"لتزويج العانس، وشفاء العاقر، وإبطال الأسحار وجلب الحبيب، ورد المطلقات وطرد الجن وفك "النحس" بجميع أشكاله، يأتيه الناس من كل فج عميق طلبا في رشة مياه من بئره، والقيام بالطقوس المعهودة".. هكذا يعتقد أهالي أسيوط والمحافظات الأخرى عن بئر القطب بالجبانة القديمة. يقع بئر القطب بمقابر جبانة المسلمين القديمة التابعة لحى غرب أسيوط، ومقامه الفارغ يتوافد عليه كل جمعة العشرات من الرواد وفى مقدمتهم النساء لفك العقد وإشفاء المرضى ومداواة ما عجز الأطباء عن مداوته فيطوفون حوله، ويشعلون الشموع ويطلون الجسد بالحناء ويستقبلون رشة مياه في غفلة من البئر الخاصة به ظنا منهم أن "قطب الله" الملاذ الأخير لغير القادرين على تغيير المقادير السيئة. يقول مصطفى محمد خادم البئر وهو خريج كلية الحقوق: "إن مقام بئر القطب معروف من أزل السنين، كبرنا على وجوده ويعتقد أجدادنا أن القطب هو سيدنا الخضر، وأتى إلى أسيوط منذ آلاف السنين وترك البئر والمقام، ويقوم السيدات بزياته كل جمعة للحصول على بركة مياهه التي ترش على غفلة من المريض أو المقصود شفاؤه فيشفى على الفور". وأضاف خادم البئر: أن المياه في البئر طيبة لا تجف أبدا طعمها يزاد حلاوة بالشرب ولا تشبع منها الشارب، حتى إنه كلما شرب عطش أكثر، ويقوم الأهالي بالوضوء والاستحمام أخذ المياه منها من يعانى من الأمراض بالمعدة أو غيرها، والنساء تقصدها من جميع أنحاء الجمهورية لبركته التي تعم بالفائدة بمجرد إتمام الطقوس والمغادرة، وجميع الحالات التي يتم شفاؤها توصى الآخرين بزيارة البئر للنيل من بركة رشة مياهه". أما عن طقوس البئر واستخدام مياهه، فيقول العم عبد الكريم عامل البئر:"السيدة العاقر والمطلقة والعانس لكل منهم طريقة وطقوس، فمنهم من يبدأون دورة الشفاء بإشعال الشموع في المقام ودهن الحناء، ثم يطوفون حوله 7 مرات وفى إحدى المرات يقوم مرافق الحالة أو عامل المقام برش كمية من المياه على غفلة من الحالة فتحل البركة، ثم تبدأ في تجميع 7 حجارات صغيرة من شوارع مختلفة وتطلع لأعلى الجبل هناك عند القبر الفرعونى وتطوف 7 مرات وترجع وتلقى الحجارة عند الساقية الندورة وترجع للبئر مرة أخرى وتضع النذر وتغادر لمدة 3 "جمع" وتحل بركة القطب عليها بعد مغادرتها خلال أسبوع واحد من زيارتها". ويشير "عبدالكريم" إلى أن رحلة الحالة رغم أنها تطول وسط المقابر في الجبانة وبالجبل، إلا أن الطقوس يجب أن تتبع كما هي وكما ورثناها عن آبائنا وأجدادنا لضمان الشفاء وتقديم المراد، فإن البعض من الشيوخ تصف للفتيات العانس اللجوء للقطب ولا تخرج الفتاة إلا وهى مجبورة الخاطر". ويضيف:"أما بالنسبة للصبيان والأطفال المصابة بعجز أو حالات تشنج أو شلل، فيقوم العامل بتمريره من فتحة المقام للجهة المقابلة ويستقبله الآخر برشة المياه على غفلة، فتفك العقدة وتصير الصحة أفضل بكثير، كما أن الأهالي تذبح النذور أمام المقام كل عيد وكل جمعة وهناك الكثير من الزيارات التي تأتى من خارج مصر لأخذ بركة بئر القطب". وأوضح راعى البئر أن المقام فارغ تماما لأن القطب يغادر من بلد إلى بلد في ملكوت الله ولا يموت، وأن المقام يلاصق له قبر فارغ ومفتوح، يقوم الرجال من الحالات بالنوم فيه أو الوضوء داخله لتحل عليهم البركة وتفك "العكوسات" التي تقابلهم، وعند رش المياه على وجوههم يعالح العقيم ويرزق النحوس ويطيب المريض بإذن الله وببركة القطب الجليل" . وقبل نهاية رحلتنا، قابلنا إحدى السيدات المنتقبات التي أتت من مسافة بعيدة بمحافظة مجاورة لأخذ بركة القطب، وكانت تطوف وتتوسل إليه بسؤالها عما تفعل، فأجابت: "رغم أنى خريجة كلية وأعلم أن الكثير يدعى أن تلك ما هي إلا خرافات، إلا أن أخت زوجى شفيت من العقم بعدما زارت القطب، فمياه القطب هي الغوث الذي بعثه الله لنا في زمن الحاجة ومجربة مع العشرات الحالات".