سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
محكمة باب الخلق حكاية تعود ل129 عامًا.. شهدت محاكمة السادات .. تم تحويلها إلى متحف قضائى.. اختارها الملك فؤاد ليحتفل فيها بالعيد الذهبى لإنشاء المحاكم الأهلية.. يتردد عليها سنويًا 3 ملايين مواطن
فى قلب باب الخلق بالقاهرة، وعلى مدى أكثر من 129عاما ظل مبنى محكمة جنوبالقاهرة هو العلامة المميزة للمكان، فالمبنى عتيق بطرازه التاريخى وملامحه الإنجليزية وقاعاته الست التى كثيرا ما نظرت بداخلها قضايا شغلت الرأى العام، وأصدرت منصتها أحكاما تاريخية يذكرها المصريون لسنوات طويلة، يصلح أن يكون شاهدا على العصر. وقصة هذا المبنى أوشكت على الانتهاء بعد نشوب حريق صباح اليوم استمر على مدى أكثر من ساعتين، نظرا لضيق الشارع المجاور لمقر المحكمة من جانب واحتواء الطابق الثالث الذى شب به الحريق على كمية كبيرة من المكاتب الخشبية سريعة الاشتعال من جانب آخر. وبدأت حكاية محكمة جنوبالقاهرة الابتدائية بباب الخلق عام 1884 مع ظهور المحاكم الأهلية فى مصر، وكان أول رئيس لها هو القاضى إبراهيم فؤاد باشا، فقد كانت محكمة جنوب وقتها تحمل اسم "محكمة مصر الأهلية" ثم أصبح اسمها "سراى القضاء العالى"، بعد أن ضمت بين جدرانها محكمة استئناف مصر ومحكمة النقض والإبرام، ومقر النائب العمومى. وكانت المحكمة قبلة ومقصدا لكبار القضاة ورجال القانون ومصدرا لكثير من الأحكام التاريخية التى أعطتها مكانة راسخة فى تاريخ القضاء المصرى، ولهذه المكانة اختارها الملك فؤاد ليحتفل فيها مع القضاة ووزارة الحقانية عام 1933 بالعيد الذهبى لمرور 50 عاما على إنشاء المحاكم الأهلية فى مصر، وألقى خلالها كلمة العرش التى أكد فيها حرص حكومته على رعاية القضاء. وبعدما واصلت المحكمة تاريخها الحافل لتصبح أشهر محكمة فى مصر يحفظ اسمها كل مندوبى وكالات الأنباء والفضائيات فى كثير من دول العالم بسبب القضايا الشهيرة التى نظرتها وأشهرها على الإطلاق قضية محاكمة الرئيس الراحل محمد أنور السادات التى عقدت فى قاعة (6) بالدور الأرضى. وتحكى قصة المحاكمة لوحة جدارية رخامية علقت على حائط القاعة تشهد بأنه فى عام 1948 وبعد 30 شهرا من الحبس الاحتياطى شهدت هذه القاعة محاكمة محمد أنور السادات ونفر من شباب مصر متهمين بمقاومة الاستعمار. وترأس المحكمة المستشار عبداللطيف محمد وبرأت المحكمة السادات وآخرين، وفى 10 أكتوبر 1977 جاء السادات إلى القاعة نفسها بصفته رئيسا للمجلس الأعلى للهيئات القضائية ليعقد فيها أول جلسة له مع المجلس برئاسته، حيث قام فى البداية بشرح تفصيلى بمشاهد محاكمته وأماكن تواجد المستشارين على المنصة، وكذلك المكان الذى كان يقف به داخل قفص الاتهام. وعلى مدار السنوات الماضية شهدت قاعات المحكمة محاكمات مهمة شغلت الرأى العام مثل قضية أحداث 1977، وقضية الجاسوس عزام عزام، وكذلك شريف الفيلالى، وقضية نواب القروض وعدد كبير من قضايا رجال الأعمال آخرها حسام أبوالفتوح، وقضية الدكتور يوسف والى وزير الزراعة الأسبق ضد جريدة الشعب وقضية مركز ابن خلدون. كما شهدت قضايا رئيس قطاع الأخبار الأسبق محمد الوكيل، والشواذ، والآثار الكبرى، ورئيس حزب الغد أيمن نور، ورجل الأعمال هشام طلعت مصطفى ومحسن السكرى الخاصة بمقتل الفنانة سوزان تميم، وربما يرجع استئثارها بأغلب قضايا الرأى العام والمشاهير إلى قربها من مديرية أمن القاهرة وإمكانية تأمينها جيدا وبعدها إلى حد ما عن وسط القاهرة. وداخل قاعات محكمة جنوب وطرقاتها تسمع يوميا اختلاط أصوات زغاريد الفرحة بأحكام براءة مع صراخ من أحيلت أوراقهم إلى المفتى، أو تقضى المحكمة عليهم بالسجن المشدد. قاعات وغرف وطرقات محكمة باب الخلق كانت تتميز بروعة زخارفها وهدوئها واتساعها، وعلى الرغم من ذلك تحوّلت إلى ممرات مختنقة لا تحتمل روادها. فمحكمة جنوب يدخلها سنوياً ما يقرب من ثلاثة ملايين مواطن ما بين محامين ومتقاضين وشهود وأهالى متهمين، ويكفى أن نعرف أن عدد القضايا المنظورة فى كل محاكم مصر عام 1884 لم يتعد 2500 قضية زادت إلى نحو 12 ألف قضية عام 1933 كانت تنظرها نحو 51 محكمة، بينما آخر إحصاء لمحكمة جنوب يؤكد أنها تلقت وحدها من أول أكتوبر 2004 حتى أول يونيو 2005 نحو 158 ألف قضية مدنية و50 ألف قضية جنائية وجنح ومثلها تقريباً تلقتها محكمة الأسرة لدرجة اضطرت إدارة المحكمة، إلى تحويل 17 مكتبًا إلى قاعات للجلسات. وقرر المستشار ممدوح مرعى وزير العدل السابق نقل المحكمة إلى مبنى جديد بمنطقة زينهم على الطراز الحديث بضم ما ضاقت به جدران وغرف وقاعات أول محكمة مصرية، وتسليم مبنى محكمة باب الخلق إلى وزارة الثقافة لتحويله إلى أول متحف قضائى. وفى ظل الحكم الإخوانى تعرضت محمكة باب الخلق إلى حريق هائل نتج عنه تدمير العديد من المكاتب المحفوظ بها العديد من القضايا الهامة، لتشير أصابع الاتهام إلى أن الحريق متعمد لإتلاف ملفات متعلقة بأوامر اعتقال أو قضايا سياسية، قد يؤدى حرقها إلى محو تاريخ إجرامى لشخص معين.