طارق عامر يتحالف مع المالية ضد وزارتى الاستثمار والتعاون الدولي.. المحافظ يتهم الوزيرتين بالتسبب في أزمة الدولار 42 مليار جنيه لتمويل عجز الموازنة والدين بعد تطبيق القيمة المضافة وأسعار الكهرباء الجديدة.. الحكومة تحاول التوافق مع البرلمان حول نسبة الضريبة لتمرير مشروع القانون فى الصحة.. من الممكن التعامل مع أمر "القضاء والقدر"، حال إزاحة الأسباب الأخرى التى عجلت بالأمر مثل الإهمال، أو خطأ التشخيص، أو حتى بطء التدخل، لكن فى الاقتصاد الأمر يكون مختلفا، فالأزمات واضحة للجميع.. الخبراء سبق وأن حددوا موضع الداء، وتبرعوا أيضا ب "روشتة العلاج"، لكن الغريب هنا أن "أهل الحالة"، لا يرغبون فى اتباع "كلام الخبراء"، ليس هذا فحسب، لكنهم بدأوا فى الاستعانة ب"الوصفات الشعبية" التى لم تؤت أكلها يوما، وأثبتت التجربة تلو الأخرى أن الكوارث تتزايد حال استخدامها، والنتيجة فى النهاية تكون تدهور الحالة الاقتصادية للبلاد، وكل مسئول يلقى بأمر الكارثة على مسئول آخر، ووحدها مصر هى التى تدفع فاتورة الخلاف. متى تموت الحالة؟.. الجهات المسئولة عن موت الحالة دائما تقول "قضاء وقدر" وتصمت بعدها، تاركة الجميع فى حالة ذهول، بحثا عن أسباب تٌفسر "القضاء والقدر".. وفى النهاية لا تكون هناك كلمات تقال سوى "اللهم لا اعتراض"..! متابعة الخط البيانى للأزمات الاقتصادية التى تعانى منها مصر خلال السنوات القليلة الماضية، والتى ظهرت بحدة خلال الفترة الأخيرة، كشفت أن السبب الرئيسى فى استمرار حالة التدهور تلك يتمثل فى النزاع – شبه الدائم- القائم بين وزراء المجموعة الاقتصادية وقيادات البنك المركزى، وهو صراع تاريخى ممتد منذ سنوات طويلة، وكافة الشواهد الحالية تشير إلى أن نهايته لن تكون قريبة كما يحلو للبعض تصوير الأمر. ورغم أن الفرق واضح بين السياسة المالية والنقدية إلا أن الخلاف يحدث بين الطرفين بسبب التفسير الخاطئ للحكومة والبنك فى تحديد مسار كل فريق. هذه الخلافات كانت سببا فى أزمات مالية طاحنة عاشتها مصر ولا تزال تعيشها، وكانت سببا أيضا فى الإطاحة برئيس البنك المركزى السابق هشام رامز وتعيين المحافظ الحالى طارق عامر، أملا فى تحسن العلاقة، وحتى عندما تم تغيير وزيرى المالية والاستثمار فى التعديلات الوزارية الأخيرة لم تتحسن الأمور، وارتفع سعر الدولار فى السوق السوداء إلى13 جنيها. مصادر حكومية رفيعة المستوى أكدت اشتعال ما يمكن وصفه ب"حرب الجبهات" بين طارق عامر محافظ البنك المركزى ووزيرتى التعاون الدولى والاستثمار، بينما على الجانب الآخر هناك علاقة أكثر من رائعة تربط بين محافظ البنك والدكتور عمرو الجارحى وزير المالية بسبب اشتراكهما سويا فى الإعداد لمفاوضات صندوق النقد الدولي، وهو ما أدى إلى حدوث تناغم بين قيادات المالية والبنك. حالة التناغم تلك ظهرت بوضوح فى إشادة محافظ البنك المركزى، طارق عامر- خلال مؤتمر صحفى عقد بمقر مجلس الوزراء للإعلان عن الاتفاق المبدئى مع بعثة صندوق النقد الدولى على تمويل برنامج الحكومة الاقتصادى لمدة 3 سنوات بقيمة 12 مليار دولار - بمسئولى وزارة المالية، وهى سابقة لم تتكرر كثيرا، فدائما كانت هناك خلافات بين المالية والبنك المركزي، وكان آخرها الحرب الباردة بين الدكتور هانى قدرى دميان وزير المالية السابق وهشام رامز محافظ البنك السابق والتى أطاحت بكليهما من المشهد السياسى بسبب المشكلات التى تسببا فيها لمؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء. علامات التوءمة بين البنك والمالية ظهرت واضحة خلال فترة مفاوضات صندوق النقد، ورغم أن التعليمات الصادرة لمحافظ "المركزى" بالإقلال من التصريحات الإعلامية، إلا أنه لم يمانع الذهاب إلى مقر وزارة المالية مصطحبا معه لبنى هلال نائب رئيس البنك المركزى لإرضاء وزير المالية رغم مشاركة الاثنين فى مؤتمر عقد بمقر مجلس الوزراء للإعلان عن الاتفاق مع البنك الدولى على القرض. على الجانب الآخر، هاجم طارق عامر السياسة الخاطئة لوزارتى الاستثمار والتعاون الدولى بما أسماه اختلالات فيما يتعلق بجذب الاستثمارات الأجنبية وهو ما كبل يد الإدارة الحالية فى تحقيق النمو والتنمية المطلوبة، مؤكدا أن الادخار المحلى وحده لن ينخفض بمصر بل لابد من الاعتماد على مدخرات خارجية. المصادر أكدت أن حديث "عامر" أمام بعثة صندوق النقد الدولى سبب إحراجا بالغا للدكتورة سحر نصر، وزيرة التعاون الدولى والدكتورة داليا خورشيد وزيرة الاستثمار لاسيما عندما أكد أن هذه الخطوة – يقصد موافقة الصندوق على تمويل برنامج الحكومة – تعد مجرد بداية فقط للانطلاق نحو تحسين وضع مصر الاقتصادي، بما يمثل إنكارا وعدم اعتراف لسياسات وجهود وزارتى الاستثمار والتعاون الدولى فى التعاطى مع الأزمة الاقتصادية. المصادر أرجعت خلاف طارق عامر وسحر نصر وزيرة التعاون الدولى إلى تباطؤ تحركاتها لوصول ودائع دولتى الإمارات العربية والسعودية للبنك المركزى التى سدد منها البنك 1.7 مليار دولار ديون مستحقة على مصر فى يوليو الماضى لدولة قطر وذلك بعد إعلان الإمارات عن دعم الاحتياطى الأجنبى للقاهرة ب2 مليار دولار فى صورة وديعة ليرتفع بذلك أرصدة الاحتياطات الدولية لمصر ل19 مليار دولار من مستواها الحالى البالغ 17 مليار دولار. من جانبها، أكدت مصادر اقتصادية مرموقة بصندوق النقد الدولى أن على الحكومة المصرية سرعة تطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة واستعجال موافقة مجلس النواب عليه كشرط أساسى وضعه الصندوق، لاسيما وأنه بموجب القانون سيحصل نحو 32 مليار جنيه زيادة فى خزانة الدولة، لتخفيض العجز فى الموازنة العامة للدولة، بالتوازى مع الأسعار الجديدة للكهرباء والتى تساهم فى زيادة متحصلات الكهرباء 10 مليارات جنيه، بما يعنى أن القيمة المضافة والشرائح الجديدة للكهرباء تمول عجز الموازنة ب42 مليار جنيه وهو ما سيساهم فى تقدم تصنيف مصر الائتمانى وتخفيض الدين العام الحكومى من 98 % من إجمالى الناتج المحلى ل88 %. كما أوضحت مصادر داخل المجموعة الوزارية الاقتصادية للحكومة أن هناك حالة من الجدل تثار حاليا فى مجلس النواب بسبب قانون ضريبة القيمة المضافة تتمثل فى تحديد 14 % كضريبة، وهو ما تسبب فى تهديد أكثر من نائب برفض القانون.. وأكدت المصادر أن هناك مفاوضات جارية بين الحكومة والبرلمان بخصوص تخفيض النسبة ل10 % فقط. وتحاول الحكومة – وفقا للمصادر ذاتها- التوصل إلى اتفاق مع البرلمان على الوصول بنسبة الضريبة إلى 12 % فقط، لكن النواب اشترطوا أن تكون هناك زيادة فى الإعفاءات، وهو ما ستوافق عليه الحكومة بأسرع وقت للبدء فعليا فى التطبيق لكسب مزيد من الثقة التى بدورها سيكون لها مفعول السحر فى تسهيل إرسال الدفعات إلى مصر فيما يتعلق بالقرض.