كتبت من قبل العديد من المقالات والأبحاث عن ضرورة تجديد فهم الناس لدينهم، وقد كنت أعنى أن القرآن الذي هو النص الدينى الأعلى ثابت لا شك فيه،، كما أن الأحاديث التي لا تخالف القرآن ولا تجافى العقل ليس هناك مجال لإنكارها، فلا يمكن أبدا أن يوحى الله للرسول صلى الله عليه وسلم حديثا يخالف ما أوحاه له قرآنا، وإلا لوقعنا في معضلة تهدم ثابت الدين الأعلى ألا وهو القرآن، كما لا يمكن أن يوحى الله للرسول صلى الله عليه وسلم حديثا يخالف العقل وقدرته على الاستقبال، فالله نفسه قال في القرآن "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" والتكليف الذي يخاطب العقل يجب أن يكون مفهوما للعقل، كما لا يمكن أن يقرر الله حكما في القرآن ثم يقوم بإلغائه في الحديث، فضلا عن أن فكرة الإلغاء ذاتها تحتاج من علماء المسلمين إلى مراجعتها، وقد راجعها بالفعل مئات العلماء وأنكروها بأدلة سائغة، وبذلك باتت حجة القائلين بالنسخ لا منطق لها. وكان من جملة ما كتبته أن القرآن هو النص الذي جاء وحيا ولفظا من عند الله سبحانه، ولكن إذا كانت الأحاديث كما قال العلماء "موحى بها من عند الله ولفظها من عند الرسول صلى الله عليه وسلم" إلا أننى اختلفت مع هذه المقولة في نصفها الثاني، فإذا كانت الأحاديث موحى بها من عند الله، إلا أن لفظها ليس من عند الرسول، ولكنه من عند راوى الحديث الذي نقل عن الرسول، أو الناقل الذي نقل عن الراوي، أو الناقل من الناقل وهكذا، فالأحاديث كما أثبت علماء الأحاديث أنفسهم، وكما جاء في كتب الصحاح رويت لنا بالمعنى وليس باللفظ، كل هذا حسن، ولكن ما معنى تجديد فهم الناس لهذه النصوص! معناه أن النص وإن كان ثابتا إلا أن فهمنا له لا ينبغى أن يكون ثابتا، فأفهام الناس تتفاوت من شخص لشخص، ومن زمن إلى زمن، ومن مكان إلى مكان، فمابالك وقد مر على "زمن الأوائل" ما يقترب من الألف وخمسمائة عام تغيرت فيها أحوال ودُنى وظروف وعلاقات، ألا يقتضى هذا منا أن نُعمل عقلنا في كل هذه المتغيرات،، ثم أليس من حقنا أن نحاكم الأولين على فهمهم، وننتقد مشروعهم التطبيقي، وإذا فعلنا هذا أيظن أحد أننا نحاكم الدين نفسه أو ننتقد نصوصه! هذه هي الغاية من التجديد، فإذا كان الأولين اجتهدوا وفهموا فلنا أن نجتهد ونرفض ونقبل دون أن يحجر علينا أحد.