هناك.. في أحد الشوارع الجانبية بالهرم، حيث يختلط صوت الباعة الجائلين مع صخب الشارع الذي تسيطر عليه أصوات "كلاكسات" السيارات العابرة، والمارة السائرون على جنبات الطريق، تقبع مدرسة "التربية الفكرية". رغم حالة الضجيج المتحكمة في المكان، فإن الاقتراب من حيز المدرسة، ينهى حالة الضجيج تلك، لتدخل في رحاب مساحة من السكون، تدفعك دفعا لاستكشاف الأمر، وما أن تستجيب لتلك الفكرة، وتخطو قدماك عابرة بك البوابة الخاصة بها، تقابل وجوه العشرات من طلاب المدرسة تلك، الذين قرروا أن يستمتعوا بكل لحظات الحياة، بل بحفر أسمائهم على جدران التاريخ بأحرف من نور، متحدين الإعاقة الذهنية التي أصابتهم، ولديهم إصرار كامل على المضى قدما في طريق النجاح. حامد سعيد.. أحد هؤلاء الذين كانوا ضحايا الخلافات والانفصال بين الأسرة، فبدل من يلقى الرعاية التي تعينه على تحمل مصاعب الحياة في ظل الإعاقة الذهنية التي ولد بها، وجد نفسه في أسرة وظروف عائلية فشلت في احتوائه، فقرر أن يتحدى الإعاقة التي لم يكن له يد في أن يصاب بها، وجاهد من أجل أن يصنع لنفسه عالما آخر ويتحدى كل الظروف. "حامد"، الذي يعمل حاليا كفرد أمن داخل المدرسة، استطاع بالفعل تحقيق العديد من البطولات والميداليات الذهبية في لعبة الهوكى مع المنتخب الوطنى لذوى الاحتياجات الخاصة، وكانت آخر تلك البطولات هي ذهبية بطولة العالم التي أقيمت في النمسا مؤخرًا. في البداية قال "حامد": أنا من أبناء مدرسة التربية الفكرية بالهرم، حصلت على العديد من البطولات العالمية في رياضة الهوكي، كان أهمها تحقيق بطولة العالم للهوكى الأرضى 3 مرات على التوالى مع المنتخب الوطنى، ومدرس التربية الرياضية هو أول من اكتشف موهبتى، واتجهت إلى طريق الاحتراف عندما كان عمرى 15 عامًا فقط، بعدما شاهدنى الكابتن أحمد سليمان، المدير الفنى لمنتخب الهوكي، خلال مباراة بالمدرسة السعيدية، فطلب ضمى إلى الفريق وأجرى لى عدة اختبارات. "الحمد لله في كل بطولة بثبت نفسى للأحسن" جملة أخرى قال "حامد" ساردًا بطولاته التي بدأت في سوريا عام 2010، عندما أحرز لقب أول عرب في البطولات البارالمبية، التي تجرى كل أربع سنوات، كما حصل على أول عالم في كوريا عام 2013، وأول عالم في النمسا عام 2017، كما أعطى له رئيس الأوليمياد العالمى ميدالية لتكريمه، وعلى المستوى المحلي، حاز على المركز الثانى على الجمهورية في رياضة التنس. «كل اللى بتمناه إنى أحصل على وظيفة ثابتة تعيننى على ظروف الحياة».. تلك الكلمات اختارها "حامد" لتعبر عن أمنيته التي هي في الأصل تعتبر حقا من حقوقه، التي من المفترض أن تكفلها الدولة له، خاصة أن القانون ينص على تعيين 5% من ذوى الإعاقة الخاصة داخل المؤسسات، كما يعتبر ذلك حقا أدبيا له تقديرا للبطولات والجوائز التي حصل عليها ابن الخامسة والعشرين والذي يعمل بعقد داخلى وليس وظيفة ثابتة، وأصبح أقصى ما يتمناه الحصول على وظيفة ثابتة تعينه على ظروف الحياة خاصة مع زيادة الأعباء عليه بعد زواجه منذ قرابة العامين. من جانبها قالت انتصار عرفات، مديرة مدرسة التربية الفكرية: حامد جاء إلى المدرسة وهو في عامه السادس، ودفعه انفصال أبويه إلى المكوث في القسم الداخلى بالمدرسة، الذي يقدم وجبات إفطار وغداء وعشاء للأطفال، كما أنه لم يجد من يعطيه الرعاية الاجتماعية لشخص مثله يعانى من إعاقة ذهنية بسيطة سوى المدرسة، فأصبحت مأواه الوحيد خاصة مع تجاهل أقاربه للسؤال عنه أو أخذه خلال أيام العطلات. وأضافت: خلال فترة الصيف واجه صعوبة في إقامته مع والديه، والمدرسة لم تستطع توفير القسم الداخلى له خلال فترة الإجازة، لذا ذهب للعمل مع المدرسين الذين يمتلكون ورشًا يعملون بها، فعمل نجارا وكهربائيا واعتمد على نفسه منذ صغره، رغم أنه يعانى من إعاقة ذهنية بسيطة. "انتصار" أوضحت أن إقامة "حامد" داخل المدرسة سمحت له بتجربة كل الأنشطة الرياضية، ولعب كرة القدم والطائرة والتنس، ليتميز في رياضة الهوكي، وأكملت: عقب تخرجه من المدرسة منذ أربع سنوات، ظل خلال عام كامل يكافح لكى يعيش وعمل «شيال»، لكنه لم يتمكن من إيجاد طريق له وتحمل ظروف الحياة القاسية على الشخص العادي. وأشارت إلى أنها أعادته مرة أخرى إلى المدرسة ليعمل كفرد أمن بموجب عقد داخلى نتيجة لعدم توافر تعاقدات خارجية، وعلى مدى ثلاث سنوات لم يخلق أي مشكلات، فهو بمثابة شخص طبيعي.