيت الإبرة المغناطيسية فوق سن من الوسط يتحرك حركة حرة فوق قرص الرياح، وهو الاختراع الذي ظل حتى اليوم يعرف بالبوصلة البحرية، واعترفت الدوائر العلمية في العالم أجمع بفضل أحمد بن ماجد، فأقامت حكومة البرتغال نصبًا تذكاريا له في مدينة ماليندي تخليدا لذكراه، واعترافا بفضله على الملاحة العالمية وعلوم البحار. يعد كتاب ابن ماجد "الفوائد في أصول علم البحر والقواعد" من أهم ما يذكر في علم الملاحة البحرية وارتباطه بعلم البحار، ففيه يوضح ابن ماجد، تاريخ علم البحر والملاحة البحرية حتى القرن الخامس عشر الميلادي، ويلقي الضوء على مدى تأثر البرتغال بعلوم المسلمين، وبالتقاليد الملاحة البحرية بشكل عام وفي المحيط الهندي بشكل خاص. وفي الكتاب يتحدث عن العلوم والثقافات التي يجب أن يلم بها ربان السفينة، فيقول: "إن لركوب البحر أسبابا كثيرة أهمها معرفة المنازل والمسافات والقياس والإشارات وحلول الشمس والقمر والرياح ومواسمها ومواسم البحر البحرية"، وأسهم "ابن ماجد" بعدد من المؤلفات الأخرى مثل: "حاوية الاختصار في أصول علم البحار" و"تحفة الفحول في تمهيد الأصول " و"المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر" و"الأرجوزة السبعية". ولا يعرف بالتحديد تاريخ وفاة ابن ماجد، وإن كان يرجح أنه توفى عام 904 هجرية.