نيسان تشارك ب4 سيارات سيدان ودفع رباعي ب«معرض بكين».. لن تصدق مواصفاتها    لندن تستدعي سفير روسيا احتجاجا على نشاط خبيث على أراضيها    إبراهيما نداي قبل مواجهة دريمز الغاني: لن نخذل جماهير الزمالك    الحماية المدنية تسيطر على حريق داخل محطة محولات كهرباء بمدينة المنيا    كلام نهائي.. موعد امتحانات نهاية العام وبدء الأجازة بالجامعات    هل انفصل أحمد السقا عن زوجته مها الصغير؟.. رسالة غامضة تثير الجدل على فيسبوك    دينا فؤاد: «نور الشريف تابعني كمذيعة وقال وشها حلو.. وأرفض أي مشهد فيه فجاجة»    توب مكشوف.. هنا الزاهد تغازل جمهورها في أحدث ظهور    سميرة أحمد تكشف سر خلافها مع وفاء صادق    ذوي الهمم والعمالة غير المنتظمة وحماية الأطفال، وزارة العمل تفتح الملفات الصعبة    الصحة تكشف خطة تطوير مستشفيات محافظة البحيرة    فصل طالبة مريضة بالسرطان| أول تعليق من جامعة حلوان.. القصة الكاملة    العمل في أسبوع.. حملات لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية.. والإعداد لإطلاق الاستراتيجية الوطنية للتشغيل    محافظ القاهرة: تطبيق المواعيد الصيفية لفتح وغلق المحال بكل حزم    الزراعة: إصلاح الفدان الواحد يكلف الدولة 300 ألف جنيه    وزيرة التخطيط: الفجوة التمويلية في الدول النامية تصل إلى 56%    برلماني: استرداد سيناء ملحمة وطنية تتناقلها الأجيال    كرم جبر : الرئيس السيسي رفض الرد على نتنياهو أكثر من مرة    اختفاء دول.. خبير أبراج يتوقع مرور العالم بأزمات خطيرة    مفتقداكي يا خيرية.. سميرة أحمد تبكي على الهواء بسبب شقيقتها    جماعة الحوثي تشن 5 هجمات ضد السفن في البحر الأحمر.. فيديو    الكشف الطبي بالمجان على 1058 مواطنا في دمياط    الأونروا: قطاع غزة يشهد موجة حر غير عادية فاقمت الأزمة المعيشية    كرم جبر: الجهود المصرية تركز على عدم اقتحام إسرائيل لرفح الفلسطينية    وزيرة «التخطيط» تشارك بمنتدى التمويل من أجل التنمية بالأمم المتحدة    وكيل صحة الشرقية يتفقد مستشفى فاقوس المركزي ويحيل مشرف التغذية للتحقيق    الاحتفاء بالشاعر عيد صالح في العودة إلى الجذور بدمياط.. الاثنين المقبل    صلاح ضمن التشكيل الأفضل للدوري الإنجليزي    الغيابات تضرب الاتحاد قبل مواجهة الجونة    علاقة متوترة بين انريكي ومبابي.. ومستقبل غامض لمهاجم باريس سان جيرمان    مسؤول إسرائيلي: بلينكن يزور إسرائيل الأسبوع المقبل لبحث صفقة جديدة    تعرف على أهداف الحوار الوطني بعد مرور عامين على انطلاقه    مساعد وزير التعليم: 8236 مشروعا تعليميا ب127 ألف فصل    شركة GSK تطرح لقاح «شينجريكس» للوقاية من الإصابة بالحزام الناري    إصابة 6 أشخاص في انقلاب سرفيس على صحراوي قنا    تكثيف أعمال التطهير لشبكات الصرف الصحي بمحافظات القناة    مصرع طفل سقط في مصرف زراعي بالفيوم    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    الأمم المتحدة للحق في الصحة: ما يحدث بغزة مأساة غير مسبوقة    مؤتمر تين هاج: تطورنا بطريقة جيدة للغاية.. وهذا ما طلبته من اللاعبين    رضا العزب: شيكابالا مش أسطورة    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    الوكالة اللبنانية: الجيش الإسرائيلي قصف عناصر دفاع مدني أثناء إخمادهم حريقا    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    أول تعليق من كلوب بعد تقارير اتفاق ليفربول مع خليفته    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة «Thinqi»    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    سويسرا تؤيد خطة مُساعدات لأوكرانيا بقيمة 5.5 مليار دولار    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«هدي خير العباد» من «زاد المعاد» ج 2◄36
نشر في فيتو يوم 17 - 12 - 2016

ومازالت القراءة مستمرة في كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد»، للإمام العلامة شيخ الإسلام؛ محمد بن أبى بكر بن سعد بن جرير الزرعى «ابن قيم الجوزية» الجزء الثاني.. احتفاء واحتفالا بذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، خير الأنام محمد بن عبدالله، الرسول الكريم، صاحب القرآن العظيم والمعجزات الخالدة، والذي أعزه الله بها وجعلها شاهدة على صدق نبوته، وحمله لرسالة الإسلام للناس كافة بشيرا ونذيرا.. صلى الله عليه وسلم.. حيث ننهل من سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم، ليكون شفيعا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون...
حيث نتابع القراءة في الجزء الثاني من هذا «الكتاب القيم»...
ولا خلاف أن عُمَرَهُ لم تَزِد على أربع، فلو كان قد اعتمر فى رجب، لكانت خمساً، ولو كان قد اعتمر فى رمضان، لكانت ستاً، إلا أن يُقال: بعضُهن فى رجب، وبعضهن فى رمضان، وبعضُهن فى ذى القِعْدة، وهذا لم يقع، وإنما الواقع: اعتمارُه فى ذى القِعْدة كما قال أنس رضى اللَّه عنه، وابن عباس رضى اللَّه عنه، وعائشة رضى اللَّه عنها، وقد روى أبو داود فى سننه عن عائشة، ((أن النبى صلى الله عليه وسلم اعتمر فى شوَّال)) . وهذا إذا كان محفوظاً فلعلَّه فى عُمرة الجِعْرَانَةِ حين خرج فى شوَّال، ولكن إنما أحرم بها فى ذى القِعْدة .

◄ فى كون عُمَر الرسول صلى الله عليه وسلم كلها كانت داخلاً إلى مكة

ولم يكن فى عُمْرِهِ عُمْرَةٌ واحِدة خارجاً من مكة كما يفعلُ كثيرٌ من الناس اليوم، وإنما كانت عُمَرُهُ كُلُّها داخلاً إلِى مكة، وقد أقام بعد الوحى بمكة ثلاث عشرة سنة لم يُنقل عنه أنه اعتمر خارجاً من مكة فى تلك المدة أصلاً .

فالعُمْرة التى فعلها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وشرعها، هى عُمْرةُ الداخل إلى مكة، لا عُمْرةُ مَن كان بها فيخرُج إلى الحل لِيعتمرَ، ولم يفعل هذا على عهده أحد قطُّ إلا عائشة وحدها بين سائر مَن كان معه، لأنها كانت قد أُهلَّت بالعُمرة فحاضت، فأمرها، فأدخلت الحجَّ على العُمرة، وصارت قارِنة، وأخبرها أنَّ طوافها بالبيت وبين الصفا والمروة قد وقع عن حجتها وعُمْرتها، فوجدت فى نفسها أن يَرجعَ صواحباتها بحج وعُمْرة مستقلين، فإنهنَّ كنَّ متمتعات ولم يحضن ولم يقرِنَّ، وترجعُ هى بعُمْرة فى ضمن حَجَّتها، فأمر أخاها أن يُعمِرَها من التنعيم تطييباً لقلبها، ولم يعتمِرْ هو من التنعيم فى تلك الحجَّة ولا أحد ممن كان معه، وسيأتى مزيد تقرير لهذا وبسط له عن قريب إن شاء اللَّه تعالى .

◄ فى كون عُمَر الرسول صلى الله عليه وسلم كلها كانت فى أشهر الحج

دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مكة بعد الهجرة خمسَ مرات سِوى المرةِ الأولى، فإنه وصل إلى الحُديبية، وصُدَّ عن الدخول إليها، أحرم فى أربع مِنهنَّ مِن الميقات لا قبله، فأحرم عام الحُديبية من ذى الحُليفة، ثم دخلها المرة الثانية، فقضى عُمْرته، وأقام بها ثلاثاً، ثم خرج، ثم دخلها فى المرة الثالثة عامَ الفتح فى رمضان بغير إحرام، ثم خرج منها إلى حُنين، ثم دخلها بعُمْرة من الجِعرانة ودخلها فى هذه العُمْرة ليلاً، وخرج ليلاً، فلم يخرج من مكة إلى الجِعرانة ليعتمِر كما يفعلُ أهلُ مكة اليوم، وإنما أحرم منها فى حال دخوله إلى مكة، ولما قضى عُمْرته ليلاً، رجع من فوره إلى الجِعرانة، فبات بها، فلما أصبح وزالتِ الشمسُ، خرج من بطن سَرِفَ حتى جامَع الطريق [طريق جَمْعٍ بِبَطْنِ سَرِف]، ولهذا خفيت هذه العُمرة على كثير من الناس.

والمقصود، أن عُمَرَهُ كلَّها كانت فى أشهر الحج، مخالفةً لهَدْى المشركين، فإنهم كانوا يكرهون العُمْرة فى أشهر الحج، ويقولون: هى من أفجر الفجُور، وهذا دليل على أن الاعتمار فى أشهر الحج أفضلُ منه فى رجب بلا شك .

وأما المفاضلةُ بينه وبين الاعتمار فى رمضان، فموضع نظر، فقد صح عنه أنه أمر أم مَعقِل لما فاتها الحجُ معه، أن تعتمِرَ فى رمضان، وأخبرها أَنَّ عُمْرَةً فى رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّة .

وأيضاً: فقد اجتمع فى عُمْرة رمضان أفضلُ الزمان، وأفضلُ البقاع، ولكنَّ اللَّه لم يكن لِيختار لنبيه صلى الله عليه وسلم فى عُمَرِهِ إلاَّ أولى الأوقات وأحقَّها بها، فكانت العُمْرةُ فى أشهر الحج نظيرَ وقوع الحج فى أشهره، وهذه الأشهر قد خصَّها اللَّه تعالى بهذه العبادة، وجعلها وقتاً لها، والعمرةُ حجٌّ أصغر، فأولى الأزمنة بها أشهرُ الحج، وذو القِعْدة أوسطُها، وهذا مما نستخير اللَّه فيه، فمَن كان عنده فضلُ علم، فليرشد إليه .

وقد يُقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يشتغِل فى رمضان مِن العبادات بما هو أهمُّ مِن العُمْرة، ولم يكن يُمكنه الجمعُ بين تلك العبادات وبينَ العُمرة، فأخَّر العُمرة إلى أشهر الحج

ووفَّر نفسه على تلك العبادات فى رمضانَ مع ما فى ترك ذلك من الرحمة بأُمته والرأفة بهم، فإنه لو اعتمرَ فى رمضان، لبادرت الأُمة إلى ذلك، وكان يشُقُّ عليها الجمعُ بين العُمْرةِ والصومِ، ورُبما لا تسمح أكثرُ النفوس بالفطر فى هذه العبادة حرصاً على تحصيل العُمْرة وصومِ رمضان، فتحصُل المشقةُ، فأخَّرها إلى أشهر الحج، وقد كان يترُك كثيراً من العمل وهو يُحب أن يعمله، خشية المشقة عليهم .

ولما دخل البيت، خرج منه حزيناً، فقالت له عائشة فى ذلك؟ فقال: ((إنِّى أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ شَقَقْتُ عَلى أُمّتى))، وهمَّ أن ينزل يستسقى مع سُقاة زمزم للحاج، فخاف أن يُغْلَب أَهلُها على سِقايتهم بعده . واللَّه أعلم .

◄ فى أنه لم يُحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر فى السنة إلا مرة واحدة

ولم يُحفظ عنه صلى اللَه عليه وسلم، أنه اعتمر فى السنة إلا مرَّة واحدة، ولم يعتمِرُ فى سنة مرتين، وقد ظن بعضُ الناس أنه اعتمَرَ فى سنة مرتين، واحتج بما رواه أبو داود فى سننه عن عائشة،((أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، اعتمَرَ عُمْرَتَين: عُمْرة فى ذى القِعْدة، وعُمْرة فى شوّال)) . قالوا: وليس المرادُ بها ذكرَ مجموع ما اعتمر، فإن أنساً، وعائشة، وابن عباس، وغيرهم قد قالوا: إنه اعتمر أربَعَ عُمَرٍ، فعُلِمَ أن مُرادَها به أنه اعتمر فى سنة مرتين، مرة فى ذى القِعْدة، ومرة فى شوَّال، وهذا الحديث وهم، وإن كان محفوظاً عنها، فإن هذا لم يقع قطُّ، فإنه اعتمرَ أربع عُمَرٍ بلا ريب: العُمْرةُ الأولى كانت فى ذى القِعْدة عُمرة الحديبية، ثم لم يعتمِرْ إلى العام القابل، فاعتمر عُمْرة القضية فى ذى القِعْدة، ثم رجع إلى المدينة ولم يخرُج إلى مكة حتى فتحها سنةَ ثمان فى رمضان، ولم يعتمِرْ ذلك العام، ثم خرج إلى حُنين فى ست من شوَّال وهزَم اللَّه أعداءه، فرجع إلى مكة، وأحرم بعُمْرة، وكان ذلك فى ذى القِعْدة كما قال أنس وابنُ عباس، فمتى اعتمر فى شوال؟ ولكن لقى العدوَّ فى شوَّال، وخرج فيه من مكة، وقضى عُمرته لما فرغ من أمر العدوِّ فى ذى القِعْدة ليلاً، ولم يَجْمَعْ ذلك العامَ بين عُمرتين، ولا قَبلَه ولا بعدَه، ومَنْ له عِناية بأيامه صلى اللَّه عليه وسلم وسيرته وأحواله، لا يشكُّ ولا يرتابُ فى ذلك .

فإن قيل: فبأى شئ يستحِبُّون العُمْرة فى السنة مِراراً إذا لم يُثبتوا ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم؟ قيل: قد اختُلِف فى هذه المسألة، فقال مالك: أكره أن يعتمِرَ فى السنة أكثرَ من عُمرة واحدة، وخالفه مُطرِّف من أصحابه وابنُ المَوَّاز، قال مطرِّف: لا بأس بالعُمرة فى السنة مِراراً، وقال ابن الموَّاز: أرجو أن لا يكون به بأس، وقد اعتمرت عائشةُ مرَّتين فى شهر، ولا أرى أن يُمنع أحدٌ من التقرب إلى اللَّه بشئ من الطاعات، ولا من الازدياد من الخير فى موضع، ولم يأت بالمنع منه نص، وهذا قولُ الجمهور، إلا أن أبا حنيفة- رحمه اللَّه تعالى- استثنى خمسة أيام لا يُعتمر فيها: يوم عرفة، ويومَ النحر، وأيام التشريق، واستثنى أبو يوسف رحمه اللَّه تعالى: يومَ النحر، وأيامَ التشريق خاصة، واستثنت الشافعية البائِت بمِنَى لرمى أيام التشريق . واعتمرت عائشة فى سنة مرتين . فقيل للقاسم: لم ينكر عليها أحد؟ فقال: أََعَلى أُمِّ المؤمنين؟، وكان أنس إذا حَمَّمَ رَأْسَه، خرج فاعتمر.

ويُذكر عن علىٍّ رضى اللَّه عنه، أنه كان يعتمر فى السنة مِراراً، وقد قال صلى اللَّه عليه وسلم: ((العُمَرَةُ إلى العُمْرَة كَفَّارَةٌ لما بَيْنَهُمَا)) . ويكفى فى هذا، أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم، أعمرَ عائشة من التَّنعيم سوى عمرتِها التى كانت أهلَّت بها، وذلك فى عامٍ واحد، ولا يُقال: عائشة كانت قد رفضت العُمْرة، فهذه التى أهلَّت بها من التنعيم قضاء عنها، لأن العُمْرة لا يَصِحُ رفضُها . وقد قال لها النبى صلى الله عليه وسلم: ((يَسَعُكِ طَوَافُك لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِك)) وفى لفظ: ((حَلَلْتِ مِنْهمَا جَميعاً)).

فإن قيل: قد ثبت فى صحيح البخارى: أنه صلى اللَّه عليه وسلم قال لها: ((ارفُضى عُمْرَتَك وانقُضى رَأْسَكِ وامْتَشِطى))، وفى لفظ آخر: ((انقُضى رَأسَكِ وامتشطى))، وفى لفظ: ((أَهِلِّى بالحَجِّ، ودَعى العُمْرَة))، فهذا صريح فى رفضها من وجهين، أحدهما: قوله: ((ارفُضيها ودعيها))، والثانى: أمره لها بالامتشاط.

قيل: معنى قوله: ((ارفُضيها)): اتركى أفعالها والاقتصار عليها، وكونى فى حَجَّة معها، ويتعين أن يكونَ هذا هو المراد بقوله: ((حَلَلْتِ مِنْهُما جَمِيعاً))، لما قضت أعمالَ الحج، وقوله: ((يَسَعُكِ طَوافُكِ لِحَجِّكِ وعُمْرَتِكِ))، فهذا صريح فى أن إحرام العُمْرة لم يُرفض، وإنما رُفضَتْ أعمالُها والاقتصارُ عليها، وأنها بانقضاء حجَّها انقضى حجُّها وعمرتُها، ثم أعمرها من التنعيم تطييباً لقلبها، إذ تَأتى بعُمْرة مستقِلَّة كصواحباتها، ويوضح ذلك إيضاحاً بيِّناً، ما روى مسلم فى ((صحيحه))، من حديث الزهرى، عن عروة، عنها قالت: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى حَجَّة الوداع، فحِضتُ، فلم أزل حائضاً حتى كان يومُ عرفة، ولم أُهِلَّ إلاَّ بعُمرة، فأمرنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أنقُضَ رأسى وامتشِطَ، وأُهِلَّ بالحج، وأترك العُمْرة، قالت: ففعلتُ ذلك، حتى إذا قضيتُ حَجِّى، بعث معى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبى بكر، وأمرنى أن أعتمِرَ من التنعيم مكانَ عُمرتى التى أدركنى الحجُّ ولم أُهِلَّ منها . فهذا حديثٌ فى غاية الصحة والصراحة، أنها لم تكن أحلَّت من عُمْرتها، وأنها بقيت مُحْرِمة حتى أدخلت عليها الحجّ، فهذا خبرُها عن نفسها، وذلك قولُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لها، كُلٌّ منهما يوافق الآخر، وباللَّه التوفيق .

وفى قوله صلى اللَّه عليه وسلم: ((العُمْرةُ إلى العُمْرةِ كفَّارةٌ لما بينهما، والحَجُّ المبرورُ ليس له جزاء إلا الجنة)) دليلٌ على التفريق بين الحج والعُمْرة فى التكرار، وتنبيهٌ على ذلك، إذ لو كانت العمرةُ كالحج، لا تُفعل فى السنة إلا مرة، لسًوَّى بينهما ولم يُفرِّق .

وروى الشافعى رحمه اللَّه، عن علىّ رضى اللَّه عنه، أنه قال: اعْتَمِرْ فى كل شهر مرة . وروى وكيع، عن إسرائيل، عن سُويد بن أبى ناجية، عن أبى جعفر، قال: قال علىُّ رضى اللَّه عنه: ((اعْتَمِرْ فى الشَّهْرِ إنْ أَطَقْتَ مراراً)). وذكر سعيد بن منصور، عن سفيان بن أبى حسين، عن بعض ولد أنس، أن أنساً كان إذا كان بمكة فَحَمَّمَ رَأْسُهُ، خَرَجَ إلى التَّنْعِيمِ فاعْتَمَرَ .


◄ فى سياق هَدْيه صلى اللَّه عليه وسلم فى حَجَّته

لا خلاف أنَّه لم يَحُجَّ بعد هجرته إلى المدينة سِوى حَجَّةٍ واحدة، وهى حَجة الوَداع، ولا خلاف أنها كانت سنةَ عشر .

واختُلِفَ: هل حجَّ قبل الهجرة؟ فروى الترمذى، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنه، قال: ((حجَّ النبى صلى الله عليه وسلم ثلاثَ حِجج، حَجَّتَيْن قبل أن يُهاجر، وحَجَّة بعد ما هاجر معها عُمْرة)) . قال الترمذى: هذا حديث غريب من حديث سفيان . قال: وسألتُ محمداً يعنى البخارى عن هذا، فلم يعرفه من حديث الثورى، وفى رواية: لا يُعدُّ الحديث محفوظاً .

ولما نزل فرضُ الحج . بادر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الحجِّ من غير تأخير، فإنَّ فرضَ الحج تأخَّر إلى سنة تسع أو عشر، وأما قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، فإنها وإن نزلت سنةَ ستٍّ عام الحديبية، فليس فيها فرضيَّةُ الحج، وإنما فيها الأمرُ بإتمامه وإتمام العُمرة بعد الشروع فيهما، وذلك لا يقتضى وجوبَ الابتداء، فإن قيل: فَمِنْ أين لكم تأخير نزول فرضه إلى التاسعة أو العاشرة؟ قيل: لأن صدر سورةِ آل عمران نزل عامَ الوفود، وفيه قَدِم وفدُ نجران على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وصالحهم على أداءِ الجزية، والجزية إنما نزلت عامَ تبوك سنة تسع، وفيها نزل صدرُ سورة آل عمران، وناظرَ أهل الكتاب، ودعاهم إلى التوحيد والمبُاهلة، ويدلُّ عليه أن أهلَ مكة وجدوا فى نفوسهم على ما فاتهم من التجارة من المشركين لما أنزل اللَّه تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُواْ المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28]، فأعاضهم اللَّه تعالى من ذلك بالجزية، ونزولُ هذه الآيات، والمناداةُ بها، إنما كان فى سنة تسع، وبعث الصِّدِّيق يؤذِّن بذلك فى مكة فى مواسم الحج، وأردفه بعلىٍّ رضى اللَّه عنه، وهذا الذى ذكرناه قد قاله غير واحد من السَلَف، واللَّه أعلم.

◄ فى وصف حَجَّه النبى صلى الله عليه وسلم

ولما عزم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الحجِّ أعلم الناس أنه حاج، فتجهزوا للخروج معه، وسمِع ذلك مَنْ حول المدينة، فَقَدِمُوا يُريدون الحجَّ مع رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ووافاه فى الطريق خلائقُ لا يُحصَون، فكانُوا مِن بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله مدَّ البصر، وخرجَ من المدينة نهاراً بعد الظهر لِسِتٍّ بَقِينَ مِن ذى القِعْدةِ بعد أن صلَّى الظهرَ بها أربعاً، وخطبهم قبل ذلك خُطبةً علَّمهم فيها الإحرام وواجباتِه وسننه.

وقال ابن حزم: وكان خروجُه يومَ الخميس، قلتُ: والظاهر: أن خروجَه كان يوم السبت، واحتج ابنُ حزم على قوله بثلاث مقدمات، إحداها: أن خروجه كان لِسِتٍّ بَقِينَ من ذى القعدة، والثانية: أن استهلال ذى الحِجة كان يومَ الخميس، والثالثة: أن يوم عرفة كان يومَ الجمعة، واحتج على أن خروجه كان لسِت بقين من ذى القِعْدة، بما روى البخارى من حديث ابن عباس:
((انطلق النبىُّ صلى الله عليه وسلم مِن المدينة بعد ما تَرَجَّلَ وادَّهَنَ ...)) فذكر الحديث، وقال:وذلك لخمس بَقين من ذِى القِعْدة .

قال ابن حزم: وقد نصَّ ابنُ عمر على أن يَوْمَ عرفة، كان يَوْمَ الجمعة، وهو التاسع، واستهلال ذى الحِجة بلا شك ليلة الخميس، فآخر ذى القِعْدة يوم الأربعاء، فإذا كان خرُوجُه لسِتِّ بَقين من ذى القِعْدة، كان يومَ الخميس، إذ الباقى بعده ستُّ ليالٍ سواه .

ووجه ما اخترناه، أن الحديث صريحٌ فى أنه خرج لِخمسٍّ بَقين وهى: يوم السبت، والأحد، والإثنين، والثلاثاء، والأربعاء، فهذه خمس، وعلى قوله: يكون خروجه لسبعٍّ بقين . فإن لم يَعِدْ يوم الخروج، كان لستٍّ، وأيُّهما كان، فهو خلافُ الحديث . وإن اعتبر الليالى، كان خروجُه لسِت ليال بقين لا لخمس، فلا يَصِحُّ الجمعُ بين خروجه يوم الخميس، وبينَ بقاء خمس من الشهر البتة، بخلافِ ما إذا كان الخروجُ يوم السبت، فإن الباقى بيوم الخروج خمسٌ بلا شك، ويدلُّ عليه أن النبى صلى الله عليه وسلم ذكر لهم فى خطبته على مِنبره شأن الإحرام، وما يلبَسُ المحرِمُ بالمدينة، والظاهر: أن هذا كان يومَ الجمعة، لأنه لم يُنقل أنه جمعهم، ونادى فيهم لحضور الخُطبة، وقد شهد ابنُ عمر رضى اللَّه عنهما هذه الخطبة بالمدينة على منبره . وكان مِن عادته صلى اللَّه عليه وسلم أن يُعلِّمهم فى كلِّ وقت ما يحتاجون إليه إذا حضر فعله، فأولى الأوقات به الجمعة التى يليها خروجُه، والظاهر: أنه لم يكن لِيدَعَ الجمعة وبينه وبينها بعضُ يوم من غير ضرورة، وقد اجتمع إليه الخلقُ، وهو أحرصُ الناس على تعليمهم الدِّين، وقد حضر ذلك الجمع العظيم، والجمعُ بينه وبين الحج ممكنٌ بلا تفويت، واللَّه أعلم .

ولما علم أبو محمد بن حزم، أن قول ابن عباس رضى اللَّه عنه، وعائشة رضى اللَّه عنها: خرج لخمس بَقين من ذى القِعْدة، لا يلتئمُ مع قوله أوَّله بأن قال: معناه أن اندفاعه من ذِى الحُليفة كان لخمس، قال: وليس بين ذى الحُليفة وبين المدينة إلا أربعةُ أميال فقط، فلم تُعَدْ هذه المرحلة القريبة لِقلَّتها، وبهذا تأتلِف جميعُ الأحاديث. قال: ولو كان خروجُه من المدينة لخمسٍ بقين لذى القِعْدة، لكان خروجُه بلا شك يَوْمَ الجمعة، وهذا خطأ، لأن الجمعة لاتصلَّى أربعاً، وقد ذكر أنس، أنهم صلُّوا الظهر معه بالمدينة أربعاً...
قال: ويزيده وضوحاً، ثم ساق من طريق البخارى، حديث كعب بن مالك: ((قلَّما كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يخرُج فى سفر إذا خرج، إلا يومَ الخميس))، وفى لفظ آخر: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يُحب أن يخرُج يومَ الخميس، فبطل خروجه يومَ الجمعة لما ذكرنا عن أنس، وبطل خروجُه يوم السبت، لأنه حينئذ يكون خارجاً من المدينة لأربعٍ بَقين من ذى القِعدة، وهذا ما لم يقله أحد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.